رواية الوجوه البيضاء للأديب الياس خوري، والتي صدرت طبعتها الأولى عن دار الآداب للنّشر والتّوزيع/ بيروت سنة 1981، والطّبعة الثّانية سنة 1986، والطّبعة الثّالثة سنة 2003. يقول موسى أبو دويح: %تناول الكاتب في روايته الحرب الأهليّة اللّبنانيّة، الّتي أكلت الأخضر واليابس، والّتي كان القتل فيها على الهويّة، دون رحمة أو شفقة أو إنسانيّة.%


الكاتب في روايته إذا كان هو المتحدّث أو السّارد تحدّث وسرد بلغة عربيّة فصيحة، وإذا كان غيره هو المتحدّث تحدّث بلغة غيره كما هي عامّيّة سواء باللّهجة اللّبنانيّة كانت أم اللّهجة الفلسطينيّة. وكأنّي به اختار عنوان روايته "الوجوه البيضاء" لأنّ وجوه اللّبنانيّين والفلسطينيّين بيضاء يندر بينهم الوجه الأسود أو الملوّن. وجعل على غلاف روايته وجوهًا لرجال ونساء وشيوخ وعجائز وأطفال مسلمين ونصارى ودروزًا، تزيد عن مئة وجه، وكأنّي به يقول إنّ هذه الوجوه البيضاء البريئة قتلت دونما ذنب اقترفته وبدون محاكمة أو قضاء. وإنّما قتلت عبثًا وحسب أمزجة شخصيّة، وهوًى نفسيّ، لا يرجع إلى دين أو خلق أو ضمير.


ويحاول الكاتب عبثًا أن يوجد مبرّرًا لجريمة القتل، ويضع كلّ الاحتمالات الّتي تؤدّي إلى القتل فلا يجد واحدًا منها منطبقًا على عمليّة القتل.


يبدأ الكاتب روايته بالحديث عن جريمة قتل مروّعة يسمّيها هو رائعة لرجل في العقد الخامس من عمره يسمّى "خليل أحمد جابر"، ويكتب عنها حوالي 340 صفحة في سبعة فصول هي: الملاكم الشّهيد، وأجساد مثقوبة، والحيطان البيضاء، والكلب، والتّحقيق، والملصقات، وخاتمة مؤقّتة؛ وفي كلّ هذه الفصول السّبعة لا تظفر بطائل، ولا تدري من الّذي قتل إبراهيم أحمد جابر. الرّواية تشدّ قارئها من بدايتها إلى نهايتها لاكتشاف مرتكب الجريمة، ولكنّه يستمرّ في حيرته.


وقال سمير الجندي: الوجوه البيضاء، العنوان الذي يتكون من كلمتين في جملة اسمية "الوجوه والبيضاء" فالوجوه هنا هي الناس العاديين الذين ليس لهم أية انتماءات سياسية، وهم الذين يقع عليهم الظلم في المنازعات والحروب الأهلية في أي بلد، فأطلق الكاتب عليهم هذا الاسم، بل أطلقه على روايته، فكان موافقاً لما تضمنته الرواية. واللون الأبيض له دلالته عند العرب، فهو لون واضح يدل على الشفافية، والإبانة، ويعكس أي حركة تظهر عليه.


أما من ناحية الأسلوب، فالكاتب نسج روايته بطريقة ملفته، لا تخلو من التشويق، بحيث استخدم شخوصه استخداماً موفقاً، عندما جعل الشخصيات تتحدث عن الضحية التي تشكل في الرواية العقدة، تناول الكاتب سيرة الضحية من خلال الشخصيات فكل شخصية تتحدث عن الضحية من زاوية مختلفة، بحسب علاقتها بالضحية،بدءاً من زوجته وكانت الحبكة متماسكة رغم اختلاف مشارب الشخصيات، وهذا التماسك ناتج عن قدرة الكاتب في ربط الأحداث بعضها ببعض، وهذه نقطة مهمة تحسب للكاتب.


كما إنه استخدم أسلوب المحققين في رسم أحداث روايته، ما عزز عنصر التشويق، لكنه لم يجعل الضحية تعبر عن نفسها، بل إنه قدمها لنا جثة مشوهة وأنها ضحية لجريمة مروعة، وقد وصفت من خلال شخصياته، بأنه إنسان عادي يعمل في مصلحة البريد،ولا يرتشي،وليس له علاقة بالفساد،فهو إما في عمله، أو في بيته، لكنه يفقد في الصراع الطائفي في لبنان عام 1975 ابنه الوحيد، الذي كان رياضياً.


وتبدأ معاناته لحظة فقدانه لابنه، حيث تظهر عليه علامات القلق، والغرابة، خاصة، عندما يأخذ بطراشة الجدران باللون الأبيض، تلك الجدران التي تشي بالحالة السياسية الطائفية في لبنان، فهو يريد القول، أنتم الذين قتلتم ابني. أنتم السبب في كل ما وصلت إليه البلد، أنتم أصحاب الشعارات، فلا يوجد وسيلة للتعبير عن سخطه إلا من خلال مسحه لتلك الشعارات الثرثارة، فالكاتب يعبر عن أفكاره وعن فلسفته ورؤيته السياسية من خلال استخدامه للون الأبيض للمرة الثانية – بعد العنوان – وهي إشارة ذكية تتضمن إزالة كل أشكال الطائفية.


وبأن العمل الوحدوي، الوطني، من شأنه إحلال السلام والطمأنينة في البلاد. فإزالة الشعارات ترمز إلى إزالة أشكال الصراع...وهي رسالة من خلال روايته الوجوه البيضاء.. بأن الطائفية الضيقة هي التي أوصلت البلاد إلى أتون الصراع القاتل، الذي يقع ضحيته في أغلب الأحيان، الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة، مثل الضحية خليل احمد جابر، الذي وُجد مشوهاً ليس بالصدفة بجانب تمثال حبيب أبي شهلة، أحد صناع الاستقلال اللبناني، وهي إشارة أيضاً لربط آثار الجريمة البشعة بروّاد الاستقلال الشرفاء ....فالشرفاء يصنعون المجد، والتاريخ، والمجرمون يصنعون الدمار، والقتل، والخراب.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.