لم تكتب كلمة (إهداء) .. في أول صفحة كما هو ديدن الكثيرين .. ولم تذكر اسماً ولكنها قالت: (إلى من زرع اليمن في قلبي .. فأينعت في ظله عشقاً وبلقيساً وكلمات)..


هذه هي ريم عبد الغني عندما تطبع خصوصيتها على نحو مغاير يحمل الفرادة والامتياز ..
أحسب أني أعرفه وأعرفها .. و لا أحسبها بالغت ولكنها بلغت ، ولا ضلت سبيلا بل ظللت وارفاً ، فوراء كل عظيمة رجل عظيم أيضاً .. وكما قالت في كتابها السابق ( وهج روح ) :
 (أنا لا أتكلم عن أنبياء أو قديسين ، إنما عن بشر عاديين مثلنا ، لم أعرف منهم الكثير للأسف ، لكن القليلين الذين عرفتهم ( كباراً ) أثروا بي كثيراً.... إلخ.) .
 
ليس مزارعاً ولا وزير زراعة هذا الذي زرع اليمن في قلبها ، لتتحفنا بكتابها "عشقاً وبلقيساً وكلمات " .. إنما رجل أخذ الوزارة ونال الرئاسة وبلغ الحُكم في بلد الإيمان والحكمة .
 
عندما قرأت الكتاب الأول للمتألقة مهندسة المعاني والمباني ريم عبد الغني بعنوان ( وهج روح ) الصادر عن وزارة الثقافة السورية قبل نحو عامين والذي حرصت على اقتنائه بين أشياء قليلة قريبة إلى قلبي عندما انتقلت من دمشق للإقامة في الولايات المتحدة أدركتُ أن ذلك الوهج لن ينطفيء وتلك الروح لن تهدأ ، وهاهو وهجها الجديد يُطل وروحها المبدعة ترخي بظلالها الوارفة "عشقاً وبلقيساً وكلمات" ..
 
أصدرت وهجها الآخر ففاحت روحها الأخرى في كتاب قرميدي اللون اختير بروح المعمارية وريحان الأديبة ليصبح أيقونة في متحف لا تزال ريم تفيض عليه وهجاً تلو وهج وروحاً تلو أخرى ..


هذه إذاً ريم التي تتساءل في مستهل كتابها الجديد ( هل تؤمنون بالحب من أول نظرة ؟ ) لتردف مجيبة ( أنا أؤمن به ، فعلاقتي باليمن .. كانت حباً من أول زيارة ) ، ولئن كانت زيارتها الأولى لليمن العام 1997م هي سنة خروجي الأول من اليمن إلى سورية ، فإن الأعوام التي تلت وفرت فرصة للتقاطع بين خروجين عن النص وزيارتين لوجهتين متعاكستين ..


من يتصفح كتاب ريم لا يقرأ كتاباً فقط بل يزور معرضاً للفن التشكيلي ولعله يشعر أيضاً بأنه في حضرة لوحة من الفن التجريبي والفولكلور الذي لا يخلو من الشعر والمشاعر ...
 
لوحات الرسام الفرنسي جوزيه ماري بيل وهو المستشرق المسكون باليمن راقصت كلمات ريم وتوصيفاتها وتعبيراتها الأخاذة في عدد كبير من صفحات الكتاب فأخذتني إلى اليمن التي مضى لي نحو سبع سنوات على آخر زيارة لصنعائها وتعزّها وعدنها..
 
من يتصفح أوراق ريم يتملّكه شعور بقوة الموعد .. موعد يعقبه آخر .. موعد مع الظمأ وآخر مع الومأ .. وهج ارتواء وروح احتواء ..
 
طريقة التوثيق المنهجي يُدخل الكتاب بجدارة في مصاف الوثائق الدالة على اليمن والمروجة لها حول العالم ، ومن الجدير أن يُعد من المصنفات التي توثق لتاريخ وجغرافيا وعادات وتقاليد بلادنا ، ولعل الطابع السيريالي الحاكم لصياغة الكتاب يعطي المعلومة والحدث والصورة بُعداً مختلفاً لا تبلغه تلك الكتب المقولبة .. ولا تُجايله تلك الدراسات المعلبة بنمطية "العلم من أجل العلم" ..
 
في ظلال بلقيس .. كتاب يشفع لحكومة الوفاق كل أخطائها فلعله الشيء الوحيد الذي يستحق الذكر لحكومة أثبتت أنها (لا وفاقية) ، على أنّ صدور مثل هذا الكتاب عن وزارة الثقافة اليمنية أمر موفق .. ولاغرو ، أن يعتبر سعادة السفير الصديق الخلوق فيصل أبو رأس كتاب ريم ( في ظلال بلقيس ) أجمل هدية وأكثرها قيمة ورمزية يقدمها لرؤساء لبنان وهو يودعهم في ختام مهمته الدبلوماسية سفيراً لليمن في بيروت.
 
إيمـــــــاءة
 لن نحزن ولن يطول انتظارنا .. إنها (اعتذار السماء المقبول) دوماً .. لأنها ببساطة ريم عبد الغني التي لا شك سنكون على موعد متجدد معها ، فـ (لحضرموت حضارة لا تموت) ، وأما عدن فهي عند الريم ( زهرة البركان ) .. إنهما كتابان "ريميّان" راميان يشقان الطريق إلينا ، بوهج آخر وروح أخرى.


 

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.