تجاوز الهوس العالمي بجمال المرأة حدود المعقول.. وتعداه إلى الحدود غير الطبيعية؛ فصار البحث عن الجمال هاجس المرأة الأول والأخير حتى أنها أصبحت تقيم بجمالها ولا شيء غيره كما يحدث في مسابقات الجمال العالمية، حيث يصفق الآلاف بحماس ويهتفون.. ويتابع الملايين عبر الشاشات.. تتعالى الصرخات وهي تتلقى التهاني من كل جهة.. تحاول أن تتماسك وتتقدم بخطوات حاملة اسم وطنها ورقمها في ورقة معلقة على صدرها في فستانها الضيق العاري.. تلتفت إلى الجمهور لتقدم لهم ابتسامة.. تقف بزهو وشموخ.. فهي على موعد لترتدي تاج ملكية العالم.. دموعها تنهمر من شدة الفرحة بالانتصار والإنجاز الذي نادرًا ما يحدث لأي المرأة لا تصدق أنها سادت العالم، حاملة تاجًا مرصعًا بمئات الجواهر النفيسة.. حصدت مئات الآلاف من الدولارات بفضل جمالها فقط.

وهذا التكريس لفكرة الشكل انتشر لدرجة مريعة أثرت في نفسية كثير من النساء والفتيات، فأصيب بعضهن بعقد النقص، والبعض بهوس تغيير المظهر ما بين فترة وأخرى، بينما البعض عانى من أمراض نفسية وعضوية كنتيجة للبحث عن الجمال بمفهوم الغرب.

أصبحت ملكة جمال العالم أو الكون حدثًا عالميًا، تنقله وكالات الأنباء وكل القنوات الفضائية.. والتساؤل الذى يطرح نفسه: لماذا كل هذا الاهتمام بجمال المرأة؟ ولماذا أصبح الغرب أنفسهم يعارضون هذه الاحتفالات ويعتبرونها رمزًا للعنصرية وإهانة المرأة؟ هذا ما نطرحه على الخبراء ونحاول الإجابة عليه.

ترى أمينة شلباية خبيرة الأزياء والتجميل أن الاهتمام بمهرجان ملكات الجمال لم يقتصر على الغرب وبدأ الهوس الكبير بحفلات ملكات الجمال ينتقل إلى مجتمعاتنا، وأصبح لكل مناسبة ولكل موسم ملكة جمال فتلك ملكة جمال العارضات، وتلك ملكة جمال السمراوات أو الشقراوات، وتلك ملكة جمال المراهقات أو الأطفال، والأخرى ملكة جمال الربيع وتلك ملكة جمال الريف وصولاً إلى ملكة جمال موسم البطيخ بل وملكة جمال القمامة! وصار الأمر مثل سوق الجواري بل هو أذل بكثير، وأضافت إن الباحث في تاريخ هذه المسابقة يجد مؤسسها هو مالك أحد مؤسسات اللهو الكبرى في بريطانيا وهو اليهودي "إريك مورلي"، حيث قام بإنشاء أول مسابقة لأجمل الجميلات قبل 50 عامًا للترويج لنشاطات شركته المتخصصة في اللهو المحرم وبيع الأجساد! وبدأت المسابقة منذ ذلك الحين فى التوسع والتطور، وابتعدت عن هدفها الحقيقي الأول، حتى أصبحت شعبيتها تستقطب أكثر من ملياري مشاهد عبر شاشات التلفزيون.ملكات الجمال

 وتشير "شلباية " إلى أن هناك مسابقتين عالميتين تقام للجمال، الأولى ملكة جمال العالم، والثانية ملكة جمال الكون.. وتترشح لكل مسابقة مشاركات تمثل كل واحدة منهن دولتها ويتم إقامة عرض أولى للمتسابقات بلباس البحر للتأكد من أن مواصفات الجسم صحيحة تمامًا وأن المتسابقة لا تخفي ولو عيبًا بسيطًا في جسمها، كما تحرص اللجنة على معرفة مدى جرأة المتقدمة وثقتها بنفسها! بعدها يتم إقامة عرض آخر بلباس السهرة، يتبعه العرض النهائي حيث يتم سؤال المتسابقة من قبل اللجنة عن بعض الأمور.. ثم يتم فرز أفضل عشر متسابقات ويجبن عن بعض الأسئلة ويقمن باستعراض ما لديهن من فنون، كالرقص أو الغناء أو العزف، ليصل العدد إلى ثلاث متسابقات فى التصفية النهائية، يتم خلالها اختيار الملكة والوصيفة الأولى والثانية.

ويشير محمد الصغير– من أشهر خبراء التجميل المصريين– إلى أن مسابقات ملكات الجمال تحظى باهتمام وسائل الإعلام العالمية وهو ما ساعد على انتشار المتابعين لها في كل أنحاء الكرة الأرضية، وأضاف إن تلك المسابقات تثير غضب الجماهير وبالتالي قيام الاحتجاجات، خصوصًا مع التركيز على مبدأ مقاييس محددة للأجساد ومعاملة المرأة كجسد فقط، كذلك العنصرية الواضحة أحيانًا في الاختيار، كما حدث تم تسليم تاج الجمال لإحدى الفتيات في يوغسلافينا، صفق كل الحاضرين، وبعد ثلاثة أيام تم سحب التاج منها حين اكتشف المنظمون أنها مسلمة..

وأضاف إن الحدث الأغرب كان في تايلاند، حيث فازت إحدى المتسابقات بتاج الجمال، وبعد أسبوع تم سحب اللقب منها، بعدما اشتكت المشاركات الأخريات من تحرشاتها الغريبة بهن، لتكتشف اللجنة -بعد الفحص والتدقيق- أنها رجلاً متخفٍ في ثياب النساء استطاع التمايل والتدلل حتى فاز على نساء تايلاند كلهن.. وفي روسيا شككت الصحافة في أحقية الشرطية الحسناء التي فازت بتاج جمال روسيا، وكانت على علاقة غير شرعية بالرئيس الروسي وقتها فلاديمير بوتين، وأكدت أن انتخابها جاء بضغوط من الرئيس على لجنة التحكيم.

وأكد ناصر عباس خبير في الموضة والتجميل أن مسابقات ملكات الجمال لا تخضع لمقاييس محددة وتتغير باستمرار، وهو ما يفقدها المصداقية، لذلك قامت مظاهرات في بريطانيا العام الماضي ضد هذه المسابقة التي اعتبروها سوقًا للجنس والإغراء وتحطيم القيم الأخلاقية والأسرية، وقامت العديد من جمعيات حقوق المرأة والقيم الأسرية، بدعم تلك المظاهرات.. وأثارت مسابقة الجمال في قبرص غضب المتظاهرين، بعدما اكتشفوا أن إحدى المشاركات وهي ملكة جمال البرازيل قامت بإجراء 19 عملية تجميل من أجل الفوز بمطابقة المقاييس الرئيسية في المسابقة..

وأشار عباس إلى أن بعض الطامحات إلى لقب تقوم بإزالة الزوج السفلي من أضلاع الصدر في عملية جراحية خطرة حتى يضيق الخصر أكثر وتصبح أكثر مطابقة للمقاييس.. وهو ما يعرضهن لمتاعب صحية جمة فيما بعد.. ومن الطبيعي أن يكون جمال الشكل مرغوبًا، ولا توجد فتاة لا تتمنى أن تكون جميلة.. ولكن هل الجمال هو فقط جمال الشكل؟ هل بالضرورة أن تكون الأجمل شكلاً محبوبة من الجميع أو أكثر سعادة ونجاحًا من غيرها؟ فقد أثبتت التجارب أن كثيرات كن يتمتعن بجمال مبهر أو كن (ملكات جمال)، لكنهن لم ينجحن في نطاق العلاقات الشخصية ولا في كسب قلوب الناس، ولم ينجح بعضهن حتى في الزواج وتكوين أسرة سعيدة.

وترى د.عزة كريم الباحثة بمركز البحوث الجنائية والاجتماعية في تحليلها لتلك الظاهرة أن كثيرًا ممن يرتدين تاج الجمال العالمي ينحدرن لمصير غريب.. فبعضهن يتجهن إلى الرقص الليلي (ملكة جمال بورتوريكو) أو تمثيل أدوار الإغراء (ملكات جمال الهند)، وتوجه لبعضهن اتهامات في قضايا أخلاقية أو يقعن ضحية حوادث اعتداء (ملكة جمال إسرائيل) وفضائح شذوذ (ملكة جمال فرنسا) أو حتى يقعن ضحية جرائم قتل (ملكة جمال أمريكا للأطفال).. والسبب الرئيسي يرجع إلى الاهتمام الكبير بجمال المرأة ومحاولة جعلها رمزًا للفتنة، فحتى محلات الملابس أصبحت تركز على نوعية خاصة من الملابس، وصارت الفتاة ذات الاثني عشر عامًا تضع مكياجًا كاملاً..

وحملت وسائل الإعلام جزءًا من المسؤولية حيث تنتهج طرقًا عديدة لإشعار المشاهد أن أهم ما يجب أن تهتم به المرأة هو جمالها.. فبطلات الأفلام دائمًا جميلات والمذيعات والمغنيات كذلك، فضلاً عن برامج عروض الأزياء والاهتمام بالجمال والرشاقة، في الوقت الذى صارت حفلات الجمال حدثًا عالميًا يتحدث الجميع عنه وكأنه حدث مصيري، ووصل الأمر إلى أن صورة المعشوقة والمحبوبة الرومانسية أصبحت في عقولنا لفتاة جميلة بسبب صورة فتاة الكليب التي يتغنى بها أي مغنٍ، وهو ما يؤثر على المجتمع بأكمله، ويتحول أفراده إلى أشخاص عديمى الهوية وغير قادرين على الابتكار والإبداع، وهذا كله راجع إلى المحاكاة والتقليد الأعمى الذى يعبر عن التدني الفكرى وعدم الشعور بالمسئولية تجاه الآخرين فى المجتمع. (وكالة الصحافة العربية)


حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.