لم يسبق لأيّ كتاب أن جمع العناصر التي جمعتها رواية "الكاتم"، لتكون حدثا كبيرا، من المرجح أن يستوقف معظم العراقيين والكثير من العرب ومتابعي الشأن العراقي في أنحاء العالم.
فالرواية، بلا مؤلف محدد، ويقول غلافها إنها "رواية تسجيلية بامتياز تحتاجها المرحلة"، ولا ترد فيها أي إشارة إلى كاتب، والأرجح كُتّاب هذا العمل.
"الكاتم"، التي يشير عنوانها إلى المسدسات كاتمة الصوت، التي اغتالت عددا كبيرا من النشطاء السياسيين، تقول إنها رواية شهداء الحرية المغدورين، وهي تصدر في الذكرى الأولى لاغتيال هادي المهدي، أحد أبرز النشطاء السياسيين، وتروي على لسانه جانبا كبيرا من أحداثها. كما تروي "الكاتم"، التي حصلت "العرب" على نسخة إلكترونية منها، على لسان هادي المهدي، وعدد من أبرز المثقفين والصحفيين والنشطاء السياسيين، الذين اغتالتهم الكواتم، تروي عددا هائلا من الأحداث التي شهدها العراق منذ عام 2003، وتطرح مئات من أهم التساؤلات التي يطرحها العراقيون كل يوم منذ ذلك الحين.
ومن أبرز رواة "الكاتم" الى جانب هادي المهدي، المراسلة الصحفية أطوار بهجت والكاتب كامل شياع ونقيب الصحفيين السابق شهاب التميمي والشعراء رعد مطشر وأحمد آدم ورحيم العقيلي وعدد آخر من النشطاء السياسيين.
ويطّلع هؤلاء في سياق الرواية على مؤامرات قتلهم وخطط إشعال المواجهات الطائفية وطرق تصفية الخصوم والنشطاء السياسيين وسبل قمع الحريات، وجرائم الفساد المالي ويتفاعلون مع تلك الأحداث.
ويتفرج هؤلاء في الرواية من "السماء"، على ما حدث لهم وما حدث بعد اغتيالهم، ويقدمون روايات وتفسيرات بعضها شائع بين العراقيين وبعض يكشف عنه على نطاق واسع لأول مرة.
الكتاب يتألف من خمسة فصول، تتداخل الأصوات في كل منها، لتعزز القناعة بأن هذا الكتاب قد اشترك في كتابته أكثر من كاتب، بينهم كُتّاب يحلقون في الشعرية العالية والخيال، خاصة يروي الكتاب بسخرية مريرة أن أعمال القتل، يُراد لها أن تتواصل في العراق كي يتواصل تكوين النفط من أجساد الضحايا.
وتميل أصوات أخرى في الكتاب الى اللغة المباشرة الواضحة، التي تقترب من لغة الإنسان البسيط في الشارع العراقي. ويروي هادي المهدي كيف تشكلت وانطلقت شرارات مظاهرات الغضب العراقي والأساليب القاسية التي استخدمتها الحكومة العراقية لتفتيتها. وكيف انتهت أو تقلصت مظاهرات ساحة التحرير، حتى تكاد الحكومة اليوم لا تعير لها أي انتباه، بعد أن اربكتها قبل عام.
المراسلة التلفزيونية أطوار بهجت، التي اغتيلت عام 2006، لها حضور كبير في الرواية، وهي تروي سبب اغتيالها، وترجعه الى إطلاعها على أسرار تفجير مرقدي الإمامين في سامراء. وتصف كيف وصلت القوات الخاصة واعتقلت سدنة المرقدين وقامت بتفجيرهما. ويكاد يجمع رواة "الكاتم" على أن جهة واحدة تقف خلف كل الدمار والقتل والفساد الذي دمر العراق، وهم يطرحون أسئلة كثيرة لتحديد ملامح تلك الجهة، فيربط معظمها بين إيران ومعظم المتطرفين من السنة والشيعة.
ويبدو أن كُتاب الرواية لديهم الكثير من الأدلة والوثائق والروايات التي سمعوها من هادي المهدي وبقية الشخصيات، التي يقولون إن اغتيالها تم بسبب مواقفها من الأحزاب الطائفية، واطلاعهم على بعض أسرارها الخطيرة.
ويتحدث المهدي في "الكاتم" عن اطلاعه على تسجيلات بالصوت والصورة لبعض الوزراء وهم يسرقون ويتقاسمون الأموال العامة. ويروي كيف كشفها له صديق دنماركي يعمل مع قوات التحالف، ولجأ اليه لمساعدته في ترجمتها.
"الكاتم" رواية تقول الكلمات التي كتبت على غلافها الخلف: "من يحاول منع هذه الرواية التي شبهت لهم، فأما ان يكون قد تورط بدم العراقيين أو انه سيدخل منطقة التواطئ فيما لو حاول ممارسة اية رقابة على هذا الكتاب".
"الكاتم" عمل يوثق لأحداث ومرحلة مهمة من تاريخ العراق ويفتح الأبواب على مصراعيها أمام الأدب التسجيلي، حتى إن اختفت أسماء مدونيه خوفا من الكواتم.
رواية الكاتم توثق لمرحلة حرجة من تاريخ العراق. ويرى البعض أن صدورها بهذا التوقيت وبدون مؤلف محدد سيضاعف من فرص قراءتها وانتشارها، خاصة أنها تطرح قراءات وتفسيرات للكثير مما يتداوله العراقيون.
ومن المرجّح أن تنتشر نسختها الألكترونية إلى حدّ بعيد، لأنه من الواضح أن الجهة التي تقف خلفها لا تبتغي سوى إطلاق صرختها ووصولها إلى أبعد مدى ممكن. من الواضح أن إخفاء هوية كُتاب العمل، قد يكون خوفا من التصفية الجسدية، لكن من المرجح أن يسهم في شيوع الكتاب.
وحين يضع الناشر المجهول على الغلاف: "رواية تسجيلية بامتياز تحتاجها المرحلة" فإنه ينسب العبارة إلى "ناقد وكاتب عراقي كبير" دون ذكر الاسم. وتضع شهادة أخرى لشلش العراقي وهو اسم مستعار لكاتب مجهول.
وتنسب على الغلاف الى شهداء الحرية المغدورين قولهم في تحذير صريح: "من يحاول منع هذه الرواية التي شُبّهت لهم، فاما أن يكون قد تورط بدم العراقيين أو أنه سيدخل منطقة التواطئ فيما لو حاول ممارسة أية رقابة على هذا الكتاب". من الواضح أن الجهة التي تقف خلف نشر "الكاتم" أرادت أن تجمع ملايين الصرخات التي شهدها الحراك السياسي في العراق منذ عام 2003 لتطلقها في صرخة واحدة، ومن المرجح أن تكون لها أصداء واسعة.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.