صدر حديثا عن دار فكر بالمغرب كتاب جديد بعنوان "حول عروبة البربر: مدخل إلى عروبة الأمازيغيين من خلال اللسان" للباحث العمانى سعيد بن عبد الله الدارودى، والذى اهتم ببرهنة عروبة البربر (الأمازيغ) من خلال اللسان، فوضع قاموس مقارن بين مفردات البربرية (الأمازيغية) واللغة العربية، فى أربعة فصول شكّلت القسم الأكبر من الكتاب الذى يقع فى 346 صفحة من القطع الكبير، ولأن المشكلة مطروحة فى المغرب العربى، فقد نشر الباحث كتابه فى المغرب، وصدر عن دار فكر فى مدينة الرباط.
ربما يكون الباحث العُمانى سعيد بن عبد الله الدارودى، أوّل عربى مشرقى يعنى بالخوض فى موضوع عروبة الأمازيغ (البربر)، الذى بقى محصورا دائما فى أقطار المغرب العربى، ولم يأخذ الاهتمام الذى يستحقه منّا نحن عرب المشرق، رغم أهميته، بل وخطورته، على عرب المغرب والمشرق معا، كونه يمس وحدة الأمة حاضرا ومستقبلاً.
ما لفت انتباه الدارودى فى موضوع الأمازيغ، لا سيما فى الجزائر والمغرب، أن جهات فرنسية تعمل باستمرار، وتدعم جهود بعض الأشخاص الذين يروجون لاختلاف الأمازيغ عن العرب عرقيا، وذلك بهدف تمزيق نسيج مجتمعات المغرب العربى الكبير، وزرع الحساسيات التى تدفع باتجاه الاستعانة بفرنسا لدعم مساع انعزالية، وأبعد من هذا، للترويج لنزعات معادية للعرب والعروبة، بما يجره هذا الخطاب الذى يغذى من جهات استعمارية عملت دائما على زرع كل أسباب التباعد بين العرب، وإضعاف الصلة بينهم، وحرمانهم من بناء وطن واحد قوى ومنيع.. إلى صراعات حادة تضعف نسيج المجتمع الواحد فى المجتمع المحلى الواحد.
يركز الباحث على مناقشة ادعاء بعض دعاة الأمازيغية على اختلاف اللغة الأمازيغية عن اللغة العربية، علما بأنه لا توجد لغة أمازيغية واحدة، كما يرى بالوقائع، بل لهجات مختلفة كليا، بحيث لا يستطيع الأمازيغ التفاهم بها فيما بينهم.
يكتب الدارودى فى المقدمة المستفيضة: ما انفك المنخرطون فى هذه الحركة منذ البداية يشيعون بأن أهم عوامل استقلال البربر عن غيرهم، وتفردهم، هو عامل اللسان، مشيرا إلى سعى دعاة الأمازيغية الانعزالية لاصطناع لغة موحدة، وتقعيدها، للتغلّب على مشكلة اللهجات المختلفة التى لا تمكن الأمازيغ من التفاهم فيما بينهم، وذلك بوضع المعاجم، وتقعيد هذه اللغة الواحدة، للبرهنة على أنها تختلف عن اللغة العربية تحديدا.
وأوضح من خلال المقدمة أنه رغم هذه الجهود المضنية التى تقوم بها الحركة - يقصد الأمازيغية - وكل هذه التجمعات، والمراكز، والباحثين اللسانيين المنتمين إليها، لم يسع أحد إلى القيام بمشروع فى المقارنة اللغوية ما بين اللسانين البربرى والعربى لإظهار ما بينهما من أواصر القربى. 
معنى ليس بتعريب الأمازيغيين، ولكن بالبرهنة على عروبتهم من خلال بحث لغوى معمق، ومقارنة بين مفردات الأمازيغية الشائعة وبين مفردات اللغة العربية، والتى يعود بعضها، وهو غير قليل، إلى مفردات عُمانية، تحديدا ظفارية شحارية.
يوضح الدارودى فى مقدمة كتابه هدفه من وضعه للكتاب الذى بذل فيه جهدا امتد على مدى ثمانية أعوام، كما عرفت منه فى مكالمة مطولة: لقد أردت لهذا الكتاب أن يكون شاهدا ودليلاً على عروبة أقوام كانوا، وما زالوا، يتكلمون بلهجات سميت لغة.. وما أوردته بين دفتى هذا المؤلف يدحض هذه المقولة التى أضحت عند الكثير من الناس مسلمات وبديهيات لا تقبل النقاش. لقد سردت ها هنا الكثير من الشواهد حتى أثبت بها أن البربرية ليست سوى لسان عربى، شواهد ليست من المعجم حسب، بل من النحو والصرف، والصوت أيضا. 
وأشار الباحث فى مقدمته معلومة كتبها الرحالة الكبير ابن بطوطة، لم يتوقف عندها من قرأوا رحلته العظيمة، هو الذى يعتبر فى مقدمة أعظم الرحالة فى كل العصور: ولقد رجح ابن بطوطة أن تكون ظفار هى موطن البربر الذى نزحوا منه إلى الشمال الأفريقى.
ويضيف الباحث، حتى لا يقع شك فى كلام ابن بطوطة، ظنا بأنه عربى، وأنه صاحب هوى وغرض: وابن بطوطة رحالة مغربى شهير، ينتمى إلى قبيلة لواتة البربرية، وهو أعظم رحال فى تاريخ البشرية، وقد زار ظفار، وحلّ بها. 
فى ختام مقدمته يؤكد أن الأدلة كثيرة التى تثبت عن أرومة الأمازيغ الشرقية، أدلة من المعمار، والموسيقى، والكتابة القديمة، وغيرها، لكن الحجج اللغوية تظل الأقوى تأكيدا، والأعظم تأثيرا وإقناعا فى إثبات عروبة المغاربة القدامى.


 

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.