صدر مؤخراً عن الدار العربية للعلوم.. ناشرون في بيروت، كتاب جديد للشاعرة والكاتبة التونسية «إيناس العباسي»، بعنوان «حكايات شهرزاد الكورية» ضم بين صفحاته صوراً وقصصاً عن الحياة والثقافة والناس في كوريا.

الكتاب عبارة عن تجربة ستة أشهر عاشتها العباسي في بعض المدن الكورية من ضمنها سيول، تنقلت خلالها بين التاريخ والمكان، العادات والتقاليد. إثر دعوتها للمشاركة في المهرجان الأدبي الآسيوي الإفريقي العام 2007 فدخلت غمار تجربة السفر والتعرف على موروث كوريا التي تعززت في إقامة أدبية مدتها 6 أشهر في سيول/كوريا الجنوبية شاركت فيها بدعوة من وزارتي السياحة والثقافة الكوريتين ضمن برنامج يعنى بالتبادل الثقافي بين كوريا وبقية بلدان العالم بهدف ترجمة رواية كورية إلى العربية من خلال اللغة الفرنسية.

كانت الكاتبة في دورة سنة 2008 مع حوالي 90 شخصاً متخصصين في عدة مجالات كالأدب والرقص والمسرح والموسيقا والسينما والسياحة ورياضة التايكواندو والمتاحف وإدارة المكتبات الوطنية والألعاب الإلكترونية وإدارة المهرجانات.

وتعترف العباسي منذ البداية بأنها لم تكن تعرف أي شيء عن كوريا الجنوبية قبل الرحلة أكثر من صراعها مع كوريا الشمالية. ولعل أكثر ما يستغربه القارئ في الكتاب ما تحدثت به الكاتبة عن البنت الكورية التي تُربى على الحياء والخجل. تقول إيناس: «صديقاتنا الكوريات، اعترفن بهذا: (هذا يصيبنا بالضيق لأنه يجعلنا ندعي الحياء والبراءة في كل المواقف حتى وإن لم نكن نشعر بالدهشة والخجل أمام الحدث نفسه)». وهي ترى أن المجتمع الكوري مازال يرزح تحت ثقل العديد من العادات «الشرقية»، فالأفضلية للذكر, للرجل، أباً وابناً وزوجاً. لكن تستغرب الكاتبة أن تشرب المرأة الكحول، لكن ليس من العادي أن تدخن، وإن شربت على الطاولة أمام الآخرين، الذين يفقنها رتبة «اجتماعية» كمديرها في العمل أو والدها أو قريب من العائلة كبير في السن فيمكنها أن تشرب لكن عليها ببساطة أن تلتفت للجهة الثانية وتشرب وهي تغطي كأسها بيدها. وإن كانت تريد أن تدخن فعليها من باب الاحترام أن تخرج من الغرفة وتدخن خارجاً، حتى لو كان كل من حول المائدة يدخن!.

وترصد الكاتبة هذه المسألة الاجتماعية بدقة فهي ترى أن العادات والتقاليد التي جعلت المرأة الكورية كثيراً ما تتهم الرجل الكوري بأنه لا يحسن معاملتها، اتهاماً صحيحاً إلى حد كبير ويقر به الرجال الكوريون. وتتابع قائلةً: تستطيع أي أجنبية أن تلمسه في الكثير من التفاصيل أبسطها لم أر يوماً رجلاً كورياً يفتح الباب لسيدة. وفي كل المرات التي مشيت فيها مع أحد صديقيّ الكوريين حين نصل إلى المقهى مثلاً وسندخل؛ يدخل قبلي ببساطة وبلا مبالاة!!

إذاً على المرأة العربية ألا تحزن وفق ما تسرده الكاتبة إيناس عن المرأة الكورية بل إن المرأة العربية لدى بعض الشرائح الاجتماعية في أكثر من قطر عربي تلقى الكثير من الاحترام والتقدير وإن كان بتفاوت. ولكن أكثر مسألة موجعة في الكتاب هي ذلك الحوار مع إحدى «الهولماني» أي النساء الكوريات المستغلات جنسياً من قبل الجنود اليابانيين في فترة الاستعمار. فالهولماني كما تقول إيناس «ابتلعن سكاكين آلامهن الروحية والجسدية، بدمائهن وعشن في الظل الثقيل للصمت. فضلن الصمت لشعورهن بالعار والخوف من نظرة الآخرين لهن. حاولن تكوين أسر إما بالزواج أو بالتبني لأن معظمهن فقدن القدرة على الإنجاب بسبب استئصال الأطباء اليابانيين لأرحامهن كي لا يحملن. واستئصال الرحم أوفر وأقل تعباً وتكلفة في الأرواح من الإجهاض. الذي يتسبب تكراره بأساليبهم الطبية الهمجية في وفاة أسيرات وحشيتهم ورغباتهم. وهذا يؤدي لنقص في عددهن مقابل عدد الجنود الكبير والمتزايد».

كما تضمن الكتاب حواراً مع أحد الهاربين من كوريا الشمالية إلى كوريا الجنوبية في التسعينيات. وحواراً مطولاً مع أشهر روائي كوري جنوبي «هوانك سوك يونغ» الذي تم ترشيحه مرات عدة لجائزة نوبل. وأكثر ما يلفت النظر في هذا الحوار أن الكاتبة إيناس ظلت ترتب للقاء مع الكاتب على «امتداد شهرين نظراً لانشغاله بالترويج لروايته الجديدة محلياً وآسيوياً وقريباً في أوروبا». والأمنية التي تشتعل لدى قراءة مثل هذا الكلام أن يصبح حال أديبنا العربي بهذه الحال، فنحن لا نزال غير متوافقين حتى على مسألة توقيع الكاتب لكتابه الجديد، متناسين أن كل سلعة تحتاج لإعلان، لكن المهم أن السلعة بقيمتها ليست كل سلعة تعد استهلاكية بالمعنى السلبي.

ولعلنا نختتم بإحساس الكاتبة «ثمّ عبرت بوابة المغادرين، مثقلة بحزن لا يوصف.. حزن من يغادر حبيباً.. وقتها فقط اكتشفت متأخرةً، مثل كل العشاق، عشقي لمدينة اسمها...سيول».

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.