أمينة، التي تبلغ من العمر 32 سنة ومتزوجة وأم لطفلين، رحبت بمصادقة المجلس الشعبي الوطني على قانون العقوبات الجديد خاصة ما تعلق بضرب المرأة، وقالت لنا: "هذا القانون من شأنه تعزيز حماية المرأة من العنف، الذي يعد مشكلا عويصاً، فالمرأة تُضرَب في الجزائر والقانون لم يكن يحميها حتى لو توجهت للطبيب الشرعي، الذي يثبت أنها معنفة". وأضافت أمينة أنها تعرضت للعنف من زوجها حتى أنه ترك لها ندبات في جسدها. وقالت لإنها توجهت إلى الطبيب الشرعي والمحكمة، إلا إن شكواها لم تؤخذ بعين الاعتبار.
أمينة لم تكن الوحيدة التي رحبت بالقانون، فسعيدة، وهي أستاذة في إحدى الثانويات بالعاصمة، قالت إن هذا الإجراء من طرف الحكومة من شأنه "إدماج المرأة في المجتمع وجعلها مساوية للرجل. كما يعد مطلباً منذ سنوات، لأن المرأة تعاني من أبشع أنواع العنف والظاهرة بدأت تأخذ أبعاداً مقلقلة في مجتمعنا".
وأضافت سعيدة: "أنا ضحية العنف لما كنت في بيت أهلي قبل أن أتزوج، كنت أتعرض للضرب من أخي الكبير لأتفه الأسباب، ومع ذلك لا يحق لي التكلم في البيت، فما بالك لو توجهت إلى المحاكم؟ لكانوا قطعوا رأسي أو قتلوني. ثم تعرضت للعنف من زوجي لمدة ثلاث سنوات، وفي نهاية كل شهر كان يطلب مني أجري بالكامل، وحين أرفض أو أناقش الأمر معه، كان يضربني ضرباً مبرحاً. ورغم هذا التزمت الصمت لأني أعرف أنني حتى لو توجهت لبيت أهلي أو المحاكم، فلن آخذ منه لا حق ولا باطل، لكن بعد صدور هذا القانون أرى أنه يشجع المرأة على رفع الإهانة والعنف، الذي تتعرض له بشكل يومي".
جولتنا الاستطلاعية لم تقتصر على النساء فقط، إذ عبّر لنا العديد من الرجال عن استيائهم من القانون الجديد، الذي أجمع الجميع ممن التقيناهم على أنه مجحف ومنافٍ للأعراف والتقاليد وحتى للدين الإسلامي. نور الدن، العامل بشركة سونلغاز واحد من المعارضين للقانون "المرأة تبقى امرأة حتى لو خرجت وعملت، فلن تصل للمساواة مع الرجل، ومع هذا القانون الذي يجعل منها تحبس زوجها 20 سنة لأنه يضربها، فأنا أفضل البقاء أعزب. في رأيي هذا القانون لن يعالج مشكلة العنف وإنما سيزيد من نسبة عنوسة الجزائريات".
من جهته، اعتبر فاتح، وهو متزوج وأب لطفلين، أن قانون العقوبات لحماية المرأة هو أمر طالب به كلا الجنسين ومنذ سنوات، لكن صدوره بهذا الشكل يعد خطأ وكان من المفروض أن لا تكون العقوبات بالنسبة لضرب المرأة أو التحرش بها صارمة لهذا الحد، وأضاف "إن أدخلتني زوجتي السجن بسبب ضربي لها، فالطلاق أحسن بكثير من العودة للعيش معها تحت سقف واحد". وأردف في ذات السياق "أنا لست مع ضرب المرأة، بل أنا ضده ومع أي قانون يعاقب على ذلك، إلا أن العقاب يجب أن يكون من الدين الإسلامي كون دين الدولة هو الإسلام".
للقانون رأي آخر
اعتبر رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، الدكتور فاروق قسنطيني، في تصريح لـ DW عربية، أن القانون الجديد من شأنه تسجيل انخفاض في الجرائم وأعمال العنف المرتكبة ضد النساء خاصة أنه تم تسجيل 7 آلاف امرأة معنفة خلال السنة الماضية. وأسباب ذلك، يضيف قسنطيني، هي غياب الأساليب الردعية وقانون واضح المعالم لحماية المرأة من العنف، الذي زاد في حقها خصوصاً عقب العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، والتي ظهرت بعدها جميع أشكال العنف.
وأضاف المحامي والحقوقي فاروق قسنطيني، أن العقوبات التي تضمنها قانون حماية المرأة من العنف جاء بعد أن درس مجلس الوزراء جميع المقترحات التي وضعها النواب والأحزاب السياسية لمكافحة العنف ضد النساء، حيث يتضمن القانون الجديد عقوبات صارمة تصل حتى السجن إلى 20 سنة لمرتكبه وبغض النظر إن كان زوجاً أو أخاً أو غير ذلك، في حال تعرضت المرأة إلى إعاقة بسبب الضرب المبرح. ونفس الشيء بالنسبة للمرأة التي تتعرض للاعتداء الجنسي، يعاقب القانون مرتكب هذه الجريمة بالسجن لمدة 10 سنوات، أما فيما يخص التحرش فتصل مدة السجن إلى ستة أشهر.
ومن جهتها، قالت نادية آيت زاي، رئيسة مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة، في تصريح لـ DW عربية، إنها من بين المدافعات عن النساء المعنفات، ونظمت حملات توعوية ضد العنف الممارس على المرأة على مدار سنوات، وهي ترى أن صدور هذا القانون سيساعد المرأة على أن تجد مكانتها في المجتمع وستكون مساوية للرجل. وركزت على أن هذا القانون الردعي يجب أن يجسد على أرض الواقع وهو كاف لوحده في توقيف العنف إذا تم تطبيقه بحذافيره. كما سيكون القانون الذي سيدخل حيز التنفيذ قريباً، بمثابة حافز للمرأة المعنفة لتقديم شكوى.
وفي ظل الجدل القائم حول قانون العقوبات الخاص بالعنف ضد المرأة، ورفض الأحزاب الإسلامية له ورفضها حتى التحدث عنه وكذا رفض الشارع الجزائري له، يبقى أمر تنفيذه في مجالس قضاء الجزائر أمراً مطروحاً في الوقت الراهن كون الكثير ممن التقيناهم استبعدوا إمكانية تطبيقه لطبيعة المجتمع الجزائري رغم تشديد الحكومة على ضرورة تطبيقه بحذافيره.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.