عندما يتحث المهتمون بشؤون الفنون التشكيلية والادبية في اي مكان كان، من فنانين ونقاد ومحللين ومؤرخين وغيرهم، فان اول ما يتبادرالى ذهنم هو الثقافة والفن الاوربي، بعصوره التنويرية وتاريخه وحركاته الفنية الحديثة. بينما نجد هناك غفلة عن الفن الشرقي الذي يمتد الى آلآف السنين وله تقاليده ومميزاته وامم تفوق اوربا عددا ومساحة . اذن لماذا هذا الاهتمام بالفن الاوربي؟؟؟


يعتقد بعض المحللين ان اوربا كانت منذ عصر النهضة قد حدثت فيها تحولات كثيرة على مستوى الاصلاحات الدينية والفكرية والفنية والادبية والاجتماعية وما تبعها من اكتشافات علمية هائلة ادت الى قيام الثورة الصناعية. وكانت ثورة جان جاك روسو 1772 الاصلاحية وكتاباته الادبية والسياسية و خاصة كتابه – العقد الاجتماعي – كانت بثابة المعول لتهديم النظم الاستبدادية. ثم ادت افكاره الى قيام الثورة الفرنسية عام 1789 والاطاحة بالملكي. وقد انتشرت تأثيرات هذه الثورة الى كل انحاء اوربا وبدأت حركة اممية شاملة اطاحت بكل الانظمة الدكتاتورية المستبدة في اوربا.


بينما نجد الفن الشرقي بقى محافظا على تقاليده طيلة عصر التنوير الاوربي ولم يحدث فيه اي تحرك نحو التغيير والتطوير والاصلاح،  فكان الفنان الشرقي جل اهتمامه هو التقليد الحرفي والسير على التراث القديم وما خلفه الاساتذة الاوائل.


وقد حكمت الدولة العثمانية الدول العربية بالحديد والنار وتركتهم على حالهم منذ ان احتلوا بغداد عام 1639 في زمن السلطان مراد الذي  استلم الخلافة وعمره احدى عشر سنة. وبقت الدول العربية جامدة متخلفة متحجرة اربعة قرون لم يحدث فيها اي نقلة نوعية  لا على صعيد الفكر ولا الادب ولا الفن ولا العمران ولا غيره حتى سقوطها عام 1914 -1918 بيد الاوربيين واحتلالهم   الدول العربية، حيث  نقلوا حضارتهم  اليهم.


واليوم تحاول تركيا (المغول) اعادة امبراطوريتها العتيقة عن طريق دعم بعض المنظمات المتطرفة منها داعش والعودة الى العصور المظلمة وتطبيق بعض كتب فقهائهم الشاذين مثل – الصواعق المحرقة –لابن حجر الهيتمي 1027 الذي  يصف الشيعة الاثنى عشرية بالزنادقة ويجب حرقهم بصاعقة ومسحهم من الارض. هذه الافكار السادية المتحجرة التي لا تمت باي صلة  للاسلام، نراها اليوم تمارس علنا وعلى مرءأ ومسمع منظمات حقوق الانسان والامم المتحدة ودول العالم.


لما رأيت الجهل في الناس فاشيا   —   تجاهلت حتى قيل اني جاهل


فوا عجبا كم  يدعي الفضل ناقص —  و وا اسفا كم يظهر النقص فاضل  //  المعري


ونعود الى الفن الشرقي حيث ان افضل ما كتب عن الفن الاسلامي والشرقي هو الاستاذ الدكتور عفيفي بهنسي ومن كتبه – اثر الجمالية الاسلامية  الفن الحديث – والدكتور سمير الصائغ – الفن الاسلامي – والدكتور زكي محمد حسن الذي الف عشرات الكتب والدكتور ابو صالح الالفي والدكتور حسن محمد حسن وغيرهم. وقد  تميز الفن الشرقي بالايقاع الخطي واهمل الضوء والظل مع علمه و معرفته الكاملة به.


الحساسية الفنية


 


k_shamhood1شهد القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في اوربا حركة تنويرية تمثلت في البداية بخاصيتين بارزتين هما الرؤية الفنية والتأمل الجمالي وهما من اهم العناصر الفنية التي شغلت فناني ذلك العصر وكانت هذه الفترة يدور فيها النقاش حول الاداء الفني وفيما اذا كان الجمال يعني الفن؟؟ وهل هو محاكات للطبيعة ام يكون شيئا آخر؟؟ وكانت طريقة المحاكات قد نادى بها ارسطوا، واخذ بها الفنانون ولكنهم اعطوها مسحة جمالية مثالية . ثم سارت عليه الاوضاع الاكاديمية ثم الحركة الرومانسية بعد ذلك اعقبتها الواقعية الكوربية ثم الحركة الانطباعية او الواقعية العلمية .


وظهرت الرومانسية في الادب والفن وكانت على خطين الاول هو الرومانسية الطبيعية التي كانت تدعو  العودة  الى الطبيعة حيث التعبير عن المشاعر كما اهتمت  بوصفية شاعرية المناظر الطبيعية وقد تبناها كل من-  تيودور روسو – و – ميلليه – والخط الثاني هو الرومانسية الانفعالية الذي تبناها كل من ديلاكروا وجيريكو وكانت قد صرحت بان اعمق المشاعر تتمثل في الصفات النفسية في حالات الحماس والانفعالات. اطلاق العنان للخيال والوجدان.


ثم اصبح الاهتمام برسم المنظر الطبيعية والاداء الرومانسي الذي يعكس حرارة الوجدان و تاجج العواطف و الحياة بما ينطوي عليهامن تألق وتأنق وتجمل.. وزاد هتمام الفنان  باللون و التخطيط و التكوين كما هو عند كونستابل و الانطباعيين. وكانت الامور تجري على تقييم الاعمال حسب قوتها الادائية و الحساسية و الشاعرية .. فمنهم من اعتبر الخط في تحديده للاشكال يزيد في كمال العمل الفني , كماهو عند الفنان الانكليزي بليك حيث لا يمكن ان نميز قسمات الوجوه الا عن طريق الخط وحركته الواضحة . ومن قيم الاعمال على طريقة روبنز  و رمبرانت في سطوع الضوء و الظل.. ثم جاءت الانطباعية وززت تلك  المنهجية فصعدت حساسية الفنان في ادراك الالوان و تأثرات ضوء الشمس عليها.. وكان درجة حساسية تيرنر 1775عالية وفريدة في تصوير الضباب و الزبد والمياه الهائجة.. وكان ديلاكروا يتمتع بحساسية سحرية هائلة، فعندما يرسم يحس انه (مسحورا كما تسحر الافعى بين يدي ساحر الثعابين). وكان كوكان في جدال ونقاش مرير مع فان كوخ حول ماهية الفن و كيف ان يكون رمزي او تعبيري، ووصل بهم حد العراك بالسكاكين ..


k_shamhood2ومنهم من يرى اللون هو الحيا وعكسه  يعد ظلام وموت. وكان سيزان يؤكد على اهمية حساسية الفنان فلكي يخلق الفنان تناغما بين الشكل واللون عليه ان لا يعتمد على الرؤية البصرية فحسب و انما ايضا على الحساسية، فاصبح الاحساس شعارا لسيزان واعتبر الطبيعة ثروة رائعة من الالوان التي تثري الفنان وتعطي الحياة للانسان.. وقد كشف سيزان ان اكثر الاشياء صعوبة هو ان يعطي تعبيرا مباشرا عن التصورات المرئية. وعندما تقدم في السن كان ينظر الى السحاب بحسرة و يتمنى ان يسارع لتسجيلها . فيلتفت الى صاحبه قائلا كم تمنيت ان يكون مونيه حيا لفعل ذلك لان له حساسية و قدرة كبيرة على التصوير.


ولكن ان  كل ما ذكرناه من الاتجاهات الفنية من واقعية الى رومانسية وانطباعية لم يكن لها دور سوى تسجيل المظاهر و الظواهر رغم ان المواضيع تعبر عن الحياة اليومية من حزن وفرح الا ان هذه الاتجاهات لا تعبر عن الحقيقة المطلقة المستترة خلف الاشياء وهو ما انصب عليه اهتمام اساتذة المذاهب الحديثة.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.