أثار تقرير فريق الخبراء الخاص بمراقبة العقوبات الدولية في اليمن والتابع للأمم المتحدة، الذي اتهم طرفي الحرب- الحكومة المعترف بها دوليًّا وأنصار الله (الحوثيين)، جدلًا واسعًا بما كشفه عن عمليات نهب واستيلاء واسعة للمال العام في اليمن، في ظل وضع حرب وأزمات معيشية وإنسانية تجتاح البلاد منذ ست سنوات.

وفي الوقت الذي تلتزم فيه حكومة صنعاء الصمت حيال التهم الموجهة لسلطة أنصار الله (الحوثيين) بالاستيلاء على نحو ملياري دولار من الإيرادات العامة لتمويل مجهودها الحربي، حرك تقرير الخبراء نقاشات رسمية في عدن- "العاصمة المؤقتة" للحكومة المعترف بها دوليًّا، تمثل في إقرار برلمانها تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن ما أثير من مخالفات في البنك المركزي اليمني الذي أعلن بدوره اختيار ثلاث شركات عالمية لتدقيق ومراجعة حساباته.

برلمان حكومة عدن الذي يتواجد أغلب أعضائه خارج اليمن، طالب اللجنة التي شكلها استجابةً لدعوة وجهها بهذا الشأن محافظ البنك المركزي رئيس اللجنة الاقتصادية السابق حافظ معياد، بسرعة النزول إلى البنك المركزي في عدن لـ"تقصي الحقائق" مع جميع المعنيين وفحص ومراجعة كل أعمال البنك وأنشطته بشكل عام، وذلك بناءً على ما أثير بشأن وضع البنك والمخالفات المنسوبة إلى محافظي البنك المتعاقبين، وما ورد في التقارير المحلية والدولية بشأن أوضاع البنك.

وأعطى القرار، اللجنة خيار الاستعانة بمن تراه من الجهات والمتخصصين والفنيين لأداء مهمتها، ورفع تقريرها بذلك إلى هيئة الرئاسة بصورة عاجلة بِشأن النتائج التي توصلت إليها، لإحاطة الرأي العام بالحقائق كاملة، ومحاسبة المخلين والمخالفين؛ حفاظًا على المال العام.

وسط جدل حول الاستيلاء على الأموال والتلاعب المصرفي، أطلقت منظمات أممية تحذيرات من تفاقم معدلات الفقر بصورة كارثية، بالنظر إلى المستويات القياسية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في البلد وفق آخر الأرقام بهذا الشأن
وتعاني اليمن حربًا وصراعًا متواصلًا منذ العام 2014، تركت آثارًا مدمرة على مختلف الأصعدة، نتج عنها تدهور اقتصادي كبير وانهيار للعملة الوطنية، وانحدار معيشي يجتاح معظم السكان في البلاد، في ظل تقويض تام لمؤسسات الدولة، واختلال في المنظومة المالية والقانونية المتبعة في اليمن، وتوقف عمل مؤسسات وأجهزة الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد.

ويطالب خبراء بمحاسبة ومعاقبة المخلين بالتصرف بالمال العام وحصر ما فقدته الخزينة العامة للدولة جراء هذه الممارسات وإحالة المخالفين إلى القضاء لاتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم، على إثر جدل واسع لتقرير لجنة عقوبات الأمم المتحدة المتضمن اتهامات بتبييض أموال الوديعة السعودية والتلاعب بنحو 423 مليون دولار، وانتهاك قواعد الصرف الأجنبي من قبل المصرف التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا في عدن، إضافة لتبديد إيرادات عامة والاستيلاء عليها في مناطق سلطة أنصار الله (الحوثيين).

مجموعة هائل سعيد أنعم، كبرى المجموعات الاستثمارية في اليمن التي ذكرها التقرير بالاستحواذ على معظم مخصصات الوديعة السعودية المقدرة بنحو ملياري دولار أميركي، أعلنت تفويض إحدى كبرى شركات التدقيق والتحقيق الدولية المحايدة للاطلاع على سجلاتها، والوثائق المتعلقة "بالادعاءات" الواردة في تقرير لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة.

بينما حمّل محافظ البنك المركزي السابق محمد زمام الذي ذكره التقرير بالاسم، رئيس الحكومة المعترف بها دوليًّا معين عبدالملك ورئيس اللجنة الاقتصادية السابق حافظ معياد، مسؤولية "التلاعب" الحاصل في سوق الصرف، مشيراً إلى أن التغيرات السلبية التي حدثت في أسواق العملات المحلية، راجعة لعوامل كثيرة، على رأسها تدخلات الحكومة واللجنة الاقتصادية في أعمال البنك.

نهب أموال وأوضاع إنسانية صعبة

وسط هذا الجدل حول حقيقة الاستيلاء على الأموال العامة، تستمر الأوضاع المعيشية والإنسانية في اليمن بالانزلاق باتجاه مستويات أكثر خطورة بسبب الحرب وتواصل النزاع الدائر في البلاد على كافة الأصعدة، أطلقت منظمات أممية تحذيرات من تفاقم معدلات الفقر بصورة كارثية، بالنظر إلى المستويات القياسية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في البلد، وفق آخر الأرقام بهذا الشأن.

وألقى ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، الأسبوع الماضي (أواخر يناير 2020) كلمة أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بشأن الأزمة الإنسانية في اليمن، تضمنت الإشارة إلى وجود 16 مليون "ضحية بريئة لهذه الحرب غير الضرورية التي صنعها الإنسان"، وقال إن هؤلاء الضحايا يكافحون من أجل الحصول على الطعام كل يوم.

كما يوجد 11 مليونًا يصنفون ضمن المستوى الثالث وفقًا للتصنيف المرحلي المتكامل لانعدام الأمن الغذائي، مما يعني أنهم في مستوى الأزمة، إضافة إلى نحو خمسة ملايين في مستوى الطوارئ و50000 في ظروف شبيهة بالمجاعة، متوقعًا أن تزداد الأمور سوءًا خلال الفترة القادمة في ظل بقاء الأوضاع على ما هي عليه في الوقت الراهن.

وكان كلٌّ من برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أطلقت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي تحذيرًا مشتركًا من أن فرصة منع حدوث تفاقم معيشي شامل في اليمن بدأت تضيق أكثر بالنظر إلى المستويات القياسية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في البلد، وفق آخر الأرقام بهذا الشأن.

كما يشير تحليل التصنيف المتكامل للأمن الغذائي لليمن إلى عودة ظهور أماكن تعاني بالفعل من ظروف شبيهة بالمجاعة (المرحلة الخامسة) لأول مرة منذ عامين، محذرًا من أن عدد الأشخاص الذين يرزحون تحت هذه المرحلة الكارثية من انعدام الأمن الغذائي يمكن أن يتضاعف ثلاث مرات تقريبًا من 16,500 حاليًّا إلى 47,000 شخص بين يناير/ كانون الثاني ويونيو/ حزيران من عام 2021.

*نقلاً عن موقع خيوط

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.