البطالة واحد من القضايا والمسائل والمشكلات الاجتماعية، التي تُعنى بها السياسة الاجتماعية وتحاول حلها للوصول إلى الرفاه الاجتماعي؛ والبطالة، هي الرغبة والقدرة على العمل، وفق أجور السوق؛ مع عدم العثور على هذا العمل رغم البحث عنه. أي أنها تقوم على خمسة عناصر 1. الرغبة بالعمل، 2. القدرة على العمل، 3. الرضى بالأجور، 4. البحث عن العمل، 5. عدم العثور عليه؛ وعندها تسمى البطالة. ومنه العاطل عن العمل: هو شخص دون عمل، ويبحث عن وظيفة، مع قبول العمل وفق الأجرة في السوق. ويشير مصطلح معدل البطالة إلى نسبة عدد العاطلين عن العمل من عدد القوة العاملة في المجتمع أو الدولة. بينما يشير مصطلح العمالة بالمعنى الخاص إلى إدراج عامل في الانتاج؛ وبالمعنى العام، إدراج كل القوى الاجتماعية العاملة في الانتاج.

وللبطالة أشكال، منها البطالة الناتجة عن التنقل حسب فرص العمل المتاحة وأماكنها. والبطالة التي تنتج بسبب الاختلاف والتباين القائم بين هيكل توزيع القوى العاملـــة وهيكل الطلب عليها، وهي بطالة قطاعية كدخول الآلة مكان الإنسان أو دخول الشباب مكان المسنين. والبطالة الموسمية كالتي تحدث حسب المواسم الزراعية أو السياحة. والبطالة الناتجة عن أسباب متعلقة بالإدارة كالطرد أو الإرادة الفردية كمغادرة العمل. والبطالة المقنعة كوجود عدد من العمال في مكان عمل بشكل يفوق الاحتياج.

ووفق دراسات الليبرالية الحديثة فإن أسباب البطالة هي: ارتفاع تكاليف العمالة (الأجور + الضرائب)، وارتفاع تكاليف تسريح العمال كالتأمين والمعاش وتعويض نهاية الخدمة، وجمود سوق العمل وضعف حركة تصريف الانتاج، والقوانين والنقابات القوية التي تعطل أحيانا على رب العمل قدرته على التصرف برأس ماله. وبينما يعتبر الاقتصاد الكينزي أن انخفاض الأجور هو السبب الأساسي في البطالة! يذهب الاقتصاد الماركسي إلى تجريم العمالة الكاملة، فالعمالة الكاملة وفقه تعني عمال مؤهلون بشكل كبير، وهؤلاء يحتاجوا رواتب عالية، وبالتالي ينخفض معدل الربح والنمو في المؤسسات! تفسير آخر يرتبط بالعولمة التي تضغط وتفرض على الشركات الدخول في المنافسة، وتقلل من تأثير النمو على خلق فرص عمل. ويساهم أيضا الهيكل التنظيمي للدولة في التصدي للبطالة أو تفاقمها، ويمكن أن يساهم أيضا هرم السكان والبنية الديمغرافية للمجتمع في هذه المسألة.

كما أن هجرة العقول إلى المغتربات يحرم الدول النامية من هذه الكفاءات وانتاجيتها، والتي قد تساهم في خلق فرص عمل من خلال استثمار هذه العقول في إنشاء مؤسسات ترعى انتاجهم وتعمل على تنفيذه، كإنشاء المخابر للمخترعين والمعامل لتنفيذ اختراعاتهم واستثمارها؛ رغم أنه مع الأسف نفتقر إلى سياسات ترعى هذه الكفاءات، وتحصرهم في بيئات ضحلة ومحدودة الإمكانات ومصادرة الانتاجية لصالح جهات تستثمر بها في غير سياقها الصحيح؛ ونضيف إليها هجرة الريف إلى المدينة في الدول النامية، والتي لعبت دورا هاما في تفاقم مشكلة البطالة، وتراجع القطاع الزراعي، بسبب عدم دعم الدول لهذا القطاع من خلال القوانين والقروض والميزات والخدمات مما ساهم في تخلي الفلاحين والمزارعين عن مهنتهم، وارتفاع البطالة، وأثر ذلك على الناتج القومي للبلدان ككل؛ وتركب على هذه الهجرة أيضا التنقل بين قطاعات الانتاج، فالفلاح الذي غادر أرضه ذهب إلى قطاعات انتاجية أخرى، وهو ما يحدث فرقا في الجودة نحو الأسوأ! كما أن القوانين التي لا تنصف المرأة ومشاركتها في السوق والعمل، وحتى تغييب الفرص عنها، لاعتبارات تتعلق بالتمييز السلبي حسب الجنس والحكم المسبق على الكفاءة والمتطلبات المرتبطة بالمرأة في الأسرة والعائلة والحاجات الفيزيولوجية، مما ساهم في تحييد نصف القوة العاملة للمجتمع تقريبا عن الوصول إلى مراكز الانتاج. ومن المعروف أن الانتاج يفتح الباب أمام خلق فرص عمل، وعدم الانتاج يغلق أي أمل أمام خلق فرص عمل جديدة.

فيما يتعلق بالأجور وعلاقتها بالبطالة نجد أن هناك رأيين مشتقين من الاقتصاد السياسي؛ الأول يقول أن زيادة الأجور تقلل من فرص التوظيف، لأن المؤسسات لن تقدر على تحمل تكاليف توظيف عدد كبير من العمال وبالتالي ستفلس، ومنه فإن البطالة ستتضاعف؛ والثاني أن تقليل الأجور سيؤدي إلى كساد في السوق! من حيث ضعف القوة الشرائية وحركة السوق، وهو أيضا يؤدي إلى الإفلاس وبالتالي يقلل التوظيف ويرفع معدلات البطالة. بالمقابل فإن فرض الضرائب المرتفعة على العاملين لا يساهم في محاربة البطالة، فهو يحرم المجتمع من القدرة الشرائية؛ بينما يتوجب فرض المرونة في الأجور كأمر لازم لمحاربة البطالة، من باب أن الأجور يجب أن توفر للعاملين حياة كريمة ليس أقل.

هناك دراسات تقول أن الأمن الوظيفي للعامل أهم من الدخل، ففي اللحظة التي يشعر فيها العامل أنه مهدد بالفصل أو الطرد أو التسريح لأي سبب كان، سيؤثر هذا على انتاجيته وعلى جودة العمل الذي يقوم به، وحتى على شعوره بالرضى الوظيفي؛ وعند الوصول إلى مرحلة خفض الأجر، بينت هذه الدراسات أن خفض عدد ساعات العمل أسبوعيا أفضل من خفض الأجور. ففي الوقت الذي تعتبر فيه الاستثمارات هي محركات الإنتاج والتوظيف؛ بالمقابل فإن أهم عامل يحفز الاستثمارات هو الطلب المحلي؛ ومن المصادر المهمة لزيادة الطلب المحلي إنفاق أصحاب المعاشات من دخلهم! لذلك فإن تقليل المعاشات يتسبب بالبطالة عن طريق قمع كل من الإنتاج والاستثمار بشكل غير مباشر.

ووصلت الكثير من الدراسات إلى أن مكافحة البطالة لا يمكن حلها من خلال النمو الاقتصادي وحده، فالنمو الاقتصادي دون ايجاد فرص عمل وعدالة في الأجور، وتأمين صحي واجتماعي! يضعف على المدى الاستراتيجي الفائدة من هذا النمو. بينما كان رأس المال البشري هو القوة الدافعة لتنمية أي دولة، ويجب التركيز على بناء القدرات البشرية، بسبب وجود مستوى عالٍ من التكنولوجيا في الإنتاج الحديث، ومنه كانت هناك حاجة إلى تدريب العمال، وإلى موارد بشرية مؤهلة من أجل التدريب اللازم لهؤلاء العمال. فالبداية الحقيقية هي أن القوة الدافعة في تنمية بلد ما هي رأس المال البشري، لذلك من الضروري زيادة الحصة المخصصة للتعليم، وإقامة العلاقة بين التعليم وسوق العمل على أساس التنمية الاستراتيجية.

ومن التوصيات التي يمكن طرحها للتعامل مع مشكلة البطالة، الاهتمام بالعمل المؤقت “الدوام الجزئي” والتركيز على القطاعات الاستراتيجية التي تعتمد على أساس مشاركة المرأة والشباب في القوى العاملة بشكل استراتيجي. التركيز على التعليم من أجل إعداد الموارد البشرية المتعلمة والمؤهلة التي يتطلبها الاقتصاد المنتج في المناطق الحضرية والريفية، كلٌ حسب احتياجاته، فالهندسة الزراعية والطبابة البيطرية وهندسة الموارد المائية يجب أن تحتل مكانا هامة في البيئات الريفية، أو هندسة التعدين والنفط والغاز والاستخراج في مناطق الموارد الباطنية، وهلم جرى. بينما تعد مكافحة سوق العمل غير الرسمي مهمة أيضا من أجل المساهمة في تخفيض الضرائب على العمالة، ودعم الاقتصاد وتنظيمه.


نقلاً عن جمعية الآوان

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.