فـصـل الدين عن الدولــة يبـدو لأول وهــلة هو المحــور الأهـم الذي يخــوضه العلمــانيون ومثقــفو النخــبــة كمســألــة ذات إشكــالات ثــقــافيـة وسيــاسيــة وعمــليــة ومجتمعية مــطروحـة في سيــاق التداخــل الديني مــع مــناحي الحيــاة المعــاصــرة التي تستلهم من الدولة الحديثـة كثير من إختصــاصــاتها- الســلطــة التشريعيــة والقضــائيــة تتكــفــل برعــايــة الحريــات العامـة والأســاسيــة للمــواطن ورعـايــة الحقــوق كمــا وردت في النص الدســتوري بوجــود آليــات مؤسسيــة تراقبهــا وتحميـهـا من كــل تعســف بــل وتعمــل على تـــرقيتــهـا..

 لــكــن الشــأن الأهــم و المهمــة النبيــلة المــلقــاة على عــاتق العلمــانيين هــو تحــرير الإنســان العربي من ســطــوة الدين وســلطــة الفقهــاء و المؤسسة الثيوقراطيــة التي مــافتئت يتعــاظم دورهــا بحــلول مــا يسمى الربيع العربي وظهــور الحــركــات الأصــوليــة نظــرا للتحــولات السيــاسيــة الدوليــة والإقليميــة وهشــاشــة الوضــع العربي الذي ورث إرثــا تــراكميـا لــم يخضــع في مجمــله أو في كــامل مراحــله الى النقــد والتقييم و الدراسـة العلميــة الجــادة إذ أن الإنسان العربي يرزخ تحت وطــأة تراث ديني (على الخصوص) منغــلق على نفســه ومحاط بسيـاج دوغمائي يصعب إختــراقــه نظــرا للقداســة والضـبابيــة اللتــان تحيط بالنص الديني وبالتــالي فــهــو فوق كـل نقــد وفوق كــل إرادة بشريــة للتنــاول الجدي بأدوات عــلميــة ومنهجــيــة مــلائمــة .

 تحرر الإنســان العربي يعني أن نوضــع هذا الإنســان في نقطــة الإرتكــاز مــركــزيــة و يــكون هــو المنطــلق و هو المبتغى, أي أن أن النشــاط الإنساني يكــون لصــالح الإنسان و لأجــله على غــرار الفــكــر الديني الذي يجــعـل فــكرة "الله" هي المــركــز و الهــاجس الأبدي و ذلك بتكــريس حقــوق الله على العبــاد "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ "(الذاريات: 56 الوضــع العبودي المكــرس تــاريخيــا وتراثيــا وقداســة يعيد إنتــاج نفســه بالكيفيــة التي لا يستطيع الإنسـان العربي الفكـاك منهــا على عــدة مسـتويات عــقلية وروحية و وجدانيـة .

فتــحرر الإنســان العربي يــكون بدءا ذي بدء رفض فرضِ كــل مسبقات عقائدية على عقــله وإنســانيتــه و وجــوده حتى يتمكن من إيجاد طريق آمــن لتأسيس ثقافة حقوق الإنسان لديـــه والتمتع بفضــائلهــا و مزايــاهــا , فأي مؤسسة أو عقيدة توضــع نفســهــا فــوق كــل مســاءلــة أو نقـد أو تضــع نفســهــا موضــع قــداســة أو تلك التي تدعــي إحتكــارهــا للحقيقــة يجب نبذهــا لأنــهــا تؤسس لثقــافــة العبــوديــة وثقــافــة الكــراهيــة و رفض الحــوار و رفض الآخــر و التعتيم الحضــاري .

في ظــل تصــاعد الحــركات الأصـولية تتعقــد الأمــور وتتشــابك هذه الأخيرة تلعب دورا في مقــاومــة المفــاهيم بــل تزييفــهـا و معــاداة كــل إصــلاح وتحديث كمــا تقــوم بتقييد الفــكر و مناهضـة كــل إبداع ســواء كان فنيا أو أدبيا أو علميا أو نشاطا إنسانيا خــلاقــا ..أستعمــلوا التراث كــآداة في مواجــهـة الآخــر و بنيــة فكـريـة دفــاعيـة للحــلول دون الإستفــادة من الثقــافات الأخــرى كمــا أن التعميم و الترويج للثقافــة العربية الإسلاميــة كهــويــة وحيدة دون محددات أخــرى أوقعتنا فريســة التعالي المفــرط وفريســة الصدارة الوهــمي وبالتالي حرمنــا من المســاهمـة الفعليــة في حضــارة الإنسان الحديثـة ومــا ينجــر عنه من إعــاقــة في بنــاء الذات أولا والتحجــر والتخــلف عن الركب..

من هنــا يكون المدخــل الأنسب والصحيح للعلمـانيين في التشخيص الدقيق للحــالة الراهنـــة التي نشــاهــد فيهــا نــكوص وتــراجــع على مستوى المفاهيم و القيم الإنسانيــة النبيــلـة والعـليا.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.