تنظر المنظمات العربية والدولية لمستقبل المجتمعات العربية نظرة تشاؤمية بشأن واقع العمل والبطالة فيها، حيث ارتفع معدل العاطلين عن العمل في شمال أفريقيا في فئة الشباب خمس نقاط بعد "الربيع العربي" وبلغ 7.9 %، بينما بلغ هذا المعدل 26.5 % في الشرق الأوسط.
وتوقّع المعهد العربي للتخطيط أن يبلغ عدد العاطلين في الدول العربية 19 مليونا في سنة 2020، نصفهم من الشباب، فيما تشير إحصائيات دولية وعربية أخرى إلى أن عدد العرب العاطلين عن العمل قد يتجاوز، بالتوازي مع الزيادة السكانية، الـ50 مليون عاطل بحلول عام 2020.
وتدعّم التقارير الصادرة عن منظمة العمل العربية هذه الصورة القاتمة حيث كشفت المنظمة، في تقريرها الثالث حول التشغيل والبطالة في الدول العربية، عن أن عدد العاطلين عن العمل زاد عن 17 مليونا، بارتفاع فاقت نسبته 16% بالمقارنة مع تقديرات عام 2010.
أدت معدلات البطالة المرتفعة في منطقة الشرق الأوسط، وهي أعلى معدلات بطالة في العالم، إلى اندلاع انتفاضات "الربيع العربي". ومع ذلك تعاظمت مشكلة البطالة وتزايدت حدتها منذ ذلك الحين، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو مليون مصري فقدوا وظائفهم عام 2011، نتيجة تدهور الاقتصاد. وبالمثل أعلن البنك المركزي التونسي أن معدلات البطالة في تونس، التي كانت مهد "الربيع العربي"، بلغت 17.6% مقابل 13% عام 2010.
وأكدت دراسة للبنك الدولي، حاجة الدول العربية إلى 100 مليون وظيفة في العام 2025، وذلك فقط للمحافظة على مستويات البطالة الحالية، ومنعها من الارتفاع.
ومن المتوقع أن تؤدي الظروف السياسية التي يشهدها الوطن العربي حاليا إلى زيادة عدد العاطلين بأكثر من 5 ملايين شخص آخرين ليتجاوز حجم البطالة حاجز العشرين مليون عاطل. وهذه الأرقام هي الأعلى على الإطلاق على مستوى العالم.
البطالة لا تستثني أية دولة
تؤكد أحدث الأرقام أنه لم تعد هناك دول عربية محصنة ضد البطالة، وخاصة دول الخليج العربي، فالسعودية تحتل المرتبة الثانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعد العراق، على صعيد أعلى نسَب البطالة بين الشباب. ويبلغ معدل البطالة في المملكة ـ أكبر البلدان الخليجية حجما وتشغيلا واستقبالا للوافدين، نحو10.5% و8% في عمان والبحرين، وأغلب العاطلين من حاملي الشهادات، وفق دراسة أعدتها مؤسسة "الخليج للاستثمار" عن زيادة معدلات البطالة بين الشباب الخليجي.
ونبّهت الدراسة إلى ما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي من أن نسبة البطالة في دول الخليج مرشّحة إلى الارتفاع بما يزيد عن مليوني معطل إضافي ما لم يتم اتخاذ إجراءات وبرامج كفيلة بخلق الوظائف المناسبة لمواجهة هذه المشكلة الاجتماعية والاقتصادية والحيلولة دون استفحالها.
من جانبه حذر صندوق النقد الدولي دول مجلس التعاون الخليجي من ارتفاع نسب البطالة بين مواطني دول الخليج العربي خلال الـخمس سنوات المقبلة في ظل ارتفاع أسعار النفط والمخاطر المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ورغم أن دول الخليج من المنتظر أن تستحدث نحو ستة ملايين وظيفة خلال السنوات الخمس المقبلة فإن حصة الخليجيين منها ستكون الثلث فقط، وفق التقرير الذي اعتمد على نتائج السنوات العشر الماضية والتي تم فيها استحداث سبعة ملايين وظيفة في سوق العمل الخليجية، لم ينل منها المواطنون سوي مليون وظيفة.
وهذا السياق يشير صندوق النقد الدولي إلى أن زيادة فرص العمل للخليجيين تتطلب من دول المجلس تحسين استراتيجيات العمل وتطوير مخرجات التعليم وإعادة هيكلة الأجور لمجلس التعاون.
ويعتبر ملف العمالة الأجنبية أحد الملفات الشائكة في دول الخليج، الذي بات ينظر إليه اليوم على أنه أحد أهم الأسباب التي ساهمت في تفشي البطالة في بلدان الخليج النفطية.
ووفق ما جاء في الدراسة فقد فتح باب استقطاب العمالة على مصراعيه لمراحل التعمير والتشييد والبناء والتي تشمل مرافق الصحة والتعليم والمشاريع الهندسية المختلفة، وتواجد قطاع عام يسعى نحو توظيف واستقطاب العمالة الوطنية بأجور ومزايا مرتفعة جنبا إلى جنب مع ملايين الأشخاص من العمالة الوافدة إلى القطاع الخاص والتي يسعى أرباب الأعمال فيها إلى تحقيق الربح والعائد الاقتصادي واختزال التكاليف المختلفة الشاملة للأجور والمرتبات، نشأت فجوة كبيرة بين القطاعين العام والخاص.
تطويق الفساد
في إطار البحث عن حلول لهذه الآفة التي تنخر جسد المجتمع، ومضاعفاتها التي تتجاوز البعد الاقتصادي لتشمل الجوانب الاجتماعية والنفسية ومستقبل التنمية في البلاد المعنية، تسعى الدول العربية إلى إيجاد "أدوية" مناسبة للحد من البطالة، وفي هذا السياق يرى التقرير الثالث لمنظمة العمل العربية أن أولى الخطوات تبدأ بـ "معالجة الخلل في التنمية الاقتصادية وإعطاء التشغيل الأهمية والأولوية لتأهيل العامل الوطني والعربي، وتسليحه بالقدرات اللازمة".
ومن بين الحلول المطروحة "تطويق الفساد ووضع حد لهدر النفقات العامة وتوجيهها لتمويل التنمية وبرقابة شعبية حقيقية على المالية العامة، وأن تكون للميزانية أهداف لرفع مستوى التنمية وقيام الجهاز المصرفي بدور أكبر في التنمية العربية والتخلص من سيطرة السياسة على حركات الائتمان في ما سمي بالائتمان السياسي، والعمل على تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة".
وفي نفس السياق، خرجت دراسة مؤسسة الخليج للاستثمار بمجموعة من التوصيات أهمها، حرص دول المجلس على زيادة العناية بحديثي التخرج من النظام التعليمي بإنشاء صندوق للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وتنفيذ برامج لتوطين الإنتاج والوظائف داخل دول المجلس وفق بعد زمني محدد، بتشجيع الصناعات الوطنية في كل المجالات التي تتوافر فيها الميزة النسبية ومطالبة الشركات الدولية داخل دول المجلس بخلق نواة إنتاجية محددة تسهم في توطين القدرات التصنيعية والتكنولوجيا إلى جانب توطين الوظائف بشكل مبرمج وإعطاء الأولوية لتوظيف العمالة الوطنية كشرط أساسي للعطاء سواء في مشاريع الحكومة، أو مشاريع القطاع الخاص، أو المشاريع المشتركة بين القطاعين.
وترى دراسة مؤسسة الخليج للاستثمار أنه من الأهمية خلق أعلى أشكال التنسيق بين استقدام وهجرة العمالة الوافدة من حيث النوع والخبرات والمهارات وبين احتياجات الاقتصاد الوطني لدول مجلس التعاون، وعدم فتح باب الهجرة على مصراعيه، كما ينبغي وضع ضوابط وحوافز لتشجيع العمالة الوافدة على نقل خبراتها ومهارتها إلى العمالة الوطنية بدلاً من التنافس الحالي فيما بينهما.