يمر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هذه الأيام بفترة دقيقة إثر الخبر الذي صدر يوم 05 ديسمبر 2012 ببعض الصحف الجزائرية عن إمكانية تسليم القيادي الجزائري البارز في تنظيم القاعدة مختار بلمختار والمكنّى بمختار الأعور أو أبو العباس لنفسه إلى السلطات الجزائرية.
فهل أن هذا التسليم يندرج في إطار مناورة جديدة لاختبار رد فعل السلطات الجزائرية؟ أم أنه إعلان عن دخول مرحلة جديدة في مقاومة الإرهاب بالتضييق على مداخله؟ وما هي تداعياته على تيار الإسلام الراديكالي في المنطقة المغاربية؟.
بلمختار وحرب الزعامات على الإمارة
يعتبر عديد الباحثين أن حرب الزعامة بين بلمختار قائد كتيبة "الملثمين" سابقا مع أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أبو مصعب عبد الودود المكنى عبد المالك درودكال تعود إلى سنوات عديدة وخاصة منذ 2007 تاريخ تأسيس القاعدة بالمنطقة المغاربية. إذ إن تولي الإمارة توفر لصاحبها بعض الامتيازات من بينها الكاريزما الدينية والقوة المالية المتأتية من غنائم التهريب والفدية. لقد تجسمت القطيعة بين الرجلين درودكال وبلمختار بعد تسمية درودكال ليحيي جوادي قائدا على كتائب الساحل.
ومنذ ذلك الوقت قرر بلمختار وضع حد لعلاقته تنظيميا بالقاعدة والعمل لحسابه الشخصي من خلال تأسيس إمارة جديدة يترأسها في منطقة غاو شمال مالي بالتعاون مع "حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا". وأصبح تنظيم بلمختار يتقاطع في أفكاره – جزئيا – مع مطالب السلطة الجزائرية الداعية إلى رفض أي تدخل عسكري في مالي.
ويُذكر أن بلمختار (ابن منطقة غرداية بالجزائر) كان قد أجرى مفاوضات منذ 2005 مع عناصر من السلطة الجزائرية للاستفادة من إجراءات المصالحة لكن هذه المساعي لم تثمر. وتحدثت بعض التقارير أن بلمختار دخل في مسعى متقدم في المصالحة منذ 2011 . وبالتالي فان إعلانه حسبما ورد في بعض الصحف (مثل الجزائر نيوز 06 ديسمبر 2012 و"الحياة" 07 ديسمبر 2012) عن إمكانية تسليم نفسه للسلطات الجزائرية مقابل ضمان حياته وكرامته تصبح عملية مرجحة، أكثر منها مناورة، لكن نجاح هذه العملية ربما يحتاج لمزيد من الوقت نظرا للوضع الساخن في مالي حاليا.
تداعيات تسليم بلمختار مغاربياً ودولياً
لا شك أن أول مستفيد من العملية هي السلطة الجزائرية التي ستغنم بالأساس من الكم الهائل من المعلومات حول وضعية التنظيمات الجهادية بمنطقة الساحل (عدد الأنصار والتمويلات وخطط التحرك) لكن لا ننسى أنها استفادة محدودة نظرا لطابع التغيير المستمر لخطط القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، ولضيق هامش التحركات الجهادية مستقبلا في ظل التلويح بالتدخل العسكري – الذي يبقى رغم عدم إلحاحه حاليا – أمرا واردا في صورة عدم نجاح المفاوضات بين مختلف الفصائل الجهادية والسلطة الشرعية في مالي المدعومة بقوة عسكرية افريقية ودعم غربي. ويعتبر بعض المحللين أن إمكانية تسليم بلمختار لنفسه له عدة قراءات:
-أولا: هو يعرف أنّ ربح المعركة عسكريا أصبح أمرا صعبا.
- ثانيا: هو يُلوّح منذ مدة بالخروج من القاعدة والانخراط في المصالحة الوطنية.
- ثالثا: هو يدرك أن الوضع الإقليمي والدولي لم يعد يسمح بتوسع نشاط القاعدة.
ويمكن القول أن بلمختار اختار الحياد مؤخرا أمام الجماعتين الرئيسيتين القاعدة، والتوحيد والجهاد وذلك نظرا لما رآه من صعود مفاجئ لجماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وسيطرتها العسكرية المتعاظمة، لكنه يعرف أن هذه التنظيمات ستضطر أن تقدم تنازلات في ضوء التدخل المحتمل للقوة الإفريقية. ويعتبر المحللون أن انسحاب بلمختار من القاعدة سيضعفها لكنه لا يقضي عليها، بدليل أن القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي ما تزال تحاول استغلال الرخوة الأمنية في كل من ليبيا وتونس للقيام بهجومات نوعية بين الحين والآخر وأخرها ما حصل في تونس يوم 10 ديسمبر 2012 حيث تسرب أربعة أشخاص مسلحين محسوبين على القاعدة من التراب الجزائري وتمكنوا من قتل عوني أمن تونسيين بسبب منعهم من تهريب أسلحة كانوا يحملونها على سيارة من تونس للاتجاه بها إلى مالي عبر الجزائر.
والملاحظ انه بعد قيام ثورات الربيع العربي أصبح تيار الإسلام الراديكالي في وضع دقيق مغاربيا وعربيا ودوليا، إذ بدأت بعض الفصائل الجهادية في تونس وليبيا ومصر تنحو منحى العمل السياسي بالمشاركة سواء في الإطار الجمعياتي أو الإطار الحزبي. وفي المغرب بدأ التيار السلفي الجهادي في مراجعات فكرية هامة، أما في الجزائر التي تعد المركز الرئيسي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي فقد انحسرت عمليات القاعدة بها إلى حد كبير. لذلك وجّه تنظيم القاعدة المغاربي نشاطه بكثافة نحو مالي ومنطقة الساحل. والآن وبعد التلويح بإمكانية التدخل العسكري فان هامش التحرك لهذا التنظيم أصبح محدودا. ونشير إلى أن هناك حدثين أساسيين أثّرا سلبا على مردود القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي: الحدث الأول هو مقتل بن لادن في 2 مايو 2011، والحدث الثاني ظهور الربيع العربي الذي كان من ضمن أجندات قيامه التمييزُ بين تيار الإسلام المعتدل وتيار الإسلام الراديكالي، وتعهُّدُ رموز تيار الإسلام السياسي بتحييد وإضعاف التيار الراديكالي شعبيا وإيديولوجيا.
ويبقى السؤال المطروح هل سيقدر تيار الاسلام السياسي عمليا على كبح جماح التيارات الجهادية الراديكالية في ظل صراعاته التي لا تنتهي مع التيارات المدنية؟ وهل ستدخل المنطقة المغاربية وبلاد الساحل مرحلة الاستقرار النسبي بعد سنوات طويلة من الإرهاب أم أنها تمرّ بمجرد هدنة مؤقتة؟
إن ملف الإرهاب والقاعدة لم يعد شأنا مغاربيا أو إفريقيا بل جزءا من ملف الحرب الكونية على الإرهاب. وترتبط حلوله بتوفر جملة من العوامل من أبرزها:
- تطوير التنمية في المناطق الصحراوية الفقيرة وخاصة المناطق الحدودية التي تنشط
فيها عمليات التهريب.
- تطوير التنسيق الأمني بين مختلف البلدان المغاربية والإفريقية.
- الشروع في البحث عن حلول عادلة للمشاكل العرقية والاثنية.
- تطوير الديمقراطية وتعميم مبدأ المواطنة بهذه البلدان بما من شانه أن يبعد خطر الانقسامات والانفصال.
وأعتقد أن حوار دول الشمال ودول الجنوب يجب أن يصب في اتجاه دعم الاستقرار والديمقراطية ومدنية الدولة بالبلدان المغاربية والإفريقية لان ذلك سيحد كثيرا من خطر الإرهاب وتداعياته، وسيقلل من عملية اللجوء السياسي والهجرة السرية. ورغم عالمية الحرب على الإرهاب فإن الحل السلمي أو فض النزاع داخليا يبقى الأقل كلفة والأكثر نجاعة في محاصرة ظاهرة الإرهاب.
بورتريه بلمختار
- هو مختار بلمختار من مواليد 1972 بمدينة غرداية بالجزائر. كان منذ صغره شغوفا بالجهاد ومتأثرا بعبدالله عزام.
- سافر سنة 1991 وعمره آنذاك 19 سنة إلى أفغانستان، وتلقى تدريبات هناك ، وقاتل إلى جانب الجهاديين العرب الأفغان قبل أن يعود بعد ثلاث سنوات إلى بلده للالتحاق بصفوف الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا GIA ).كما ساعد في تأسيس الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي انضمت إلى القاعدة في أيلول 2006وغيرت اسمها لاحقا إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في 2007
- يُعرف بلمختار أيضا باسم خالد أبو عباس والأعور حيث فقد إحدى عينيه في قتال في أفغانستان قبل أن يشارك في الحركة الجهادية في الجزائر في التسعينات.
- يُعتقد أن بلمختار له علاقات قوية مع مجتمعات محلية ومهربين ومتمردين في أنحاء المناطق الصحراوية
- شهدت السنوات السبعة عشر الأخيرة بروز بلمختار كقائد عسكري للقاعدة في شمال مالي والنيجر، وتأسيسه لكتيبة الشهادة وبعدها كتيبة الملثمين. وبقي أبو عباس أو الأعور (وهي تسميات تنسب إلى بلمختار) المرجع الأهم للجماعات المسلحة في شمال مالي لسنوات عديدة. وتشير اغلب التقارير أن له دورا كبيرا في تأسيس جماعة التوحيد والجهاد، وفي تسليح جماعة أنصار الدين، وفي العمليات العسكرية التي نفذتها الجماعة للاستيلاء على مدن شمال مالي.
- تذكر عديد التقارير آن بلمختار مؤسس كتيبة الملثمين انضم بعدها إلى "جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا" التي انشقت بعد ذلك عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
- شملت الفترة من 1995 إلى اليوم تمرد بلمختار أربع مرات ضد أمير"ألجيا" (الجماعة الإسلامية المسلحة) جمال زيتوني في التسعينات ثم ضد حسن حطاب أمير الجماعة السلفية للدعوة والقتال، ثم ضد درودكال مرتين في الجماعة السلفية وفي تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي.
- دعا بلمختار الإسلاميين الليبيين إلى عدم تسليم أسلحتهم اثر سقوط نظام القذافي.
ابرز التنظيمات السياسية في مالي
- تبلغ مساحة مالي 1240.000كم2 ويبلغ عدد سكانها حوالي 15 مليون نسمة وعاصمتها باماكو. ويشكل المسلمون فيها حوالي 90% من سكانها اغلبهم من السنة، ويبلغ عدد العرب 300 ألف نسمة. وتوجد بها أقليات مسيحية ووثنية. أما التركيبة العرقية فتتألف من الطوارق الامازيغ، وقبائل الهوتسو بالإضافة إلى قبائل البمبرا.
- تأسست جماعة "أنصار الدين" سنة 2006 على يد إياد أغ غالي الذي حرص على توحيد قبائل الطوارق. واستطاعت هذه الجماعة السيطرة على مساحات شاسعة من البلاد تصل إلى حوالي ثلث مساحة مالي.
- كان إياد أغ غالي مشهورا بمعاقرة الخمور ومشاكسة النساء، وبعد تعيينه قنصل مالي في جدة تأثر بالفكر الوهابي، وتبنّى في فترة لاحقة فكر القاعدة ومنهجها.
- بعد أسبوع من الانقلاب العسكري الذي أطاح في 22 آذار/مارس 2012 في باماكو بالرئيس أمادو توماني توري، سقطت شمال مالي بأيدي الحركة الوطنية لتحرير أزواد وحركة أنصار الدين الإسلامية بقيادة إياد أغ غالي .
- تمتد منطقة أزواد الشاسعة على مساحة تعادل مساحة فرنسا وبلجيكا مجتمعتين. وتعد مهد الطوارق، وهي تقع شمال نهر النيجر وتشمل ثلاث مناطق إدارية هي كيدال وتمبكتو وغاو.
- سيطرت جماعة أنصار الدين على تمبكتو في شمال مالي، وكانت تريد فرض تطبيق الشريعة، وقد تصدت لنظام باماكو والاستقلاليين الطوارق.
- ترفض جماعة أنصار الدين مطلب الحركة الوطنية لتحرير أزواد بالانفصال.
- ماسست جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا في مالي منذ بضعة شهور وكانت فصيلا في تنظيم القاعدة ثم انشقت عنها. وقد تورطت هذه الجماعة في خطف عديد الأجانب لمقايضتهم بفدية مالية. وقد فرض مجلس الأمن في 05 ديسمبر 2012 عقوبات عليها. سيطرت الجماعة على منطقة واسعة من مالي، وقد التحق بها مقاتلون من جماعة "بوكو حرام" وغيره من التنظيمات الإفريقية.
- مراء القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي: عبد الملك درودكال المكنى بأبو مصعب عبد الودود. ويحي جوادي أمير إمارة الصحراء، وعبد الحميد أبو زيد قائد كتيبة "طارق بن زياد" أو "الفاتحين" ويحي أبو الهمام مساعد عبد الحميد أبو زيد ومختار بلمختار قائد كتيبة الملثمين والذي انشق مؤخرا عن تنظيم القاعدة.
يبلغ عدد الطوارق حسب إحصائيات تقريبية ثلاثة ملايين ونصف في إفريقيا منهم 15 بالمائة في شمال إفريقيا خاصة في ليبيا والجزائر و85 بالمائة في عديد الدول الإفريقية خاصة في النيجر وبوركينا فاسو ومالي.
*دراسة أعدها الأكاديمي التونسي الدكتور أعلية علاني