" إيران لن تتحول إلى حليف لأمريكا حتى في حال إعادة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين البلديْن، بل إن إيران ستستمر في اتباع سياسة خارجية مستقلة، الأمر الذي سيجعل من الصعب على الولايات المتّحدة الحفاظ على ميزان القوى الإقليمي، خصوصاً في ظل أزمات العالم العربي العميقة التي تسعى إيران إلى إستغلالها لمصلحتها، لذا، فإن المفاوضين الأمريكيين والإيرانيين سيواجهون صعوبات جمة عندما يجلسون إلى مائدة المفاوضات."
هذا التقرير يكشف عوائق التقارب واستحالته في آن واحد، التي تجعل تصريحات روحاني والمسئولين الإيرانيين خطوة دبلوماسية ليست أكثر تهدف لتخفيف العقوبات، وهي ما انتقده روحاني أُثناء كلمته أمام الأمم المتحدة، اليوم الخميس 26 سبتمبر العام 2013 مشبها إياها بالعقوبات التي فرضت على نظام صدام حسين.
في عام 1979، وبعد فترة وجيزة من إنتصار الثورة التي أسّست النظام الإيراني الحالي، قطعت إيران علاقاتها مع الولايات المتّحدة عام 1980، وورد وصفها بالشيطان الأكبر في خطب وكتابات زعيم الثورة آية الله الخوميني 50 الف مرة حسبما يقول أحد معارضيه عبد الحسين الموسوى، أما الآن وبعد زهاء 35 عاماً، تسعى طهران بقيادة روحاني- كما سبق أن سعت بقيادة خاتمي- إنهاء االتقارب مع الولايات المتحدة والغرب.
وإذا بدأت المحادثات المباشرة بين واشنطن وطهران، فإنها ستمثل إختراقاً مهماً بالفعل. لكن تحقيق أي تقدّم كبير أمرٌ مستبعد في المدى المنظور، خصوصاً أن سلوك المسار التفاوضي سيكون أكثر تعقيداً بالنسبة للولايات المتّحدة منه بالنسبة لإيران.
في عهد رئيسها الجديد، حسن روحاني، أصدرت إيران وابلاً من التصريحات التي تظهر رغبتها الشديدة في التفاوض مع الولايات المتّحدة. ويبدو أن هذا التوجه يحظى بإجماع داخلي واسع في إيران.
وفي مقابلة تلفزيونية أجراها في 18 سبتمبر مع شبكة أن بي سي NBC
أكّد روحاني على أنّ بلاده لم ولن تسعى إلى إمتلاك أسلحة نووية. وقال أيضاً إن الجمهورية الإسلامية تريد علاقات سلمية مع جميع الدول. وجاءت هذه التعليقات في أعقاب التصريحات غير المسبوقة للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي، والتي قال فيها إنه لا يعارض المساومة في الدبلوماسية وإنه يدعم المرونة.
ويتمثل الدافع الرئيسي لمسعى إيران التفاوضي بالحاجة الملحة لمعالجة وضعها الإقتصادي المتردي. وتفيد بعض التقارير الإعلامية بأن إدارة الرئيس أوباما تستعد، في الحقيقة، لإجراء محادثات مع بعض المسؤولين الإيرانيين خلال تواجد روحاني الحالي في نيويورك، حيث سيشارك في الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة.
مع ذلك، تستشعر الولايات المتّحدة بكثير من الحذر في التفاوض مع إيران بحذر شديد لأسباب عدة:
أولاً: لأن الأمريكيين لا يشعرون بأيّ ضغط يبرر الإسراع في التفاوض مع الإيرانيين. فعندما كانت القوات الأمريكية في العراق، احتاجت واشنطن إيران - لكنّ هذا أصبح من الماضي. وهناك أيضاً معارضة شديدة للإنخراط الدبلوماسي مع طهران من جانب دوائر عدّة في واشنطن.
ثانيا: يبدو وضع الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في أضعف حالاته منذ أن أصبح رئيساً للبلاد، خصوصاً بعد أزمة الأسلحة الكيميائية السورية الأخيرة ونجاح روسيا في إستغلال الرغبة الأمريكية، في تلافي العمل العسكري ضدّ سوريا. بالتالي، قد يتعرّض أوباما لانتقادات حادّة إذا بدا أنه قدم تنازلات كبيرة إلى الإيرانيين. وإلى جانب العقبات السياسية المحلية، هناك عقبات جيو- سياسية كأداء تعترض سبيل الإنفراج في العلاقات الإيرانية - الأمريكية.
ثالثا: أن المفاوضات الإيرانية - الأمريكية ستنطوي على إنعكاسات مهمة على ميزان القوى في الشرق الأوسط، وعلى علاقات واشنطن مع حلفائها في المنطقة، وخاصة في دول الخليج والسعودية والإمارات بالخصوص.
ومن شأن أي تنازلات أمريكية لإيران أن تثير قلقاً عميقاً لدى المملكة العربية السعودية وإسرائيل. إذ يخشى السعوديون والإسرائيليون أن يؤدي تخفيف التوتر بين الولايات المتّحدة وإيران إلى تعزيز موقع إيران الإقليمي، على حساب مصالحهم.
ومن المؤكّد أن الولايات المتّحدة ستستفيد من التعاون مع الإيرانيين لإدارة سوريا بصورة أفضل، خصوصاً التهديد الذي يمثله الجهاديون، وفلول الأسد بعد رحيله، وقد سبق أن تعاونت طهران وواشنطن ضدّ تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان - وفي العراق خلال الفترة الأولى من احتلاله، وهو السيناريو الذي ترجحه العديد من الدوائر في الولايات المتحدة أن إيران قد تقوم بنفس الدور ولا تعارض ضربة أمريكية ضد النظام السوري كما فعلت أثناء حرب تحرير العراق سنة 2003.
لكن هذه الترتيبات ظلّت تكتيكية ولم تغيّر الحالة العامّة للعلاقات العدائية بين الجانبيْن، وبالتالي، لم تؤثّر قط في الإصطفافات الأمريكية في المنطقة.
دبلوماسية التفاوض لا التقارب:
لكن المبادرة الدبلوماسية الحالية تمتاز بطبيعة إستراتيجية، فحتى أبسط نجاح لها قد يعزز موقع إيران وقد يغيّر الهيكلية الجيو - سياسية القائمة حالياً.
ومن وجهة النظر الأمريكية، يبدو من المستحيل تحسين العلاقات مع إيران وموازنة هذه العلاقات مع تلك القائمة، مع السعودية وباقي دول الخليج العربية وإسرائيل وتركيا ومصر كما يقول تحليل لمركز ستراتفور في 23 سبتمبر الماضي.
ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى حقيقة
أن إيران لن تتحول إلى حليف لأمريكا حتى في حال إعادة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين البلديْن، بل إن إيران ستستمر في اتباع سياسة خارجية مستقلة، الأمر الذي سيجعل من الصعب على الولايات المتّحدة الحفاظ على ميزان القوى الإقليمي، خصوصاً في ظل أزمات العالم العربي العميقة التي تسعى إيران إلى إستغلالها لمصلحتها، لذا، فإن المفاوضين الأمريكيين والإيرانيين سيواجهون صعوبات جمة عندما يجلسون إلى مائدة المفاوضات.
هذا التقرير يكشف عوائق التقارب واستحالته في آن واحد، التي تجعل تصريحات روحاني والمسئولين الإيرانيين خطوة دبلوماسية ليست أكثر تهدف لتخفيف العقوبات، وهي ما انتقده روحاني أُثناء كلمته أمام الأمم المتحدة، اليوم الخميس 26 سبتمبر العام 2013 مشبها إياها بالعقوبات التي فرضت على نظام صدام حسين.
في عام 1979، وبعد فترة وجيزة من إنتصار الثورة التي أسّست النظام الإيراني الحالي، قطعت إيران علاقاتها مع الولايات المتّحدة عام 1980، وورد وصفها بالشيطان الأكبر في خطب وكتابات زعيم الثورة آية الله الخوميني 50 الف مرة حسبما يقول أحد معارضيه عبد الحسين الموسوى، أما الآن وبعد زهاء 35 عاماً، تسعى طهران بقيادة روحاني- كما سبق أن سعت بقيادة خاتمي- إنهاء االتقارب مع الولايات المتحدة والغرب.
وإذا بدأت المحادثات المباشرة بين واشنطن وطهران، فإنها ستمثل إختراقاً مهماً بالفعل. لكن تحقيق أي تقدّم كبير أمرٌ مستبعد في المدى المنظور، خصوصاً أن سلوك المسار التفاوضي سيكون أكثر تعقيداً بالنسبة للولايات المتّحدة منه بالنسبة لإيران.
في عهد رئيسها الجديد، حسن روحاني، أصدرت إيران وابلاً من التصريحات التي تظهر رغبتها الشديدة في التفاوض مع الولايات المتّحدة. ويبدو أن هذا التوجه يحظى بإجماع داخلي واسع في إيران.
وفي مقابلة تلفزيونية أجراها في 18 سبتمبر مع شبكة أن بي سي NBC
أكّد روحاني على أنّ بلاده لم ولن تسعى إلى إمتلاك أسلحة نووية. وقال أيضاً إن الجمهورية الإسلامية تريد علاقات سلمية مع جميع الدول. وجاءت هذه التعليقات في أعقاب التصريحات غير المسبوقة للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي، والتي قال فيها إنه لا يعارض المساومة في الدبلوماسية وإنه يدعم المرونة.
ويتمثل الدافع الرئيسي لمسعى إيران التفاوضي بالحاجة الملحة لمعالجة وضعها الإقتصادي المتردي. وتفيد بعض التقارير الإعلامية بأن إدارة الرئيس أوباما تستعد، في الحقيقة، لإجراء محادثات مع بعض المسؤولين الإيرانيين خلال تواجد روحاني الحالي في نيويورك، حيث سيشارك في الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة.
مع ذلك، تستشعر الولايات المتّحدة بكثير من الحذر في التفاوض مع إيران بحذر شديد لأسباب عدة:
أولاً: لأن الأمريكيين لا يشعرون بأيّ ضغط يبرر الإسراع في التفاوض مع الإيرانيين. فعندما كانت القوات الأمريكية في العراق، احتاجت واشنطن إيران - لكنّ هذا أصبح من الماضي. وهناك أيضاً معارضة شديدة للإنخراط الدبلوماسي مع طهران من جانب دوائر عدّة في واشنطن.
ثانيا: يبدو وضع الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في أضعف حالاته منذ أن أصبح رئيساً للبلاد، خصوصاً بعد أزمة الأسلحة الكيميائية السورية الأخيرة ونجاح روسيا في إستغلال الرغبة الأمريكية، في تلافي العمل العسكري ضدّ سوريا. بالتالي، قد يتعرّض أوباما لانتقادات حادّة إذا بدا أنه قدم تنازلات كبيرة إلى الإيرانيين. وإلى جانب العقبات السياسية المحلية، هناك عقبات جيو- سياسية كأداء تعترض سبيل الإنفراج في العلاقات الإيرانية - الأمريكية.
ثالثا: أن المفاوضات الإيرانية - الأمريكية ستنطوي على إنعكاسات مهمة على ميزان القوى في الشرق الأوسط، وعلى علاقات واشنطن مع حلفائها في المنطقة، وخاصة في دول الخليج والسعودية والإمارات بالخصوص.
ومن شأن أي تنازلات أمريكية لإيران أن تثير قلقاً عميقاً لدى المملكة العربية السعودية وإسرائيل. إذ يخشى السعوديون والإسرائيليون أن يؤدي تخفيف التوتر بين الولايات المتّحدة وإيران إلى تعزيز موقع إيران الإقليمي، على حساب مصالحهم.
ومن المؤكّد أن الولايات المتّحدة ستستفيد من التعاون مع الإيرانيين لإدارة سوريا بصورة أفضل، خصوصاً التهديد الذي يمثله الجهاديون، وفلول الأسد بعد رحيله، وقد سبق أن تعاونت طهران وواشنطن ضدّ تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان - وفي العراق خلال الفترة الأولى من احتلاله، وهو السيناريو الذي ترجحه العديد من الدوائر في الولايات المتحدة أن إيران قد تقوم بنفس الدور ولا تعارض ضربة أمريكية ضد النظام السوري كما فعلت أثناء حرب تحرير العراق سنة 2003.
لكن هذه الترتيبات ظلّت تكتيكية ولم تغيّر الحالة العامّة للعلاقات العدائية بين الجانبيْن، وبالتالي، لم تؤثّر قط في الإصطفافات الأمريكية في المنطقة.
دبلوماسية التفاوض لا التقارب:
لكن المبادرة الدبلوماسية الحالية تمتاز بطبيعة إستراتيجية، فحتى أبسط نجاح لها قد يعزز موقع إيران وقد يغيّر الهيكلية الجيو - سياسية القائمة حالياً.
ومن وجهة النظر الأمريكية، يبدو من المستحيل تحسين العلاقات مع إيران وموازنة هذه العلاقات مع تلك القائمة، مع السعودية وباقي دول الخليج العربية وإسرائيل وتركيا ومصر كما يقول تحليل لمركز ستراتفور في 23 سبتمبر الماضي.
ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى حقيقة
أن إيران لن تتحول إلى حليف لأمريكا حتى في حال إعادة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين البلديْن، بل إن إيران ستستمر في اتباع سياسة خارجية مستقلة، الأمر الذي سيجعل من الصعب على الولايات المتّحدة الحفاظ على ميزان القوى الإقليمي، خصوصاً في ظل أزمات العالم العربي العميقة التي تسعى إيران إلى إستغلالها لمصلحتها، لذا، فإن المفاوضين الأمريكيين والإيرانيين سيواجهون صعوبات جمة عندما يجلسون إلى مائدة المفاوضات.