من يريد حماية اليمن مما يراه خطراًعليها ، يبقى الى جانب شعبه ولا يفر مهما كانت الأسباب .
الهاربون يبحثون عن أمنهم الشخصي ، ويلاحقون المزيد من الكسب والثراء ، أو هم إذا أحسنا الظن بهم ، جبناء تفزعهم المواجهات ، فيلجأون لمداراة عجزهم وخورهم بالاستقواء بالآخرين ، وتقديم الأبطال قرابين كي لا ينافسوهم !
ليسوا أفضل من آلاف الضحايا الذين التهمتهم هذه الحرب الملعونة ..
لكن اليمن عندهم ، ليست أكثر من وسيلة لتضخيم أرصدتهم البنكية المتخمة ... ؟!
من يرقبهم في الرياض ، قال أنهم يتوجسون قلقاً وخيفة من أي مسعى للحوار ، حتى لاتنقطع عنهم نعم المملكة وخيرها الكريم ... رفضوا تعيين الدكتورمحمد موسى العامري مسئولاً عن لجنة الاغاثة ، حتى لا يمنعه التحرّز والحياء من إغاثتهم بالملايين التى يشحذونها !
واستعانوا بشوقي هائل ليحل مشكلة المنقطعين في مصر وغيرها، بعدما رصدوا لذلك مبلغاً مقطوعاً ، على ان يتكفل بمايزيد ، كعادة بيت هائل معهم ومع من سبقهم ....
اذا كانت مشكلة بسيطة وتافهة مثل هذه احتاجت أكثر من 45 يوماً من تفكيرهم وتدبيرهم .. فكيف سيعملون مع مشكلة اليمن الكبرى ، التى صنعوها بأيديهم ، لتكون شماعة وذريعة للبقاء والتسلط والتكسب ؟
في الطرف المقابل .. ترهن قيادات كبيرة في المؤتمر الشعبي العام مستقبل اليمن بوضع الرئيس السابق علي عبدالله صالح ، الذي لطالما كرر - خلافاً لما يفاوضون عليه في الرياض - عدم رغبته وأسرته في البقاء في السلطة ، أو العودة اليها ... !.
وهو في طلبه منطقي وراجح العقل طالما عجزوا عن التخلص منه ؛ فمن لايريد الحفاظ على حياة نفسه وكرامتها ؟!
إلاّ اذا كانوا يريدون منه أن يتكفل بقتل نفسه برغبته ومحض ارادته !!
قرابة 50 يوماًمضت من هذه الحرب القذرة ، وولاة أمر اليمنيين في مكامنهم مع نسائهم وأولادهم وأحفادهم آمنين في قصورالرياض وفنادقها، في حين تتفطر قلوب الملايين من اليمنيين من الحزن ، ويتوزعون بين ليالي الرعب ، ونهارات القلق !
زٓحف مئات الآلاف منهم باتجاه القرى المعلقة في قمم الجبال نازحين من قذائف الأرض ، وصواريخ السماء ، فيما ولاة أمرهم منهمكين في التخطيط لالتهام المزيد من الأرباح ، بعدما أخبروهم أن ّ صالح لم يتقرص العافية مثلهم ، رغم مساعدتهم المتكررة له إبان رئاسته .. واتهامه مؤخراً بلهف 60 مليار دولار ..!!
السعودية التي يملك فيها أمير صغير بحجم عبدالعزيز بن فهد ابن ملك المملكة الأسبق ،ماهو أكثر مما يتهمون به الرئيس السابق ، تعرف كيف تحل مشاكلها في اليمن وغير اليمن ...
لكنها وجدت نفسها في العامين الماضيين أمام جيوش ومليشيات غير نظامية تتشكل مٌقٓوِضة مفهوم جيش الدولة الذي يسهل التحكم به والسيطرة عليه بشراء ولاء قياداته ، وصار الأمر مرعباً مع تسلل أحاديث مقايل تحكي نوايا الحوثيين في التوغل شمالاً باتجاه كعبة أبينا آدم في ( بكة ) المباركة ...
أنا شخصياً لست مع هذه النوايا ، لكني أيضاً أمقت اللجوء لحشر المسألة الطائفية ، واستخدام الدين في القضاء على من يحسبونهم أعداء أو خصوم ، وتحويل اليمنيين الى مقاتلين بالأجر اليومي ، مدفوعين بالكاش والكلاش كما نصح الدكتور الكويتي عبدالله النفيسي قبل بدء حرب العاصفة بأسبوع .
في النهاية ، لن تنتهي الحرب ، كماهي طبيعتها ، سوى بالتسامح والحوار والغفران ... طال زمانها أم قصر ، إلاّ اًنً ثمة من سيخرج منها مكتنزاً بكثير من المال وكثير من العنف والسلاح ، وكثير من الجرائم .... ومتضخماً بسوء الأخلاق وسوء الخاتمة ، وانعدام الضمير ..
وعلى النقيض ستخرج ملايين الأسر اليمنية بنصيبها الوافر من القتلى والجرحى ، والحقد الأعمى على بني وطنها وجلدتها ودينها ..
لايعرفون لماذا اقتتلوا وعلام تصالحوا !
نحن في زمن السماوات المفتوحة ، إذ ينبغي أن يعبر الصراع الفكري ، والاختلاف في الرأي عن دخائل النفوس ، حتى لو كان هذا التعبير حاداً وجارحاً ..
ولو كانت الأسلحة تجدي لأستخدمتها باكستان التي تملك دماراً شاملاً منها ،لكنها،في واقع الأمر، تعجز عن حماية نفسها من تفجير لغم في مبنى أو حافلة في شارع ، كما تنوء خزينتها عن إطعام ملايين الجوعى من مواطنيها ...
مهما يكن تصلب الحوثيين وخطرهم ، فلا مجال لمقاومتهم أنجع من تركهم يمرون ويعملون ، حتى يأتيهم أمر الشعب ، مع أقرب انتخابات ... فلا يلجأ للاعتداء ، او حتى مواجهة العدوان بالعنف إلا من تعوزه حيلة الديمقراطية ، وتعجزه أصوات الناخبين !
أليس مخجلاً أن تنطلق طائرات الدرونز الأميركية من قاعدتها في الربع الخالي جنوب السعودية لتقصف القصر الرئاسي في المكلا بعدما تمركزت فيه القاعدة ، في حين أسراب طيران العاصفة السعودية تقلب جبال صنعاء وصعدة فوق رؤوس ساكنيها ، وتصلي بنيرانها آثار صنعاء وقلاع تعز وعدن ... وكل ماله علاقة بتأريخ اليمن ،مع ان بمقدور عشرات المجهزين من المسلحين السيطرة على هذه الأماكن في حال خطورتها ؟
هذه حرب ، يراد أن يخسر فيها اليمنيون ، وتنكسر فيها بلادهم ، ولو كانت السعودية تريد هزيمة خصومها فقط ، كانت ستستخدم معهم طريقتها التي نجحت مع مرسي والأخوان في مصر ؟!
لكنها تُحبذ لنا النموذج الليبي ... رغماً عن نصائح الأميركان لها بالالتفات للشان الداخلي ... لأنها لاترى في اليمن أكثر من ملهاة تتسلى بأوجاعها ، وتخدر بها طموحات وأمنيات شعبها ...
في كتابه الصادر في يناير الماضي عن عالم المعرفة في الكويت ، بعنوان « انتقام الجغرافيا - ماالذي تخبرنا به الخرائط عن الصراعات المقبلة ، وعن الحرب ضد المصير ؟» حذّر الكاتب الأميركي المتخصص روبرت د. كابلان السعودية من خطر الجغرافيا اليمنية في شمال اليمن ، على أمنها واستقرارها ، ناصحاً في ثنايا كتابه المهم والخطير من يعانون من معضلة التضاريس وانتقام الجغرافيا ، بفتح المزيد من قنوات التواصل والحوار ، وتحويل طموحات وأمنيات شعوبهم الى واقع يدب فوق أديم الأرض ... فليس بالمال وحده يحيا الانسان ، أو حتى بالخبز كما قال السيدالمسيح ..
قرأ أصحاب القرار في السعودية هذا الكتاب الصادر قبل اقل من خمسة أشهر ، لكن من المؤكد انهم قرأوه بالمقلوب .... وبعيون الحقد والاحتقار ...
ادركوا المشكلة ، ولم يرغبوا في استيعاب ما رافقها من حلول ... متناسين أننا على بعد مائة عام من زمن الامام يحيى والملك عبدالعزيز ... وإذا تكرر الصراع ، الذي كان بينهما ، فمن المستحيل ان تتكرر النتائج ؟
من حق الأميرين محمد بن نايف ، و محمد بن سلمان الاقتداء بجدهما الراحل الذي وحد الجزيرة بحد السيف ، لكن عليهما أن يدركا أن ذلك تم على هوى وعين ساسة وجنرالات التاج البريطاني ، ولاحقاً ورثتهم من الأميركان ...
ومن الأفضل لليمن وللمملكة البحث عن آساليب جديدة ومبتكرة ، تنبذ العنف وتتجنب صناعة واستخدام طوائف الموت .. والنأي بسياسة السعودية عن استصغار اليمن واحتقارها ، ليسود الوئام بين البلدين الشقيقين ،
قبل أن تتكفل جغرافيا اليمن بالانتقام - كما أخبر الخبير الأميركي - وبدعم من حلفاء المملكة القدامى والجدد !