(الكاتب الصحفي والمحلل السياسي اليمني، أحمد محمد الحبيشي، المقال التالي نشره في صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك" مساء الجمعة 12 يونيو/حزيران 2015)
يخطئ من يعتقد أن العدوان السعودي الأميركي على اليمن بدأ يوم 26 مارس 2015، بل بدأ بمحاولات الاستيلاء على رئاسة المؤتمر الشعبي العام، وتنصيب النائب الأول لرئيس المؤتمر سابقاً، بعد إقصاء مؤسسه ورئيسه الزعيم علي عبدالله صالح، والضغط عليه لإخراجه من اليمن، وتهديده بعقوبات دولية، ما لم يسلم رئاسة المؤتمر لعبدربه منصور ويغادر البلاد إلى الخارج، لضمان تنفيذ الأجندة الأميركية البريطانية السعودية في اليمن والمنطقة..
ولم يعد خافياً الدور الذي لعبه السفير الأميركي بصنعاء ماثيوس تويلر، لإقصاء الرئيس السابق من قيادة المؤتمر الشعبي وإخراجه من البلاد، بالتنسيق مع بعض قيادات المؤتمر الشعبي العام متعددة الشرائح، والتي لا تحظى بشعبية سواء داخل المؤتمر الشعبي العام أو في المجتمع.
والحال أن هذا المخطط فشل، بفضل صمود الزعيم علي عبدالله صالح في وجه هذه الضغوط الأميركية، ورفضه الخروج من اليمن، وتأكيده بأنه لا توجد قوة في العالم تستطيع إجباره على مغادرة وطنه ومسقط رأسه، وكذلك بفضل التفاف قواعد المؤتمر الشعبي العام وجماهيره في مختلف المحافظات حول رئيس المؤتمر، على الرغم من بعض النزعات التآمرية للنخب المسيطرة على الدولة والحكومة في تلك الفترة برئاسة عبدربه منصور، حيث تم تلفيق تهمة التخطيط لعمل انقلابي كذريعة لاقتحام مقر قناة "اليمن اليوم"، ومصادرة أجهزتها، وإيقاف بثها، تمهيداً لاعتقال الزعيم علي عبدالله صالح، ومعظم القيادات العليا والوسطى للمؤتمر الشعبي التي ترفض إخضاع البلاد للوصاية الأجنبية والتدخلات الخارجية، وتطالب بعدم التمديد للمرحلة الانتقالية والرئيس المنتهية ولايته، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة وتنافسية.
بدأ تنفيذ هذا المخطط أواخر عام 2013م بالتزامن مع تحريض أولاد الأحمر للجماعات السلفية الجهادية في معهد دماج، على الصدام المسلح مع جماعة أنصار الله في محافظة صعدة، وفرض حصار اقتصادي خانق على أهالي صعدة، ومنع تزويدهم بالغذاء والدواء والمشتقات النفطية، تمهيداً لقيام انتفاضة شعبية داخل المحافظة ضد أنصار الله، واقتحامها من قبل ميليشيات حزب (الإصلاح) والسلفيين وقوات اللواء 310 في عمران، التابع للواء علي محسن الأحمر، وبعض مقاتلي قبيلة حاشد في محافظة عمران ونواحيها المتاخمة لمحافظة صعدة، تحت شعارات طائفية ومذهبية بقيادة (أسد السنة) الشيخ حسين الأحمر، على طريق استيلاء الإخوان المسلمين على الدولة والجيش ودمج حزب الإصلاح بالمؤتمر الشعبي العام في تنظيم سياسي موحد برئاسة عبدربه منصور، بعد إقصاء علي عبد الله صالح من رئاسة المؤتمر الشعبي العام وإخراجه من اليمن.
كما فشل المخطط الأميركي البريطاني السعودي في استهداف أنصار الله، بسبب نجاحهم في فك الحصار الاقتصادي المفروض على محافظة صعدة، وملاحقة ميليشيات أولاد الأحمر المتحالفة مع ميليشيات حزب (الإصلاح) والجماعات التكفيرية، وإخراجهم من دماج وكتاف وخمر والعصيمات، وصولاً إلى السيطرة عل مقر معسكر اللواء 310، في عمران، ومقر الفرقة الأولى المدرعة والمنطقة العسكرية السادسة في صنعاء، وهروب الجنرال علي محسن الأحمر المعروف برعايته للإرهاب والجماعات التكفيرية من صنعاء، إلى السعودية، بدعم لوجيستي أميركي، وتوقيع اتفاق السلم والشراكة بين كافة المكونات السياسية وبضمنهم أنصار الله يوم 21 سبتمبر 2014م بدار الرئاسة، وبحضور المبعوث الأممي السابق جمال بنعمر.
فشلت هذه المؤامرة المزدوجة والمتزامنة التي استهدفت، في وقت واحد، أكبر قوتين سياسيتين بسبب موقفهما المشترك ضد المخطط الأميركي البريطاني السعودي الرامي إلى تفكيك الدولة والجيش في اليمن، وإخضاع البلاد للوصاية الأجنبية والتدخلات الخارجية، ومصادرة القرار الوطني المستقل للشعب اليمني.
في وقت لاحق من عام 2014م، أصدر مجلس الأمن قراراً أممياً بناءً على طلب خطي من الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور، قضى بوضع اليمن تحت الفصل السابع، وفرض عقوبات دولية على رئيس المؤتمر الشعبي العام وقياديين آخرين من حركة أنصار الله بتهمة عرقلة تنفيذ التسوية السياسية.
وبتأثير الموقف المشترك للمؤتمر الشعبي العام وحركة أنصار الله ضد المخطط الأميركي البريطاني السعودي الذي يستهدف فرض الوصاية الأجنبية على اليمن، ومصادرة سيادتها وقرارها الوطني المستقل، وصولاً إلى تفكيك الدولة والجيش، وإغراق البلاد في حروب داخلية وطائفية، نشأ تحالف الضرورة بين قواعد المؤتمر الشعبي العام وحركة أنصار الله وقطاعات واسعة من أجهزة الدولة والجيش والنخب السياسية الجديدة ومنظمات المجتمع المدني، الأمر الذي شكل سداً منيعاً أمام المخططات الخارجية التي تستهدف تفكيك الدولة والجيش والمجتمع في اليمن، وما ترتب على ذلك من متغيرات تمثلت بإغلاق سفارات دول مجلس التعاون الخليجي وأميركا وبريطانيا وفرنسا، واستقالة وهروب الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور إلى السعودية بدعم لوجيستي أميركي، تمهيداً لشن عدوان عسكري سعودي أميركي على اليمن يوم 26 مارس 2015، وفرض حصار اقتصادي على الشعب اليمني جواً وبحراً وبراً، وما ترتب على هذا العدوان الغاشم والحصار الجائر من دمار وخراب وارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وسفك الدماء، وإخضاع حياة 27 مليون مواطن ومواطنة لمعاناة إنسانية غير مسبوقة، وسط صمت دولي مريب!!
والثابت أن العدوان السعودي الأميركي على بلادنا، جاء بعد رفض الرئيس السابق علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام، عرضاً سعودياً في أواخر شهر رمضان الماضي، بوقف الضغوط التي تطالبه بالتنحي عن رياسة المؤتمر الشعبي العام ومغادرة البلاد، مقابل تصالحه وتحالفه مع الجنرال علي محسن الأحمر وحزب (الإصلاح)، ومواجهة أنصار الله بكل الوسائل السياسية والقتالية والتحريضية.
ومما له دلالة أن تبرر السعودية عدوانها المتوحش على اليمن عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، بالدفاع عن (شرعية الرئيس الهارب والمنتهية ولايته، وإسقاط الانقلاب الذي قام به تحالف الجيش الموالي الرئيس المخلوع والحوثيين).
وليس جديداً القول بأن العدوان السعودي على اليمن، استخدم أقسى الأسلحة العسكرية والسياسية والإعلامية لاغتيال الزعيم علي عبدالله صالح، وقائد حركة أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي، وتشويه صورتيهما وتدمير منازلهما والأماكن المفترضة لإقامتهما، بما في ذلك تدمير قناتي "اليمن اليوم" و"المسيرة"، ونشر الشائعات حول مقتلهما، والتهديد بقصف منازل أعوانهما، الأمر الذي أوجد على الأرض تحالفاً جديداً للضرورة بين المؤتمر الشعبي العام وحركة أنصار الله، وارتفاع أصوات كثيرة من داخل هذين المكونين الرئيسيين وخارجهما، تطالب بتطوير تحالف الضرورة إلى تحالف وطني واسع بين هذين الفصيلين وكافة القوى السياسية والشعبية المناهضة للعدوان السعودي الأميركي على اليمن أرضاً وشعباً.
على إيقاعات العدوان السعودي الغاشم، يجري تنفيذ مؤامرات كثيرة استهدفت ـ ولاتزال تستهدف ـ إقصاء الزعيم علي عبدالله صالح سياسياً وجسدياً من المشهد السياسي، بعد أن أدى صموده الأسطوري وثبات مواقفه الوطنية إلى اقتناع أعدائه وخصومه على حد سواء، بأنه أصبح الرقم الصعب الأول في اليمن، حيث لا يمكن نجاح الأهداف العسكرية والسياسية للعدوان السعودي بدون القضاء عليه، ومنع تطوير تحالف المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده، مع حركة أنصار الله، واستخدام مختلف الوسائل اللازمة لإقصائه من المشهد اليمني سياسياً أو جسدياً، وتقسيم المؤتمر الشعبي العام، ومنع تحالفه مع حركة أنصار الله التي تشكل إلى جانب المؤتمر الشعبي العام جداراً صلباً في مواجهة العدوان على اليمن.
ومن نافل القول إن المواقف المشتركة للطرفين لعبت دوراً حاسماً في منع العدوان السعودي على اليمن من تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية، وإفشال مسرحية مؤتمر الرياض، وصولاً إلى التنسيق المشترك بينهما في مؤتمر جنيف، الذي يترافق التحضير له مع تكثيف الغارات الجوية على الأماكن المفترضة لسكن الزعيم علي عبدالله صالح فيها والسيد عبدالملك الحوثي، بالتزامن مع محاولات شق المؤتمر الشعبي العام، وفك ارتباطه بموقف حركة أنصار الله المناهض للعدوان السعودي على اليمن، وإضعاف الثقة بين هذين المكونين الأساسيين في الساحة الوطنية المناهضة للعدوان السعودي على اليمن.
في هذا السياق التآمري يطل علينا هذه الأيام المدعو مجاهد بن حيدر، بشكل شبه يومي وممنهج، عبر قناة "المسيرة" الناطقة باسم حركة أنصار الله، وقناة "الميادين" وقناة "العالم" المتعاطفتين مع حركة أنصار الله، حيث لا يكتفي هذا الشخص المشبوه، بشن هجوم كيدي مسعور ضد الزعيم علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام، والتشكيك بموقفهما الوطني الشجاع والجسور ضد العدوان، بل يتجاوز ذلك إلى مستوى لا يليق بتحالف الضرورة والمصير المشترك لقيادات وقواعد المؤتمر وأنصار الله التي تناهض العدوان وتقاومه في الميدان.
وقد تميزت الحملة الإعلامية المشبوهة للمدعو مجاهد بن حيدر عبر قنوات (المسيرة والميادين والعالم) خلال الأيام الأربعة الأخيرة، بتسويق افتراءات وأكاذيب تفضح الهدف الحقيقي لهذه الحملة الإعلامية التي يشنها هذا الشخص المشبوه عبر قناة (المسيرة) وغيرها من القنوات الفضائية العربية التي نكن لها التقدير والاحترام، ومن بين هذه الأكاذيب والافتراءات السمجة، إصرار بن حيدر على الزعم بأن العدوان على اليمن تم بالتنسيق بين السعودية والزعيم علي عبدالله صالح، الذي يقوم شخصياً بتزويد الطائرات السعودية يومياً، بأماكن تواجد ونقل وتخزين أسلحة الجيش، ومواقع تحركات اللجان الشعبية لأنصار الله في مختلف المحافظات!!
وأكثر ما يثير السخرية في مزاعم المدعو مجاهد بن حيدر، إصراره على الكذب الوقح حين يقول بأن علي عبدالله صالح، هو المخرج الحقيقي لما يسميها مسرحية انشقاق المؤتمر الشعبي العام، إلى جناح يؤيد العدوان في الرياض، وآخر يناهضه في صنعاء، كخطوة تكتيكية على طريق استبعاد أنصار الله، وتحويل مؤتمر جنيف إلى حوار مؤتمري - مؤتمري، بدلاً من أن يكون حواراً بين المكونات السياسية اليمنية المتنازعة.
تأسيساً على ما تقدم، سأقوم في منشور قادم، بتحليل أبعاد الحملة الإعلامية السعودية الجديدة من خلال المدعو مجاهد بن حيدر، وما تتضمنها هذه الحملة المشبوهة من أكاذيب وافتراءات عبر اختراق قناة (المسيرة) وقناتي (الميادين) و(العالم)، بهدف إضعاف وتفكيك الجبهة الوطنية والشعبية لمقاومة العدوان السعودي الأميركي الغاشم على اليمن أرضاً وشعباً، وزرع بذور فتنة داخلية جديدة، تمهد لضرب أكبر قوتين سياسيتين تناهضان وتقاومان العدوان على الأرض.