في ظل الأزمة السياسية التي تعيشها تركيا ومع قرب نهاية الفترة القانونية لتشكيل حكومة ائتلافية، تبدو البلاد تسير بخطى ثابتة تجاه انتخابات برلمانية مبكرة


لقد تجلى ذلك بعد فشل زعيم حزب العدالة والتنمية صاحب المركز الأول في تشكيل حكومة ائتلافية بعد مشاورات جمعت زعيمه أحمد داوود أوغلو مع كل من زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلتشدار أوغلو وزعيم الحركة القومية دولت بهتشلي، هذا الأخير وضع شروطا لم يقبلها داوود أوغلو تمثلت في إنهاء عملية السلام مع الأكراد بشكل نهائي وليس مؤقت، وإعادة فتح التحقيق في ملفات الفساد التي طالت قياديين في الحزب الحاكم بعد أن أغلقها البرلمان السابق، والأهم من كل ذلك تحديد صلاحيات الرئيس.


ولأن الحديث يدور حول صلاحيات الرئيس كان لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان إطلالة بين كل مشاورات فشلت في تشكيل حكومة ائتلافية، فأردوغان يرى بحسب تصريحاته أن الانتخابات المبكرة أصبحت الآن هي الطريق الوحيد للخروج من الأزمة السياسية في البلاد، على اعتبار أن صندوق الانتخابات الجديد وإرادة الشعب بالنسبة له هي الفيصل أمام التشكيلات السياسية في البرلمان على اختلافها.


رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو يلتقي زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي
 
رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو يلتقي زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي

انتخابات برلمانية مبكرة توقعها الكثيرون منذ ظهور نتائج الانتخابات قبل أكثر من شهرين، لأن النتائج التي أفرزتها حملت في طياتها بوادر فشل التوصل لتشكيل حكومة ائتلافية، ولاسيما أن الحزب الحاكم لم يتمكن من الحصول على أغلبية الخمسين زائدا واحدا، بسبب دخول الأكراد لأول مرة للبرلمان تحت مظلة حزب الشعوب الديمقراطي، هذا الحزب الذي كان كذلك عقبة أمام تشكيل أي تحالف في المعارضة على أساس رفض الحركة القومية الانخراط في أي تحالف يتواجد فيه الأكراد، وبغض النظر عن هذه الأسباب فإن البعض يرى في عدم قدرة الحزب الحاكم على الانفراد بالسلطة لعهدة رابعة على التوالي، وهو الأمر الذي أحبط حلم أردوغان بقلب نظام الحكم في تركيا إلى رئاسي، أسباب جعلت زعيم الحزب السابق يسعى لاستعادة صلاحيات خسرها بجلوسه على كرسي الرئاسة، وأخرى فقدها العدالة والتنمية بعدم حصوله على أغلبية مريحة تمكنه من الاستمرار في حكم تركيا منفردا.

الهروب إلى الأمام هكذا حلل البعض خطوة الانتخابات المبكرة، تزيد من وتيرتها أوضاع أمنية عقدت المشهد التركي أكثر فالحرب التي أعلنتها أنقرة على داعش وحزب العمال الكردستاني خلطت الأوراق بتشتت تركيا في حرب على عدة جبهات ذهب البعض للقول إن حزب العدالة والتنمية قادها ليرفع من نسبة التأييد له في الانتخابات القادمة، كما أن استهداف الأكراد اعتبره محللون محاولة لتشويه صورتهم وإخراجهم من اللعبة السياسية حتى أن حزب الحركة القومية دعا إلى حل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الذي كان سببا في انسداد الأفق السياسي في تركيا لا لشيء سوى لأنه دخل البرلمان لأول مرة عبر انتخابات ديمقراطية، ووجوده في البرلمان أدى لخلط حسابات الأحزاب كافة، كل ذلك جعل البلاد تسابق الزمن للبحث عن مخرج من أزمات لم تقتصر على السياسة فحسب، بل تجاوزتها وصولا إلى الاقتصاد العصب الأساسي الذي بنى حزب العدالة والتنمية نجاحاته عليه، مع تراجع سعر صرف الليرة التركية بشكل طردي مع كل حدث سياسي أو أمني شهدته البلاد منذ الفراغ السياسي بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة،


أيام تفصلنا عن انتهاء المهلة القانونية لتشكيل حكومة ائتلافية ولا يبدو في الأفق أي توافق بين الأحزاب الممثلة في البرلمان، وبالتالي فإن الأمر سينتهي بيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي عاد مؤخرا للحديث عن ضرورة إيجاد إطار قانوني للنظام الرئاسي على اعتبار أنه واقع لا مفر منه، ولعل الانتخابات البرلمانية المبكرة الطريق الوحيد إليه.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.