رحبت الحكومة الليبية المعترف بها دوليا بالقرار الصادر عن الجامعة العربية، معتبرة أنه يمثل استجابة لتطلعات الشعب الليبى.


وفي الوقت نفسه ترددت أنباء بأن جامعة الدول العربية ستناقش عمليا مسألة تقديم الدعم العاجل للقوات الليبية في مواجهتها مع داعش. وحددت هذه الأنباء تاريخ 27 – 28 أغسطس/ آب الحالي كموعد لتلك المناقشات. ما يعطي أملا حقيقيا بوقف تمدد داعش وتوحشه، وإنقاذ شمال أفريقيا من الأفغنة.


ولكن من جهة أخرى، وفي ظل تمسك الغرب بمواقفه المتطرفة إزاء الأزمة الليبية، يبدو أن جامعة الدول العربية أمسكت بالطرفين النقيضين لمعادلة تدمير ليبيا القائمة منذ مقتل معمر القذافي، وانتشار طاعون الإرهاب، الذي يتزعمه تنظيم داعش في ظل الصمت الغربي، والمماطلة والتسويف من جانب جميع الأطراف تحت مزاعم متنوعة.


جامعة الدول العربية
جامعة الدول العربية

جامعة الدول العربية في اجتماعها الوزاري يوم الثلاثاء 18 أغسطس/ آب الحالي أعلنت أنها تؤيد تقديم دعم فوري إلى الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، ومن جهة أخرى أيدت أيضا المفاوضات الجارية لتشكيل حكومة وحدة وطنية، على اعتبار أن هذا هو الطريق الوحيد لتطبيع الأوضاع ومواجهة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها داعش. وبالتالي، تكون الجامعة قد غسلت يديها من مسؤولية التقاعس عن إنقاذ ليبيا من التقسيم والإبادة، ولم تخرج عن إطار الإملاءات الغرية بضرورة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي لا يعرف أحد مِنْ مَن بالضبط يجب أن تتشكل.


مسلحون من داعش يستعرضون قوتهم في ليبيا
 
مسلحون من داعش يستعرضون قوتهم في ليبيا

من الواضح أن قرار الجامعة العربية الذي ظهر في البيان الختامي للاجتماع الوزاري، كان يجب أن يتضمن هذين الطرفين النقيضين لمعادلة معقدة لكي يتم التصويت بالإجماع تماشيا مع مواثيق الجامعة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل هناك توافق عربي فعلي على تقديم دعم عسكري للحكومة الليبية على أرض الواقع؟ هذا السؤال يفتح الطريق أمام جملة من الأسئلة الأكثر تعقيدا من قيل، هل هناك اتفاق على ذلك بين دول الجوار الليبي بالدرجة الأولى (مصر وتونس والجزائر)؟ ما مدى إمكانية جامعة الدول العربية على الخروج من تحت وطأة الضغوط والمعوقات الغربية التي تقودها الدول الست (الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا) التي أصدرت بيانا عشية الاجتماع الوزاري العربي بعدم التدخل في الشأن الليبي أو تقديم أي دعم عسكري، مشددة على أن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا هو شرط للحديث المستقبلي حول أي دعم يمكن تقديمه في ما بعد؟


طائرات إماراتية مشاركة في التحالف العربي (صورة أرشيفية)
 
طائرات إماراتية مشاركة في التحالف العربي (صورة أرشيفية)

لقد أعلنت جامعة الدول العربية في بيانها الختامي أنها ستبحث استراتيجية تقديم الدعم للحكومة الليبية المعترف بها دوليا. ما يعطي انطباعا بأن القرار لا يعني أي شئ على أرض الواقع من دون موافقة الغرب عموما، والدول الست المذكورة أعلاه على وجه الخصوص. وفي الوقت نفسه، يرى المجتمع الدولي الفشل المتواصل لمساعي المبعوث الدولي برناردينو ليون في مفاوضاته المكوكية التي لم تسفر إلى الآن إلا عن المزيد من الانقسامات والمواجهات والضحايا، ومن ثم انتشار تنظيم داعش وتوحشه في العديد من المدن الليبية.


إن قرار جامعة الدول العربية يتضمن العديد من النقاط الغامضة، وبالذات في ما يتعلق بآليات تقديم هذا الدعم، ونوعية الدعم نفسه. علما بأن الجميع يستثني إرسال قوات عسكرية برية، أو أي شكل من أشكال التدخل البري. فهل سيكون على شكل قصف جوي، أم إمداد القوات الليبية بأسلحة جوية وأخرى متطورة؟ وما هي الدول العربية التي قد تشارك في هذه العمليات؟ وكيف ستنظر الدول الغربية الست إلى هذا النوع من الدعم، وهي التي تراقب باهتمام بالغ ما يجري في ليبيا عبر بوارجها الحربية في البحر المتوسط قبالة الشواطء الليبية، ومن خلال أقمارها الصناعية في الفضاء الخارجي، وعن طريق عناصر استخباراتها الرسميين، أو المنتشرين في كافة المدن الليبية؟


السؤال الأهم، هل يمكن أن تتفق الدول العربية، وفقا لقرار الجامعة، على تشكيل قوات مشتركة على غرار القوات الحالية التي تقودها السعودية في اليمن؟ وهل يمكن أن يوافق الغرب على هذه الآلية؟


من الواضح أن قرار جامعة الدول العربية يمثل وجها آخر لمماطلة الغرب وتسويفه في دعم الحكومة التي يعترف هو نفسه بها، وذلك في انتظار ضحية تتقدم للتدخل في ليبيا ليتكرر سيناريو تدخل صدام حسين في العراق، ومن ثم دخول المنطقة في دوامة أخرى من العنف والعسكرة والتدخل الخارجي. وإذا كانت الأنباء التي تشير إلى أن الجامعة العربية ستبحث على أرض الواقع تقديم الدعم الفعلي للحكومة الليبية في نهاية الشهر الحالي صحيحة، فهل جامعة الدول العربية قادرة فعلا على تنفيذ هذه الخطوة، أم ستظهر الانقسامات والانحيازات والاستقطابات التي مهد لها الغرب نفسه منذ سنوات بين الدول العربية عموما، وبين دول الجوار الليبي على وجه الخصوص؟


لقد وصلت البلاغة الكلامية في البيان الختامي للاجتماعي الوزاري العربي إلى توجيه رسائل "يحث" فيها كل أطراف الكرة الأرضية لمساعدة الحكومة الليبية المعترف بها دوليا. إذ "حث" الدول العربية على تقديم الدعم الكامل للحكومة الليبية فـي حربهـا ضد الإرهاب ومساعدتها بالوسائل اللازمة فى دعم استتباب الأمن. و"حث" المجتمع الدولي على دعم الحكومة الليبية في مواجهة الانتهاكات والمجازر التي يرتكبها "داعش" في ليبيا، وإلى وضع خطة شاملة تكفل محاربة الإرهاب ، دون الاقتصار في ذلك على بلدان أو مناطق أو منظمات بعينها. و"حث" لجنة العقوبات الدولية التابعة للأمم المتحدة على الاستجابة الفورية على طلبات الحكومة الليبية، في إشارة إلى الطلب الخاص برفع حظر توريد الأسلحة المفروض على البلاد، وذلك من أجل دعم قدرات الحكومة المعترف بها دوليا في الحرب ضد داعش.


ثلاثة رسائل كونية تبدأ بـ "حث"، بينما جامعة الدول العربية التي "تحث"، لا تزال تفكر في بحث استراتيجية لتقديم دعم غير واضح بآليات غير محددة أو مفهومة!


أشرف الصباغ

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.