تبدو سلطنة عمان اكثر المناطق في منطقة الخليج، وربما العربية هدوء، فقط نأت عن نفسها عن الحربين المفتوحتين في كل من اليمن وسورية، وحافظت على علاقات قوية مع ايران، وابقت على سفارتها مفتوحة في دمشق، واستضافت المفاوضات السرية الامريكية الايرانية التي تكللت باتفاق تاريخي.


السياسة القديمة المتجددة للسلطنة هي الذهاب اكثر نحو الوسطية، وتعزيز صورتها الحيادية، وهذا ما يفسر تنظيم مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم اسبوع التقارب والوئام الانساني في العاصمة مسقط، برعاية السيد يوسف بن علوي وزير الخارجية، وبحضور رسمي ودبلوماسي ونخبوي كثيف يوم الثلاثاء الماضي، كان ضمن فعالياته تنظيم امسية حول دور الاعلام في تحقيق التقارب والوئام بين الشعوب، شارك فيها كل من السادة غسان بن جدو رئيس مجلس ادارة قناة “الميادين” الفضائية، والدكتور سعد بن طفلة العجمي استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت ووزير الاعلام الاسبق، والكساندر نزاروف مستشار ومدير قناة “روسيا اليوم”، علاوة على الاستاذ عبد الباري عطوان ناشر ورئيس تحرير صحيفة “راي اليوم”  العربية والكاتب والمؤلف المعروف.


الرسالة التي اراد مركز السلطان قابوس من خلال وجود هذه المجموعة من المشاركين في الندوة التي حظيت بحضور غير مسبوق في جامع السلطان قابوس، تقول بأن السلطنة ترحب بكل الاصوات والتوجهات، ولا تملك قوائم سوداء او حمراء، ولعل تواجد جميع الكتب العربية والاجنبية في معرض مسقط للكتاب دون اي حظر او مصادرة يجسد ترسيخا لهذا التوجه النادر في المنطقة العربية، ومعظم الدول الخليجية على وجه الخصوص.


اللافت ان سلطنة عمان تحاول في السنوات الاخيرة تطوير هوية مستقلة خاصة بها، وذكر احد المسؤولين الكبار في الدولة في حوار خاص مع “راي اليوم” ان السلطنة تملك ارثا حضاريا يعود الى آلاف السنين، ولهذا ربما يكون من غير الملائم ان تحسب على هذا التجمع او ذاك، وتنجر الى حروب وتحالفات غير مدروسة تهدد استقرار المنطقة.


ما لم يقله هذا المسؤول ان السلطنة تحاول تدريجيا الابتعاء عن مجلس التعاون الخليجي، ولكن دون الخروج منه، وتقليص انشطتها فيه، والتزامها بسياساته الى ادنى درجة ممكنة اذا تعارضت مع سياسات السلطنة في اقامة جسور من التعاون مع جميع الدول في المنطقة، وتطور هويتها ككيان مستقل، مثل معظم الدول العربية الاخرى، وتركز على دور الوسيط في صراعاتها، وهذا ما يفسر عدم مشاركتها في التحالف العربي الذي اسسته المملكة العربية السعودية بقيادتها لخوض الحرب في اليمن، وكذلك انسحابها من منظومة دول اصدقاء سورية، وكذلك التحالف الستيني بزعامة امريكا للقضاء على “الدولة الاسلامية” في سورية والعراق.


وذكر سياسي عماني، رفض ذكر اسمه لـ”راي اليوم”، ان تطوير هذه الهوية المستقلة بدأ بقوة عندما رفض السيد بن علوي وزير الخارجية اقتراحا سعوديا قبل ثلاث سنوات بتطوير مجلس التعاون الخليجي الى اتحاد، على غرار الاتحاد الاوروبي اثناء مشاركته في منتدى “حوار المنامة”، وتصدى من موقع المشاركين للسيد نزار مدني وزير الدولة السعودية للشؤون الخارجية، الذي اوحى في مشاركتة من على منصة الندوة، ان هناك موافقة من قبل دول الخليج على هذا التوجه الجديد الذي تبناه العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز.


كما نأت السلطنة ايضا بنفسها عن الخلاف القطري من ناحية، والسعودية الاماراتي البحريني من ناحية اخرى، حول مسألة الاخوان المسلمين، وهو الخلاف الذي ادى الى توتر بين الطرفين ونتج عنه قرار بسحب السفراء من الدوحة.


الشارع العماني في غالبيته يبدو مؤيدا لهذه الهوية المستقلة، خاصة بعد الهجوم الشرس الذي تعرضت له السلطنة من اجهزة، وصحف، ومحطات تلفزة، ووسائط التواصل الاجتماعي، في دول خليجية متعددة، بعد اكتشاف احتضانها للمفاوضات النووية السرية الامريكية الايرانية، وعدم مشاركتها في “عاصفة الحزم” السعودية في اليمن.


ويتحدث مسؤولون عمانيون بمرارة عن هذه الهجمة الاعلامية التي يتعرضون لها هذه الايام من قبل دول خليجية، ويستغربون صدورها، مثلما يستغربون شراستها، ويعتقدون انها مقصودة وموجهة من دول، ولكنهم يؤكدون على عدم السماح للاعلام العماني بالرد عليها حفاظا على علاقات الاخوة.


ولوحظ ان الاعلام العُماني يصف ايران بالدولة “ألشقيقة” وليس “الصديقة”، ومن المؤكد ان هذا التوصيف سيثير حساسية لدى دول عديدة ترى في ايران عدوا يتدخل في شؤون داخلية لدول خليجية، على رأسها المملكة العربية السعودية.


عندما سألت “راي اليوم” مسؤولا عمانيا بارزا التقته عما اذا كانت هناك نوايا لخروج بلاده من مجلس التعاون الخليجي في المستقبل المنظور، اعترض على السؤال، ولكنه اكد في الوقت نفسه على ان عمان كانت امبراطورية، وذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل حوالي 1500 عام، ولكنها لن تتخذ خطوات متعجلة وستظل تحت المظلة الخليجية، وشاركت اخيرا في مناورات “رعد الشمال” التي نظمتها المملكة العربية السعودية، ولكن هذا لا يعني انها ستتدخل في الحرب في سورية، فالاشتراك في المناورات شيء ودخول الحرب شيء آخر.


هناك امران يقلقان السلطنة وشعبها هذه الايام، الاول: هو صحة السلطان قابوس بن سعيد، والثاني: انخفاض اسعار النفط، بالنسبة الى الامر الاول، تحرص وسائل الاعلام العمانية على التأكيد بان صحة السلطان جيدة وسفره الى المانيا يوم الاحد الماضي كان من اجل اجراء فحوصات عامة، وزيارته للمستشفى الذي تعالج فيه لمدة سبعة اشهر في العام الماضي ستكون قصيرة.


اما بالنسبة لهبوط اسعار النفط، فان السلطنة التي تنتج حوالي مليون برميل يوميا (ليست عضوا في اوبك) تأثرت فعلا بانخفاض الاسعار، ولجأت الى اتخاذ اجراءات تقشفية من بينها تخفيض الدعم لسلع اساسية، وتجميد زيادة الاجور، كما اقترضت حوالي مليار دولار لسد العجز في ميزانيتها، وهي المرة الاولى التي تقدم على مثل هذه الخطوة منذ سنوات.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.