حين لم يكن في لبنان وسيلة إعلامية مسموعة تصل للناس في بيوتهم وسياراتهم والمقاهي غير الإذاعة اللبنانية، كانت في الإذاعة أصوات ما تزال ترن في أذني برغم العقود التي مرت، ومن بينها، ولعل أبرزها السيدة فردوس المأمون عقيلة القاضي الراحل إحسان مخزومي.
كان صوت المأمون ذهبياً، كما كانون يصفونه في تلك الأيام، وكان يتسلل بحنو ودفء وثقافة إلى مسامع المستمعين وهي تقدم برنامجاً إذاعيا أو حتى نشرة إخبارية....
لست ادري كيف كان يقول ذلك الصوت انه "ذو ثقافة" دون أن يستعرض ثقافته أو يتفاخر بأدبه، كنت تدرك عمق ثقافته من لغة قوية ومتماسكة، ومن نبرات تتفاوت في الأداء تظهر أن المذيعة ليست مجرد مؤدية، بل إن أداءها مفعم بثقافة عريقة وبأدب متين وبمعرفة موسوعية من خلال التركيز على فقرة أكثر من غيرها....
ولست أدري كيف كان ذلك الصوت قادراً على أن يوحي لسامعيه انه صوت وطني وقومي ومحب لجمال عبد الناصر دون أن تخرج منه كلمة واحدة تشي بهذه المشاعر التي لم أتأكد منها إلا حين التقيت بها في إحدى ندوات المركز الثقافي الإسلامي، وبحضور شقيقها صديق الدارسة الطبيب المميّز فؤاد المأمون حين مازحني قائلاً:" فردوس مثلك قومية عربية حتى النخاع." أجبته على الفور " اعرف ذلك.. كنت اعرفه من صوتها"...
غابت فردوس المأمون المذيعة لسنوات لتحضر فردوس الأديبة المثقفة الحاضرة في كل منتديات بيروت الثقافية محاضرة، متحدثة، مكرّمة، فتستحضر معها صورة زاهية عن عاصمتنا الحبيبة بيروت، عاصمة الحرية والإبداع، عاصمة الوحدة ومقاومة الاحتلال والمشاريع والأحلاف الاستعمارية....
وإذا كان اسم المأمون في بغداد مرتبطاً بخليفة متنور، فانه في بيروت ارتبط باسم "فردوس" كاملة... فهل الجنة أكثر من كلمة جميلة أودعها الله في قلوب المؤمنين، وعاش المؤمنون حياتهم ينتظرون لقياها..
رحم الله فردوس المأمون..