يستثني رئيس الوزراء الأردني الدكتور هاني الملقي عددا من وزرائه في مشاوراته الوزارية الجديدة الأمر الذي يجعل معظمهم في حالة قلق وعدم ثقة من العودة أو عدمها في الفريق الذي يشكله الرئيس بعد تكليفه مجددا قبل ايام من ملك البلاد.

أربعة من فريق الملقي غادروا التشكيلة حكما ليل الثلاثاء بعدما اعلنهم الملك عبد الله الثاني ضمن تشكيلة مجلسه الخاص في البرلمان، هم وزير العدل ووزير الزراعة ووزيرة تطوير القطاع العام إلى جانب وزير التعليم العالي.

استقالة الرئيس الملقي وفريقه جاءت على وقع استحقاق دستوري عنوانه تشكّل مجلس النواب الثامن عشر بالدرجة الأولى، إلا أنها أيضا جاءت بتوقيت ذكي كون الشارع الأردني في بلاده قد طالب بإقالته وفورا مع اغتيال الكاتب الجدلي ناهض حتر الاحد.

بكل الأحوال، يعلن الدكتور الملقي أنه في طور “المشاورات”، الأمر الذي بات يتوقع له أن ينتهي خلال ساعات قليلة حتى تضمن الحكومة بعض التحضيرات قبيل  انعقاد مجلس النواب المفترض في بداية تشرين الاول/ اكتوبر المقبل، والذي سيكون مسؤولا عن منح الحكومة الثقة أو حجبها.

أسماء من الفريق مرشّحة وبقوة للخروج، خصوصا تلك التي تدير حقائب سيادية أسهمت في إظهار الحكومة كأنها تُدار بعقل “استدراكي” لحكومة الدكتور عبد الله النسور السابقة، الأمر الذي يفسّره عدد من المراقبين بذكاء الرئيس الملقي الذي لم يكشف كل أوراقه معا وقبل مرحلة الانتخابات، فبدا وكأنه يمضي الوقت حتى الانتخابات بأقل كمّ من الطروحات والخسائر، وذلك تماماً ما مكّنه اليوم من ان يحظى بفرصة إضافية ليأخذ “حقّه ووقته”.

التكهنات في هذه المرحلة بالجملة، وأكثر منها الأماني، حول الباقين والعائدين لمنازلهم من الفريق الوزاري، وتبدو الأسماء الأكثر تأرجحا وميلاً للخروج من الفريق الجديد أساسا، هم الثلاثي المتين، المتمثلين بوزراء الداخلية والخارجية والتعليم، لينضم إليهم أيضا في جملة التأويلات والتسريبات نائب الرئيس ووزير التجارة الدكتور جواد العناني.

بالنسبة للملقي فالثلاثي الأول المكون من وزير الداخلية القوي سلامة حماد، ووزير الخارجية وشؤون المغتربين ناصر جودة، إلى جانب وزير التربية والتعليم ونائب الرئيس لشؤون الخدمات الدكتور محمد ذنيبات، باتوا اليوم رموزاً تأزيمية، خصوصا بعد ما تعارف عليه بـ “ثورة المناهج” للاخير، و”سرقة صناديق البادية” في الانتخابات البرلمانية الاخيرة للأول.

الحوادث المذكورة تأتي جنباً إلى جنب مع شعور الملقي الدفين بعدم الرضا منذ البدء عن وجود وزير الخارجية الحالي ضمن فريقه، وإسراره لعدد من المقربين منه بعدم رغبته بتواجد جودة في الفريق الذي يعتبره من الان فصاعداً “فريقه الدائم”.

بالنسبة للعناني، فما بدا منه من تصريحات فجّة من وزن الحديث عن الأردنيين باعتبارهم ارهابيين بسبب المناهج المدرسية، كان اساسيا في تأجيج الغضب ضدّه، إلا أن الرجل ونظرا لدهائه السياسي خرج على الاردنيين مستدركا ومصطفا الى جانب الحالة الشعبية الرافضة لصفقة شراء الغاز الاسرائيلي التي وقّعها الأردن الاثنين، مطالا بتنازلات من الجانب الاسرائيلي لصالح عمان.

تصريح العناني يبدو انه الرجل اتخذه كمعبر آمن في كلا الحالتين فإن خرج بدا خروجه لاحقا لموقف يُحسب له، وإن بقي فشعبيته ليست بالسوء المفترض.

في المقابل، يبدو وزير من وزن الدكتور محمد المومني الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال في حالة استرخاء يفسرها عدم اشتباكه المباشر في التعاطي مع الاشكالات الفعلية، مقابل تعاطٍ متزن ان اضطره الامر بخلاف وزراء اعلام سابقين كانوا يشتبكون بصورة غير مدروسة مع الاعلام فباتوا في واجهة الاحداث.

وزيران من وزن وزير الشباب رامي وريكات ووزيرة التنمية الاجتماعية خولة العرموطي بدوا وكأنهما إضافة فعلية للفريق، حتى في المدة القصيرة التي قضتها الحكومة والتي لم تتجاوز الشهور الثلاث، فالثانية قالت مباشرة لـ “رأي اليوم” إنها تعمل للمستقبل خلال الثلاث شهور المتاحة بأقصى طاقتها، من هنا باتت تهيء الفرص للمحتاجين وتقوم بزيارات مكوكية وتضع بؤر الفقر الساخنة ضمن أولوياتها، وصولا إلى كون قاعة “خدمة الجمهور” اليوم في وزارتها لا تضجّ بالمراجعين كما العرف عن وزارة التنمية، بينما يفعل مكتبها كل ثلاثاء (في اليوم المفتوح لها مع المراجعين).

الوزيرة المذكورة معروفة اصلا في مضمار الخدمة المجتمعية وهي واحدة من نساء المجتمع العماني القلائل المعروفة لدى الطبقة الفقيرة من قبل الوزارة.

وزير الشباب وريكات، منذ وطأت قدمه الوزارة وهو يحمل ملفات كبرى من وزن ملاعب غير مؤهلة بصورة عالمية كما ينبغي لاستقبال كأس العالم للسيدات الذي يشارف اليوم على البدء، كما أن وزارته المخصصة للشباب وجدت نفسها أمام تحدٍّ عنوانه “غياب الشباب” عن طواقمها وكفاءاتها وحتى جمهورها المستهدف قبل بدء عمله فيها.

شخصان كوريكات والعرموطي اعطوا البعد المطلوب للحكومة في جانب التفاعل مع الجمهور، في الوقت الذي بدا فيه وزراء آخرون غائبين تماما عن التفاعل بحكم الكثير من التفاصيل، مما يجعلهما مؤهلين بالمنطق للبقاء ضمن الفريق.

بكل الاحوال، تكليف الملقي مجددا بدا أساسا كقتل لحلم رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب الدكتور خالد الكلالدة والذي يتحسس رأسه اليوم بعدما كان يرسم لرئاسة حكومة جديدة بعد تسيير الانتخابات بالصورة المطلوبة، وهو ما كان وشيك الحصول لولا اللغط الذي ثار في قضية انتخابات بدو الوسط وسرقة الصناديق فيها.

كرسي الكلالدة اليوم أيضا قد يكون مهددا لولا قرب الانتخابات اللامركزية التي لا يدرك احد تفاصيلها مثله، وهو تحديدا الامر الذي قد يطيل عمر ولاية وزير تأزيمي من وزن سلامة حماد أيضا باعتباره احد عرّابي القانون، ولكن بنسبة أقل.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.