بعد أنْ فشل الرهان الإسرائيليّ-الأمريكيّ وأيضًا من بعض الدول العربيّة بتقسيم سوريّة، لتحقيق حلم بن غوريون بالحفاظ على أمن الدولة العبريّة، انتقلت تل أبيب إلى التغريد على وترٍ آخرٍ يجمع ما بين سلخ الجولان عن سوريّة وإنشاء تحالفٍ بينها وبين، ما أسمته المصادر الإسرائيليّة الرفيعة، بالدول العربيّة السُنيّة، وتغليف هذه الخطّة بغلافٍ إنسانيّ يشمل فيما يشمل إعادة بناء هذا البلد العربيّ.

وقبل الولوج في مآلات هذا التطوّر، لا بُدّ من التذكير بأنّ خطّة ضمّ الجولان، بجزأيه المُحتّل والمُحرر، هو الخطة الإسرائيليّة البديلة التي كان أوّل من طرحها رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، في لقائه الأخير مع الرئيس الأمريكيّ السابق، باراك أوباما في البيت الأبيض، علمًا أنّ أوباما تجاهل الطلب ولم يُجب على طرح نتنياهو، والأخير شدّدّ في ديباجته على أنّ المجتمع الدوليّ يجب أنْ يعترف بضمّ الجولان للسيادة الإسرائيليّة، كجزءٍ من الحلّ السياسيّ للحرب الأهليّة السوريّة.

ولكن الخطّة الإسرائيليّة لم تُضع على الأدراج، بل بالعكس يتّم الآن طرحها من عضو المجلس الوزاريّ المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في تل أبيب، الجنرال في الاحتياط يؤاف غالانط، والتي جاءت تحت مُسّمى خطة سياسيّة إستراتيجيّة، لتحقيق المصالح الإسرائيليّة في الساحة السوريّة، وانطلاقًا منها، في مرحلة بلورة الحل السياسيّ المرتقب.

وفي هذه العُجالة لا بُدّ من التذكير بأنّ العقيدة التي وضعها بن غوريون في الستينيات من القرن الماضي تقول إنّ عظمة إسرائيل لا تكمن في ترسانتها النوويّة، بل في القضاء على الجيوش العربيّة: المصريّ (أُخرج من اللعبة بعد اتفاق كامب ديفيد علام 1979)، العراقيّ (الأمريكيون حلّوا الجيش العراقيّ الغزو الإمبرياليّ في العام 2003)، أمّا الجيش السوريّ، فقد كان وما زال عصيًّا على المحاولات الإسرائيليّة-الأمريكيّة-العربيّة، ومن هنا كان لا بُدّ من البحث عن مخططٍ يُشفي غليل الثلاثي الدنّس: الصهيونيّة، الإمبرياليّة والرجعية العربيّة، فجاءت خطة غالانط.

المصادر في تل أبيب لفتت إلى أنّ خطّة غالانط خلصت إلى أنّ موقف إسرائيل ومصلحتها، هي في الإعراب أمام ترامب عن معارضة أيّ وجودٍ إيرانيٍّ في سوريّة، في أيّ تسويةٍ مستقبليّةٍ.

الخطّة، كما عُرضت أمس أمام الوزاري المصغر، تتعلق بشقين اثنين: الأول كاشف لكلّ المصالح الإسرائيليّة الثابتة تجاه الساحة السورية، حتى في مرحلة ما بعد إخفاق الحلفاء في تحقيقها عسكريًا، والثانية طموحة جدًا، تتعلق بخطة تنفيذ، هي موضع شك من ناحيةٍ فعليةٍ، وجاءت كأنّها ترجمة سياسية لانتصار إسرائيلي وحلفائها ميدانيًا.

تهدف الخطة، كما قالت (يديعوت أحرونوت)، التي تمّ تسريبها إليها،، إلى صدّ التهديد الإيرانيّ الذي ينشأ على الحدود الشمالية لإسرائيل، من خلال فرض مصاعب أمام إقامة ممر بري بين إيران وحزب الله في لبنان عبر سوريّة، شريطة أنْ يشمل الحل السياسيّ المستقبليّ، وكجزءٍ لا يتجزأ منه، اعتراف بالسيادة الإسرائيليّة على الجولان. ويرى غالانط أنّ تطبيق الخطّة تصب في مصلحة أمريكا وروسيا وأوروبا والعالم السُنيّ المعتدل، وكل هؤلاء يجب أنْ يكونوا جزءً من عوامل وأطراف تنفيذها.

غالانظ يؤكّد على أنّه يتحتّم على واشنطن قيادة ائتلافٍ دوليٍّ لإعادة إعمار سوريّة، من خلال استثمارات مالية بقيمة عشرات المليارات من الدولارات، فيما تلتزم موسكو السماح بتشكيل عملية إعمار كهذه، مقابل اعترافٍ دوليٍّ بمركزية موسكو فيها وبحقّها في إقامة قاعدة لها في الشرق الأوسط، تتركز في سوريّة. والأخطر من ذلك، أنّ الخطة تشترط، أنْ يكون التمويل الدوليّ للإعمار، مؤسسًا على شرطٍ متبادلٍ للدولة السوريّة نفسها، واعترافها بالسيادة الإسرائيليّة على الجولان.

في موازاة الشرط الملقى على الدولة السوريّة، تشترط الخطة أنْ تدفع إدارة ترامب، قدمًا التزامًا روسيًا بكبح التدّخل الإيرانيّ في سوريّة، وبالمُقابل  توافق إسرائيل وواشنطنعلى استبدال الرئيس الأسد، وبما يتوافق مع مصالح روسيا. ووفقًا للمصادر الإسرائيليّة، كما أكّدت (يديعوت أحرونوت)، يسيطر الإيرانيون، الآن، سيطرةً كاملةً أوْ جزئيةً على ثلاث عواصم في المنطقة إضافة إلى طهران: بيروت وبغداد وصنعاء. ولدى الإيرانيين، أيضًا، تأثير متزايد في سوريّة بواسطة حليفهم الأسد، وبمساعدة من حزب الله وميليشياتٍ شيعيّةٍ أخرى، مُوضحةً في الوقت عينه أنّ هذه السيطرة تأتي تحت مظلةٍ دفاعيّةٍ روسيّةٍ، وهو سيناريو خطير، على حدّ تعبير المصادر في تل أبيب؟

بناءً على ما تقدّم، فإنّ إضعاف إيران وحزب الله هو الهدف الرئيسيّ لإسرائيل، خصوصًا وأنّ حزب الله بات بحسب وزير الأمن الإسرائيليّ، أفيغدور ليبرمان، أقوى عسكريًا من عدّة دول في حلف شمال الأطلسيّ (الناتو)، وإضعاف إيران ومنع بسط سيطرتها وهيمنتها على الشرق الأوسط، يتساوق مع مصالح الدول العربيّة المُصنفّة إسرائيليًا بالدول السُنيّة والمعتدلة، وفي مُقدّمتها المملكة العربيّة السعوديّة، وربمّا هذا هو التفسير للتقارب بين الرياض وتل أبيب وعددٍ من دول الخليج، إضافةٍ لكلٍّ من مصر والأردن.

كما أنّ رئيس مركز أبحاث الأمن القوميّ، عاموس يدلين، أكّد على أنّ الأسد يجب أنْ يرحل. وشدّدّ مصالح إسرائيل الإستراتيجيّة تكمن بمنع تعزيز قوة الإيرانيين وحزب الله، في الشرق الأوسط الجديد، مُوضحا أنّه بالميزان الاستراتيجي، يُعدّ رحيل الأسد مصلحةً إسرائيليّةً واضحةً، إذْ إنّ تعزّز المحور الراديكاليّ الذي تقوده إيران ويمرّ عبر الأسد إلى حزب الله، هو التهديد الأكثر حضورًا على أمن إسرائيل، بحسب تعبيره.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.