في الذكرى 44 لاندلاع الحرب اللبنانية في 13 نيسان 1975، أضع بين ايديكم جملة أفكار استخلصتها من تجربة الحرب وما تلاها في لبنان والوطن العربي.
اذا كانت الحرب هي امتداد للسياسة، فأننا شهدنا في لبنان على مدى ثلاثين عاماً بعد انتهاء الحرب ان السياسة هي أمتداد للحرب، وأن ثقافة الحرب وعلاقات الحرب ما زالت تتحكم بحياة اللبنانيين خصوصاً بعد ان قام إثر اتفاق الطائف نظام تحالف مليشيات السلاح مع مليشيات المال…
ان الحروب في لبنان دورات موسمية، لكل جيل من اللبنانيين حربه التي يتداخل فيها الخارج بالداخل، والسياسي بالطائفي بالاقتصادي والاجتماعي، واذا توقف أزيز الرصاص لا تجر اي جهود جدية لمنع اطلاقه من جديد…. بل ربما يجري العكس… فالحرب – كما يقول السابقون – اولها كلام…. وما نسمعه من كلام لا يبشر بالخير أبداً.
بدون شك كان للأخرين حروبهم في لبنان، ولكن من دون شك ايضاً لم تكن لهذه الحروب ان تحقق أغراضها لولا أن التربة المحلية كانت مهيئة، بل لولا أن أطرافاً محليين تبرعوا لاشعال تلك الحروب فتحولوا الى وقود لها بعد أن ظنوا انهم قادة فيها.
الحروب الداخلية، كما جرى في لبنان، لا تقوم إلا حين يشعر كل طرف من الأطراف المنخرطة فيها انه قادر على الحسم لصالحه فيرفض التسوية حين يكون قوياً، وترفضه التسوية حين يصبح ضعيفاً، ليكتشف الجميع فيما بعد نفسه خاسراً. بل ليخرج الوطن أكبر الخاسرين.
ولعل أحد أسباب الاستقرار النسبي الذي يعيشه لبنان أن الاطراف القوية هذه المرة هي الحريصة على التسوية، رغم تكاليفها، لأنها تدرك أن الوضع في لبنان مرتبط بالوضع الأقليمي، وأن تحصين الوطن بوجه العدوان الخارجي، وتحديداً الصهيوني، يتطلب تحصين التسوية في الداخل.. ولعل معركة الجرود التي حررت لبنان من الارهاب أكبر دليل على أهمية هذه التسوية.
قليل منا يلاحظ إن لبنان بحربه الداخلية، وبالحروب المفروضة عليه، قد انتج منذ أكثر من 44 عاماً، حروباً داخلية وخارجية عاشتها وما تزال العديد من دول المنطقة. وحين دعونا في أوائل تسعينات القرن الماضي الى الاستفادة من دروس الحرب اللبنانية في محاضرة في لندن بدعوة من النادي العربي، قلنا أن الأمة كلها تعيش حروباً أهلية، بعضها بات معلناً والبعض ما زال كامناً ينتظر من يفجره ويبدو ان اول التفجير قد بدأ مع ما يسمى “بالربيع العربي” الذي عنوانه مطالب مشروعة جرى استغلالها من أجندات مشبوهة.
القوى الأقليمية والدولية ذات الأطماع في لبنان والاقليم، تتعامل مع الحروب في هذا البلد او ذاك وفق قاعدة إدامة الحروب، ولو بأشكال مختلفة، لكي يبقى لها دور وحصة في كل ما يجري…
إن أي قراءة للحرب اللبنانية ولما تلاها، لا يمكن له ان يستبعد الدور الإسرائيلي المحتضن أميركياً في الكثير مما جرى، بل أن هذا الدور حين كان يشعر أن العوامل المحلية لم تعد كافية لإدامة الحرب يعمد الى التدخل المباشر كما جرى عام 1978، وعام 1982، وعام 1993، وعام 1996، وعام 2006… وبهذا المعنى فمقاومة الاحتلال والمشروع الصهيوني لا تعطي ثمارها في تحرير الأرض وردع العدوان فحسب بل أيضا في شل يد هذا المشروع الهادف الى تدمير لبنان المجتمع والدولة، الصيغة والكيان…
واهم من يعتقد أن الحروب في لبنان منشأها طائفي او مذهبي فحسب، بل أن لها أيضاً أسبابها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كثيرا ما يختبئ المستفيدون منها من خلال إشعال الحروب الطائفية وإذكاء النزعات المذهبية.
فلنتذكر جميعاً مقدمات 13 نيسان في انتفاضة عمال غندور ومزارعي التبغ، واضراب المعلمين ، وتظاهرة الصيادين، ومواجهة الاحتكارات، لندرك خطورة ما نشهده اليوم من توترات اجتماعية متصاعدة التي أخطر ما فيها إن معظم المسؤولين لا يعيرونها الحد الأدنى من الاهتمام والحرص على المعالجة.
لم يكن للبنان أن يعيش مرحلة من السلام والازدهار ما بين أحداث 1958 وانفجار 1975، لولا تضافر عاملين رئيسيين، نزعة أصلاحية رافقت العهد الشهابي رغم ما شابها من ثغرات وممارسات، وقوة حريصة على وحدة لبنان كان يتمسك بها جمال عبد الناصر واركان الحركة القومية العربية… فالإصلاح الداخلي كان يستند الى قوة عربية، والقوة العربية كانت تتحصن بالمناخ الاصلاحي في لبنان.
ان أي مشروع جدي لتحصين المجتمع والوطن بوجه اي حروب مقبلة ينبغي أن يرتكز على جهد سياسي واقتصادي وثقافي وإعلامي وتربوي بحيث يبادر هذا الملتقى الى عقد ورش عمل متخصصة حول كل جانب من هذه الجوانب يخرج بتوصيات تصبح أساس أي برنامج للنهوض الوطني
كاتب عربي