مبدئيّاً،فإنّ (الروح) مُصطلح ذو طابع ديني فلسفي،يُعبّر عن كيان من عالَم الغيبيّات غير ملموس خارق للطبيعة بدأ الناس بإستخدامه منذُ العصر السومريّ!
معناها إستخدامهِ في كلامنا اليومي يشبه كثيراً إستخدامنا لمصطلحات ميتافيزيقيّة خرافيّة أخرى،كـ الملائكة،الشياطين،الأشباح،الجنيّات،الجنّة،الجحيم،الخ!
بقولٍ آخر أكثر جرأة،الروح ليس تعبير علمي مادّي إطلاقاً!
إنّما هو تعبير ديني ينتمي للخيال وثقافة الشعوب التي أنتجتهُ (منذُ 50 قرناً)،لذلك يختلف نسبياً تعريف الروح بين دين وآخر وثقافة واُخرى!
الرأيّ الأكثر إنتشاراً بين الأديان هو أنّ الروح (مادة) أثيريّة لا تُرى خاصة بقسم من الكائنات الحيّة،البشر على وجه التحديد!
أيّ أنّ الحيوان أو النبات أو الكائنات الدقيقة المشتركة بين المملكتين لا تملك روحاً أصلاً،لذا لا داعي للحزن عليها عند ذبحها،أو نشرها (في حالة الشجرة)!
الروح في الأديان عموماً ستنفصل عن جسد الإنسان لحظة موتهِ وتبقى خالدة في الفضاء.لكن في بعض الأديان (كالبوذيّة والهندوسيّة) قد تعود تلك الروح الى جسد إنسانٍ آخر ربّما سيولد لاحقاً لتحقّق ما أخفقت عن تحقيقهِ في المرّةِ الأولى!
السؤال الذي سيتبادر الى أذهان أغلب القرّاء الآن:
إذاً ما هذا الذي بداخلنا ويجعلنا نأكل نتحرّك نتكاثر نبني نهدم نحّب نكره نفرح نسعَد نحزن نتألم،وكيف نملك كلّ هذهِ المشاعر وجميع القدرات الذهنيّة والذكاء والحكمة!
جواب العلم على ذلك: إنّها قضايا الإدراك،الوعي،الشعور المادّي الحسّي بالأحداث والأشياء!
هناك حركة البروتونات والإلكترونات داخل ذرّات وجزيئات خلايا جسم الإنسان (وجميع الأشياء كالمعادن والصخور)،وهذه تنتج جميع أنواع التفاعلات!
هناك طاقة حرارية داخل جسم الإنسان تنتج على الدوام نتيجة فعالياتهِ الغذائيّة وإشتغال أجزاء الجسم عليها.الإنسان يستخدم جزء من تلك الطاقة عند أدائه حركاته وأعماله وحتى تفكيرهِ وتنفسهِ.أمّا القسم الفائض منها فيبقى متوفر في الجسد.هذا هو الجزء الذي سيتحرّر الى الفضاء الخارجي لحظة موت الإنسان،لذلك يبرد جسم الميّت بعد دقائق من وفاتهِ (يصبح بدرجة حرارة الغرفة وليس 38 كالمعتاد)!
أمّا عن الإدراك والوعي البشري فتقول عنهم باحثة الباراسايكولوجي البريطانية (سوزان بلاكمور)،هناك عالم مادّي خارجي هو الذي يتسبّب في حدوث إدراكنا للأشياء!
***
إكتشاف أم إختراع الروح ؟
بالطبع لن نجد تعريف مفهوم مقبول للروح في أيٍّ من الأديان المعروفة.
ببساطة لأنّها فكرة (إخترعها الإنسان القديم) دون أن يكتشفها،وشتّان ما بين الإختراع والإكتشاف!
الإنسان خلال التأريخ إخترع أشياء مفيدة وأخرى ضارة أو لا حاجة لنا بها!
أغلب الأشياء والأجهزة العلميّة مثلاً مفيدة من الموبايل واللابتوب الى الطائرة والقمر الصناعي.مع ذلك هناك مخترعات علميّة ضارة كالأسلحة النووية والبايولوجيّة والكيمياوية… والتوقيت الصيفي بالطبع!
بينما الإكتشاف (إكتشاف الأمريكيتين على سبيل المثال) شيء آخر مختلف.فهذه كانت موجودة أصلاً لكنّها لم تكن معروفة لجميع الناس فقام (كولومبس) ومعاونيه بإكتشافها!
الأديان لا تجيب سؤالنا / ماهي الروح!
في الإسلام: [قُل الروح من أمرِ ربّي وما أوتيتم من العلمِ إلّا قليلا]!
في المسيحيّة:الإنسان يتكوّن من 3 أشياء (النفس،الروح،الجسد)!
ماعدا بالطبع (الروح القُدُس) وهذه ليست روح الإنسان.
روح الإنسان تعني غالباً العقل أو الضمير أو الجزء الإلهي من الربّ الذي أودعهُ في الإنسان!
***
الخلاصة:
قد يكون هناك وجود نظري للروح،أمّا عملي واقعي على الأرض فلا!
لو كانت الروح فعلاً موجودة فأين تسكن في جسم الإنسان؟ في الدماغ أم القلب أم الرئتين مثلاً ؟ لأنّه لو كانت جميع أجهزة الجسم سليمة وحدث توّقف مفاجيء للدماغ (السكتة الدماغيّة) فسوف يموت الإنسان غالباً!
تعريف الموت علميّاً هو توّقف الدماغ نهائيّاً عن العمل،فلا يصدر أوامر لباقي اجزاء الجسم بالحركة،فيتوقف كلّ شيء،دوران الدم،التنفس،الحركة،فيموت الإنسان وتتحرّر منهُ الطاقة الحراريّة المتبقيّة في جسمه قبل موتهِ!
من جهة أخرى،في وقتنا الراهن وفّر العلمُ لنا مزيداً من الأجهزة التي تشبه الإنسان الحيّ،كالروبوت والطائرات المُسيّرة بدون طيّار.بعضها قادر على شحن نفسهِ عند نفاذ بطاريتهِ.لا بل أن العِلم في سبيله لإنتاج آلات ومواد ستنسخ نفسها بعد عمر معيّن (أيّ قبل أن ينتهي عمرها الإفتراضي)!
كما هناك اليوم في علوم التكنلوجيا الحيويّة أو ( البيو تكنولوجي) ما يُسمى بالإستنساخ،إستنساخ خلايا وأعضاء عن طريق نسخ جزء من الحمض النووي أو خلايا الجسم نفسه!
القصد هذه الأجهزة تعمل وتنتج دون أن يكون لها روح،لكن لديها طاقة (من بطاريتها) وقدرة على التشغيل وبرنامج خاص مُعّد لها مودع فيها!
الآن لو قارنّنا الروح البشرية (حسب مفهوم الأديان)،فما هي الروح في هذه الأجهزة؟
هل هي البطارية أم برنامج التشغيل أم الذكاء الصناعي الذي يشتغلون عليه اليوم ليجعلوا أجهزة المستقبل تقوم بإصلاح ذاتها وتمتلك قدرات التعلّم والإستنتاج وردّ الفعل على وضع جديد لم يُذكر في برنامج التشغيل!
على كلٍ في هذه الورقة أنا لستُ بصدد إقناع القرّاء بعدم وجود الروح،فالأمر لن يتغيّر كثيراً بهذهِ المعلومة فقط!
إنّما بالعموم أوّد جلب إنتباه القاريء الى الفرق الكبير الذي سيحدث في حياتنا إذا نحنُ تحوّلنا الى القراءة العلميّة وطريقة التفكير العِلمي!
أقصد يمكن لنا التمتّع بجمال هذه الحياة على كوكبنا الأزرق الرائع دون الحاجة للتفكير بوجود الجنيّات في الحديقة (الجملة الأخيرة مقتبسة من داوكنز)!
رعد الحافظ
20 يوليو 2019