بعد عمله لسنوات كرئيس لقسم التحقيقات الصحافية في احدى الصحف المحلية، قرر الصحافي اليمني عادل عبدالمغني خوض غمار التحقيقات الاستقصائية التي يعتبرها جوهر العمل الصحفي، لتكن البداية مع المركز الدولي للصحفيين، بعدما تم اختياره ضمن عدد من الصحفيين العرب للمشاركة في دورات تدريبية في العاصمة الاردنية عمان، حيث اكتسب عددًا من المهارات حول صحافة الاستقصاء على يد مدربين من الشرق الاوسط والولايات المتحدة الامريكية. بعد ذلك شرع بإعداد تحقيقه الاستقصائي الاول الذي حمل عنوان "صنعاء.. عاصمة بلا ماء." تناول فيه كارثة نضوب المياه الجوفية في حوض صنعاء المائي الامر الذي رشحها لتعلن كأول عاصمة في العالم من دون مياه. ونال هذا التحقيق جائزة المركز الدولي للصحفيين ضمن افضل خمسة صحفيين من تسع دول عربية في الصحافة الاستقصائية للعام 2012.
وتواصل نشاط الصحفي عادل عبدالمغني مع المركز الدولي للصحفيين في مشاريع الصحافة الاستقصائية العابرة للحدود مع زملاء من دول عربية عدة، ومن ثم عمل مع شبكة أريج للصحافة الاستقصائية، التي اضافت له الكثير من المهارات والخبرات في صحافة التقصي، وانجز بالتعاون مع الشبكة تحقيقا استقصائيا بعنوان: (اليمن: مختبرات الصحة تصدر الإيدز) وهو التحقيق الذي كشف عن أخطاء طبية فادحة ترتكبها المستشفيات اليمنية وتتسبب بانتقال فيروس نقص المناعة "الايدز" الى غير المصابين به، بسبب ضعف الرقابة الصحية على اجراءات السلامة فيما يتعلق بأجهزة وادوات نقل الدوم داخل المستشفيات الحكومية والخاصة. كما كشف التحقيق عن استخدام غالبية المستشفيات اليمنية لمحاليل واجهزة طبية بدائية في الكشف عن فيروس الايدز. وأسس الصحفي عادل عبدالمغني مع عدد من الصحفيين اليمنيين رابطة الاعلامين الاستقصائيين اليمنيين بدعم من شبكة أريج وبالتعاون مع نقابة الصحفيين اليمنيين، كأول منضمة اعلامية تعني بصحافة الاستقصاء في اليمن.
يقول عبدالمغني أن ابرز القصص المؤثرة التي حصلت معه اثناء عمله الاستقصائي هي وفاة الشخصية الرئيسية التي انطلق منها في اعداد تحقيق "مختبرات الصحة تصدر الايدز" وهو شاب ثلاثيني لم يكن يدرك انه على موعد مع الايدز القادم من بيوت الصحة، حين تعرض لحادث مروري، استدعى نقله الى احد اهم المستشفيات الحكومية، ليتم تزويده بدم تبين لاحقا انه ملوث بفيروس الايدز الذي لا يزال في اليمن وصمة عار تلاحق المصابين به، انطلاقا من مفهوم خاطئ بأن وراء كل اصابة بالإيدز ممارسة غير أخلاقية. مات هذا الشاب قبل ايام من نشر التحقيق الذي انطلق من حالته للكشف عن حقائق مروعة وضحايا كثر جرت احداثها في عدد من المحافظات اليمنية.
التعامل مع المصادر:
يقول عبدالمغني إن الصحافة الاستقصائية تقوم في جوهرها على الادلة والإثباتات، ولذلك فإنّ امتلاك الصحفي قائمة مصادر جيدة وموثوقة تعد من اهم اسباب نجاحه، غير أن الحفاظ على هذه المصادر والتعامل معها بمهنية واحتراف امر في غاية الاهمية.
ويضيف ان الصحفي الاستقصائي لا يمكن ان يتعاطى مع كل الوثائق والادلة التي يحصل عليها من خلال المصادر كقرائن يمكن البناء عليها، من دون أن يخضعها للفحص والتقصي، واثارة التساؤلات حول نوع المصادر التي حصل من خلالها على الوثائق والبراهين، هل هي اصحاب مصلحة في نشر مثل هذه الوثائق؟ هل هي جهة مسؤولة؟ ام خبيرة في الموضوع الذي يتناوله التحقيق؟ فضلا عن التأكد من صحة الوثائق من قبل خبراء، كما هو الحال في التأكد من مصداقية المصادر عن طريق مقاطعة المعلومات من اكثر من مصدر. وتقسيم المصادر الى رئيسية وثانوية وكذلك مصادر مفتوحة ومغلقة.
ويؤكد عبدالمغني أهمية حفاظ الصحفي الاستقصائي على مصادره وعدم البوح عنها لأي جهة كانت، كما عليه ان يعمل بشكل مستمر على تجديد وتحديث وتوسيع قائمة المصادر التي يمتلكها. وأن يتقمص دور المحقق في جمع المعلومات والوصول اليها بما في ذلك السجلات والوثائق السرية والتقارير والتأكد من صحتها، وهي مهمة شاقة (الصحفي الاستقصائي الجيد محقق جيد)، وعليه ايضا الاستعانة بالأدوات الالكترونية والتقنيات الحديثة لتسهيل مهمته في تحليل وفرز الكم الكبير من المعلومات والتقارير التي جمعها للوصول الى نتائج ومقارنات ملخصة وسلسلة يمكن للقارئ استيعابها دون الحاجة الى الكثير من الكلام والشرح والتعقيد.
الاستقصاء في زمن الحرب:
وتبدو الصحافة الاستقصائية عملا محفوفا بالمخاطر والتحديات في البلدان العربية التي تشهد صراعات كما هو الحال في اليمن. واذا كانت قوانين وتشريعات الكثير من الاقطار العربية تفتقر في الاساس لنص حق الحصول على المعلومة، فإنّ الامر يبدو اكثر صعوبة وخطورة عند الاقدام على تنفيذ تحقيق استقصائي في بلد يشهد صراعات دامية، خاصة ان كان موضوع التحقيق يتناول قضايا فساد او غسيل اموال او غيرها من القضايا التي تحضر في الحروب، لكن في الوقت نفسه تبدو الصحافة الاستقصائية عملا هاما للغاية في البلدان التي تشهد صراعات اكثر من غيرها، نظرا لحاجة الرأي العام في الداخل والخارج للمعلومة الدقيقة والموثقة لما يجري في البلد في ظل انتشار المعلومات الخاطئة والشائعات التي تعمد اطراف الصراع الى ضخها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل اعلامها الخاصة بهدف التضليل والاستحواذ. كل ذلك ربما دفع عدد من الصحفيين لتنفيذ تحقيقات استقصائية بأسماء مستعارة حفاظا على سلامتهم المهنية.
ما يحتاجه الصحفيون:
واجمالا يمكن القول ان اهم ما يحتاجه الصحفيون الاستقصائيون لتطوير وتعزيز تجاربهم، هو العمل بعمق ونفس طويل، والابتعاد عن آليات العمل الصحفي التقليدي. وفقا للصحفي عادل عبدالمغني فإن ان هناك جملة من المهارات الاساسية يجب على الصحفي الاستقصائي اتقانها، انطلاقا من بناء فرضية التحقيق مرورا بطرق البحث المتقدمة وبناء القصة واساليب السرد والحصول على المصادر وتدقيق الوثائق، وصولا الى الخروج بنتائج جيدة والكشف عن حقائق جديدة، فضلا عن سلامة اللغة وجمال الصياغة والالتزام بقيم المهنة ومبادئها. كما ان تعلم واتقان الادوات الالكترونية الحديثة باتت مهمة للغاية في تعزيز مهارات الصحفي الاستقصائي. وقبل ذلك كله يحتاج الصحفيون الى بيئة مشجعة وتدريب مستمر ومؤسسات صحافية قادرة على تمويل مثل هذه الانواع من التحقيقات الصحفية واعطاء الصحفي الوقت الكافي لإنجازها خلافا للأشكال الصحفية التقليدية.
الصورة الرئيسية للصحفي عادل عبدالمغني
منقول عن شبكة الصحفيين الدوليين