ظاهرة الفقر ممتدة على نطاق عالمي وتشكل مثل الأزمات الاقتصادية وانعدام الأمن الغذائي وتغير المناخ تهديدا اجتماعيا عاما. ففي عام 1987 بلغت نسبة من يعيشون على أقل من 1 دولار في اليوم في جنوب آسيا 40.1%، وارتفع إلى 43.5% عام 1998. على اعتبار الأشخاص الذين يعيشون بدخل أقل من 1 دولار أو 1.25 دولار أو 2 دولار في اليوم فقراء!. ولم تنجح السياسات الاقتصادية التي نُفِّذت في العديد من مناطق العالم بعد الثمانينيات في توفير التنمية المستدامة وتوزيع الدخل بشكل أكثر عدلاً، ومكافحة الفقر. واليوم، تتسع فجوة الدخل بين البلدان لأن معدلات النمو في البلدان الأفقر في المتوسط أبطأ من البلدان الغنية. هذه التطورات أدت إلى زيادة الاهتمام بقضية الفقر، وتقديم مناهج واجراءات جديدة في مكافحته.
وتختلف معدلات الفقر في الدولة حسب التعريف المعتمد فيها للفقر. فمفهوم الفقر بشكل عام؛ يشير إلى عدم كفاية الدخل المنتظم للأفراد في المجتمع لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وهناك أربعة أنواع من الفقر: حيث يُعرَّف الفقر المدقع: بأنه عدم حصول الفرد على دخل يوفر له الحد الأدنى من مستوى السعرات الحرارية المطلوب للتجديد الذاتي البيولوجي للفرد وحُددت نسبته بـ 80% من السعرات، بينما في تعريف الفقر النسبي: استنادا إلى كون الفرد كيانا اجتماعيا، يكون الفقر هو الحصول على الحد الأدنى من السعرات الحرارية وكذلك السلع الضرورية حسب محيطه ثقافيا واجتماعيا. والفقر النسبي حسب آدم سميث حالة كونك دون مستوى الرفاهية العامة للمجتمع بسبب عدم كفاية الموارد الشخصية على الرغم من تلبية الاحتياجات الأساسية، وعدم القدرة على المشاركة اجتماعيا في المجتمع لأن مفهوم الفقر النسبي يركز على الاختلافات في توزيع الدخل للأفراد ومستوى المعيشة العام وعدم المساواة في منطقة أو بلد ما؛ لذلك، فإن خط الفقر النسبي مهم من حيث عكس مستوى الحياة العام للمجتمع، وإظهار عدم المساواة داخله. أما الفقر المطلق: هم الأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الغذاء. ويمكن تفسير ذلك على أنه الافتقار إلى الدخل العيني والنقدي الضروريين للبقاء على قيد الحياة عند الحد الأدنى. والفقر البشري: معيار فقر يحدده وجود أو عدم وجود البنية التحتية اللازمة. بالإضافة إلى هذه التعريفات، هناك الفقر المزمن والمؤقت، والفقر بين الريف والحضر، والفقر الجديد، وفقر المرافق الاجتماعية. ويتم أيضًا استخدام تصنيفات الفقر التي وضعها البنك الدولي وفقًا لمبلغ الإنفاق اليومي.
تسببت التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت خلال الثلاثين عاما الماضية “محليا وعالميا”، في ارتفاع خطر الفقر الدائم لدى بعض شرائح المجتمعات، ونتج عنها ارتفاع في المشكلات من نوع الإقصاء والتهميش الاجتماعي؛ بالمقابل تختلف أسباب الفقر حسب التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهي: العوامل الديموغرافية، عوامل النمو وتوزيع الدخل، عوامل الاستبعاد الاجتماعي، العوامل الخارجية. ومع ذلك، لا يمكن تفسير الفقر بالاعتماد على سبب واحد أو عدة أسباب.
– عوامل ديموغرافية: كالكثافة السكانية، وطبيعة السكن الجغرافية، الهجرة، الصحة، التعليم، هيكل الأسرة، هيكل القوى العاملة، والفئات الاجتماعية كالنساء وذوي الإعاقة والعاطلون عن العمل.. إلخ. هذه العوامل تلعب دورًا حاسمًا في دخل الأفراد.
– النمو وتوزيع الدخل: كالمشاكل المتعلقة بكيفية تغيّر توزيع الدخل أثناء عملية النمو، حيث تزداد عدم المساواة. والتضخم المزمن.
– الإقصاء الاجتماعي: وهو اقصاء الفرد أو مجموعة من الأنشطة الاجتماعية لأسباب تمييزية، مما يؤدي إلى بقائه/م خارج سوق العمل أو لا يحصلوا على حقوقهم.
– عوامل خارجية: مثل الجفاف الشديد والعوامل المناخية؛ والطلاق أو الهجر أو المرض الدائم أو الإعاقة، أو مكان السكن، والحروب والأسباب السياسية.
إذا، الفقر مشكلة هيكلية متعددة الأبعاد، ويجب أخذ العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الاعتبار عند إنتاج الحلول. حيث تقوم الدول بأدوار مختلفة على صعيد مكافحة الفقر في العالم، بالإضافة لبعض المنظمات الدولية التي تقوم بإجراء دراسات مهمة في هذا المجال؛ كالبنك الدولي، والأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
لكن نهج مكافحة الفقر كثيرا ما يقوم على الأساليب التقليدية التي يتم اتباعها لحل هذه المشكلة، كمساهمات التضامن العائلي التقليدية، أو المنظمات غير الحكومية، ومساهمات المواطنين الصالحين والأثرياء، بدلا من أن تكون هذه المشكلة واجب أساسي للدولة. وتذهب بعض الآراء إلى افتراض أن مشكلة الفقر ستحل بالنمو الاقتصادي والتنمية، علما أن الفقر يرتبط بشكل مباشر بآليات التوزيع العادل للدخل؛ والتنمية الاقتصادية وحدها لا تستطيع حل المشكلة. كما يمثل النقص “التقني” والبيانات حول طبيعة وعمق وانتشار الفقر في الدولة، تحديا في مكافحة الفقر، فمن أجل إنتاج حلول كلية وشاملة وهيكلية، هناك حاجة إلى إنشاء “خريطة للفقر”؛ من خلال الأبحاث الدورية وتوفير البيانات الصحيحة لصانعي السياسات.
إن كثرة القوانين والمنظمات الخاصة بالمساعدة والخدمات الاجتماعية، دون وجود تحديدات واضحة لمعايير الفقر والمساعدات الاجتماعية التي يتم تقديمها، من أجل تحديد الخدمة ومنع تكرارها، أو نقص الجودة، وأحيانا الممارسات التعسفية؛ وعدم وجود شبكة معلومات مركزية حول المستفيدين من المساعدة الاجتماعية؛ كلها تؤدي إلى إهدار الموارد وتكرار الخدمات وتشتيت للمساعدة الاجتماعية. والهدف من خدمات المساعدة الاجتماعية القضاء على المشاكل التي يعاني منها الفقراء من خلال حلول قصيرة الأجل ومساعدة الفقراء على تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال توفير تأمين الدخل على المدى الطويل. فالمساعدات الاجتماعية التي يتم تقديمها من قبل الدولة هي تحويل مردود مالي للأسر التي تعاني من قصور اقتصادي لتصبح مكتفية ذاتي؛ حيث يمكن للبلدان المتقدمة تقديم خدمات الضمان الاجتماعي لجميع أفراد المجتمع مع مؤسسات ومنظمات الضمان الاجتماعي القائمة. بينما الدولة ومنظمات ومؤسسات الضمان الاجتماعي القائمة في البلدان النامية وحدها ليست كافية. وفي الوقت التي تُظهر المساعدة الاجتماعية مسارا رسميا من الأعلى إلى الأسفل، من المانح إلى المتلقي، تشير المساعدة الاجتماعية إلى المساعدة المتبادلة بين الناس وبالتالي إلى تضامن الناس، كونها مفهوم أكثر شعبية، رغم أنها علاقة رسمية مع المانح.
وعلى الحكومة توفير العدالة في توزيع الدخل في المقام الأول. وهدفها من القضاء على الفقر هو: القضاء على الأثر السلبي للفقر على الفقراء في تلبية احتياجاتهم اليومية مع انخفاض التضخم. الحد من الآثار السلبية للتضخم المزمن وأسعار الفائدة المرتفعة على توزيع الدخل. دعم الفقراء بمبادرات فردية تتماشى مع السياسات العامة. عكس نمو الدخل القومي على دخل الأسرة. زيادة تنفيذ مشاريع تعزيز العمالة في القطاعات كثيفة العمالة. اتخاذ الترتيبات القانونية لزيادة وتشجيع العمالة. زيادة العمالة والإنتاج الزراعي من خلال الممارسات التي تدعم العاملين في الأنشطة الزراعية.
ويعتبر التمويل الجزئي للأسر الفقيرة، من الممارسات الأكثر فاعلية واستدامة في مكافحة الفقر. ويعني التمويل الجزئي فتح مبالغ صغيرة جدا من القروض للأسر الفقيرة لمساعدتهم على الانخراط في الأنشطة الإنتاجية أو تنمية أعمالهم التجارية الصغيرة: للحد من الفقر، خلق مجالات عمل للنساء وذوي الإعاقة، لزيادة العمالة بشكل عام، لضمان نمو الأعمال التجارية الحالية وتنويع أنشطتها. ويذكر البنك الدولي أيضًا ثلاثة أهداف له هي: خلق دخل ومجالات عمل جديدة من خلال إنشاء وتوسيع المشاريع الصغيرة، زيادة دخول الفئات الضعيفة بشكل خاص من خلال زيادة الإنتاجية، تنويع مصادر الدخل بطريقة تقلل من اعتماد الأسر الريفية على النباتات المتضررة من الجفاف.
يضاف إلى ذلك، أنه بفضل الائتمان المقدم من مؤسسات التمويل الجزئي، يصبح من الممكن تقييم الفرص التي قد تنشأ في الحياة الاقتصادية؛ ورغم أنها تتمتع بخصائص التطبيق والربحية والاستدامة، إلا أن مؤسسات التمويل الجزئي ليست الأداة الوحيدة التي لا غنى عنها في مكافحة الفقر! لكنها أحد أكثر الأدوات شيوعا في الآونة الأخيرة.