دخلت المنطقة مرحلة جديدة من التحولات خلال الأسبوع المنصرم، جرى خلالها إعادة هيكلة توازنات القوى الداخلية والإقليمية، استعداداً للتعامل مع تدحرج "كرة النار" في سوريا، والبحث عن آليات جديدة لإحكام السيطرة ودفع التحول السياسي.فخلال سبعة أيام فقط، شهدت منطقة الشرق الأوسط تعيين إيهاب سلام رئيساً للحكومة في لبنان، وتلويح سلام فياض رئيس وزراء السلطة الفلسطينية بالاستقالة بسبب خلافات مع محمود عباس "أبو مازن"، وهي الخلافات التي اشتدت عقب زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للمنطقة. وهناك أيضاً قيام الرئيس اليمني منصور عبد ربه هادي بغعادة هيكلة الجيش بإبعاد كل من نجل الرئيس السابق علي عبدالله صالح واللواء الأحمر. ومع كافة هذه التطورات هيمنت الأزمة الطائفية على المشهد المصري (راجع تقرير معهد العربية :أحداث الكاتدرائية).


سوريا: "شبح القاعدة" يهدد الثورة السورية
أربك اعلان قائد تنظيم "جبهة النصرة" مبايعة زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري ساحة المعارضة المسلحة السورية، حيث دفعها إلى خانة الدفاع عن اعتدالها والتأكيد على ضعف نفوذ التنظيمات المتشددة. وهو الموقف الدفاعي الذي جاء في لحظة حساسة مع بدء حوار جاد بشأن تسليح المعارضة في أوروبا والولايات المتحدة.
ولعل أول خسائر هذه المبايعة هو انتقال مجلس الأمن لمناقشة ادراج "جبهة النصرة" ضمن اللائحة السوداء للتنظيمات والكيانات المرتبطة بتنظيم "القاعدة". وهو ما مثل انتصار دبلوماسي مفاجيء ونادر للنظام السوري منذ بدء الثورة قبل أكثر من عامين. وجاء هذا التحول مع ارتفاع وتيرة عمليات "التفجير" في مناطق مدنية بدمشق ومدن سورية زاد من خوف القوى الدولية من تغلغل العناصر المرتبطة بـ"القاعدة" في المعارضة المسلحة السورية. وربما تلازم التطورين ييدفع نحو ابطاء حركة قطار الجهود البريطانية والفرنسية بشأن دفع أوروبا لرفع حظر بيع الأسلحة للمعارضة السورية.
ولكن هذه الخسارة الدولية للمعارضة، قابلها تقرير "هيومان راتيس ووتش" الذي وجه ادانة صريحة للنظام السوري، حيث أكد التقرير أن القوات السورية شنت هجمات متعمدة و "عشوائية" ضد المدنيين. واتهمت المنظمة الدولية نظام الأسد صراحة بالمسئوليد عن مقتل 70 الف شخص منذ بدء الثورة. ودلل التقرير الدولي على استهداف طيران الأسد مناطق تحت سيطرة المعارضة دون أن يكون هناك قتال على الأرض بجانب الاستهداف العمدي للمحابز وطوابير للمدنيين كانوا في انتظار شراء الخبز واستهداف المستشفيات.
وعلى الصعيد العسكري، نجحت المعارضة المسلحة في التقدم على جبهة درعا عبر السيطرة على مناطق اوسع في هجوم مفاجيء اربك قوات الأسد. ولعل قوات المعارضة السورية تتبع في الوقت الراهن استراتيجية لتحقيق انتصارات نوعية من خلال السيطرة على مناطق حدودية في محاولة لخلق الواقع الملائم لفرض مناطق حظر طيران في الشمال والجنوب.


لبنان: خيار تمام سلام والهروب من "المستنقع السوري"
جاء اختيار رئيس الحكومة اللبناني الجديد تمام سلام بالإجماع ليدلل على أن القوى المتصارعة تبحث عن منقذ من تداعيات الانفجار في سوريا. ولعل سلام يدرك جيداً هذا التوجه، حيث اشار في أول تصريحاته كرئيس للحكومة إلى أن التأثيرات الإقليمية والدولية وراء الإجماع على تسميته.
ولعل المهمة الرئيسية رسمياً لسلام خلال الفترة المقبلد هو الاعداد للانتخابات ولكن الواقع أن مهمة حكومته هو نزع فتيل الصراع السياسي المحتدم واخراج لبنان من دائرة "نيران" سوريا. ولعل دعم إيران و"حزب الله" لتمام سلام يجيء في سياق ازالة عبء الاتهامات المستمرة لحكومة لبنان بدعم النظام السوري ونقل كرة "النار" إلى الطرف الآخر لضبط الحدود مع سوريا ووقف الاصطدامات الطائفية في الشمال.
ويشير الكاتب اللبناني سامر الياس - في هذا السياق - إلى أن الاجماع على التكليف لا يعني أن كل المشكلات سوف تحل بذات السهولة في عملية تأليف الحكومة. فالخلافات تحتدم بين الفرقاء على شكل الحكومة، وأعضائها، ومهامها، وتوزيع الحصص، والبيان الوزاري. وتتباين الآراء بين راغب في أن تكون الحكومة حيادية، مهمتها الأساسية الوصول إلى الانتخابات النيابية، وأخرى ترى ضرورة أن تكون حكومة وحدة وطنية لجميع الفرقاء في ظل الظروف الداخلية والإقليمية الصعبة.
ونجد أن أزمة سلاح "حزب الله" لن تطغى على مشاورات تشكيل حكومة سلام تمام بينما سيهيمن عليها عقدة اقرار قانون الانتخابات. فالأطراف اللبنانية تتصارع على قانون الانتخابات بين مؤيدي القانون "الأرثوذكسي" الذي ينص على انتخاب كل طافة لمرشحيها وهو القانون الذي يرفع من تمثيل الطائفة المارونية على حساب السنة والشيعة. وهو القانون الذي يتضمن صراعاً بين وليد جنباط وميشيل عون - حليف حزب الله- بشأن دوائر جبل لبنان.
ولعل مهمة تمام سلام لن تكن بالسهولة التي يتوقعها البعض. وربما يحتاج لوقت طويل من إجل تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية. ولكن تظل العوامل الاقليمية والدولية هي المحدد ليس فقط لتوليه المنصب بل لمدى السرعة في تشكيل الحكومة وقيامها بمهامها.


فلسطين: "معضلة" فياض.. ورسالة كيري
هيمنت استقالة رئيس وزراء السلطة الفلسطينية سلام فياض بسبب خلافه الرئيس محمود عباس "أبو مازن"على المشهد الفلسطيني خلال الأسبوع الماضي. وهي الاستقالة التي جاءت فيما حمل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري رسالة بإمكانية استئناف مفاوضات السلام خلال جولته في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل.
ودللت استقالة فياض على عميق الأزمة داخل السلطة الفلسطينية ومدى الخلاف بين رئيس الوزراء المستقيل وحركة "فتح". وتفجرت الأزمة عقب قبول فياض استقالة وزير المالية نبيل قسيس. وكان أبو مازن وحركة "فتح" قد فرضا تعيين قسيس وزيراً للمالية خلال مايو الماضي رغم اصرار فياض على احتفاظه بمنصب وزير المالية بجانب رئاسة الحكومة. وبحسب المراقبون فإن استقالة فياض عبرت بشكل واضح عن مدى الانقسام داخل حكومة السلطة الفلسطينية، حيث يعمل عدد من الوزراء بالعمل مباشرة مع رئيس السلطة بدلاً من رئيس الوزراء وبالتحديد وزيري الخارجية والأوقاف.
وجاءت استقالة فياض لتهدد امكانية السير قدماً في المصالحة الفلسطينة مع اضطرار "ابومازن" – في حال تفعيل استقالة فياض – إلى تشكيل حكومة جديدة دون العودة للمجلس التشريعي وتأسيس حكومة "انقسامية" جديدة. وبالتوازي فإن فقدان السلطة لفياض يعني بالتوازي خسارة العلاقات الخارجية المتميزة لرئيس الوزراء، حيث إن عدد من عواصم العالم ترى في فياض الرجل المناسب لقيادة الدفة اقتصادياً في الضفة الغربية خلال الفترة المقبلة.
ولعل هذه الاستقالة تصطدم مع ما طرحه وزير الخارجية الأمريكي خلال وجوده في المنطقة بتأكيده على أهمية تنشيط الاقتصاد في الضفة الغربية المحتلة كمحفز رئيسي للسلام في المنطقة. وهو ما يشير بوضوح إلى ثقة الولايات المتحدة في قدرة فياض على السير باقتصاد الضفة نحو المزيد من الاستقرار والانتعاش. وبالتوازي، فإن اختيار رئيس وزراء جديد من خارج "فتح" قد يعيد معادلة الصراع السياسي والتكنوقراطي بين "فتح" ورئيس الوزراء الجديد الذي سيجد نفسه بالضرورة مرفوع عنه غطاء الدعم الدولي – الذي كان يتمتع به فياض- وقلة الخبرة التي كان يتمتع بها رئيس الوزراء المستقيل. ولعل تعدد سلبيات استقالة فياض، قد تدفع الرئيس الفلسطيني للبحث عن مخرج مناسب والعمل لإعادة فياض إلى منصبه. وهي المساعي التي سيحددها حجم الضغط من داخل "فتح" للتخلص من فياض.


اليمن: إعاد هيكلة الجيش .. خطوة إلى الأمام
وسط حالة من الارتباك وارتفاع معدل العنف وفشل الحوار الوطني، اتخذ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مساء 10 أبريل قراراً حاسماً بإاعادة هيكلة لمؤسسة العسكرية لانهاء الانقسام المستمر في المؤسسة طوال سنتين باقالة قائد الحرس الجمهوري أحمد علي عبد الله صالح نجل الرئيس السابق وتعيينه سفيرا لليمن "فوق العادة" في دولة الأمارات. واقالة غريمه اللواء علي محسن الأحمر – الذي انشق على علي عبد الله صالح – من منصبه كقائد للمنطقة الشمالية الغربية وتعيينه مستشاراً للرئيس لشئون الدفاع والأمن.
وجاء هذا القرار لينهي حالة الانقسام المستمر في المؤسسة العسكرية ويفتح الباب أمام إمكانية تمكن عبد ربه منصور هادي من السلطة العامة في البلاد، وتفعيل الجيش كمؤسسة وطنية بدلا من "مؤسسة صراعات". وشملت قرارات الرئيس اليمني اقالة عدد من اسرة علي عبد الله صالح المتنفذين في الجيش والتخلص من اللواء محمد عبد الله صالح وعمار محمد عبد الله صالح وتحويل معسكر الفرقة الأولى إلى حديقة عامة.
وكانت اول ثمار القرارات الجريئة للرئيس اليمني – بجانب توحيد المؤسسة العسكرية – إضفاء شرعية المبادرة على النظام اليمني الجديد بعد أن ظل منذ تنحي علي عبد الله صالح حبيس التوازنات الحرجة في المؤسسة العسكرية مما افقده لحد كبير الشرعية الشعبية في الشارع اليمني.
ورحبت أغلب القوى السياسية في اليمن بقرارات عبد ربه منصور هادي، مما يمنح الرئيس اليمني الدفعة السياسية المطلوبة للسير قدماً على طريق انجاح الحوار الوطني وحل اشكاليات تمثيل المعارضة في السلطة والتوصل لاتفاق مع قادة الحراك الجنوبي والاهم القدرة على قيادة البلاد نحو إجراء انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها كافة ألوان الطيف السياسي.
ووتعددت المكاسب من هذه القرارات المفاجئة، حيث استعاد هادي صورته الدولية والإقليمية كبديل قوي وصاحب قرار يمكنه قيادة الدولة المضطربة في المرحلة المقبلة. وبالتوازي نجح في تعزيز سلطته واضعاف نفوذ الأطراف التقليدية من القبائل والقادة العسكريين والسياسيين.
ولكن على الجانب الآخر من الصورة، فإن تقليص نفوذ القوى التقليدية قد يمنح فرصة للتيارات الإسلامية وفي قلبها حزب الإصلاح لتحقيق مكاسب غير متوقعة في الانتخابات اليمنية التي من المقرر اجراءها خلال فبراير 2012 مع اضعاف حزب المؤتمر الشعبي الذي ينتمي اليه الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
وفي النهاية، فإن نتائج هذه القرارات ستنعكس على الحوار الوطني بين القوى السياسية في اليمن، فنجاح هذا الحوار سيكون النتيجة المتوقعة بعد ازالة العقبة الرئيسية أمام الحل السياسي بتغييب أحمد علي عبد الله صالح وعبد الله الأحمر. ولعل فشل الحوار سيقلل من تأثير هذه القرارات على الساحة السياسية.


حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.