عقد مؤخراً المؤتمر الثالث عشر للدراسات السياسية والاستراتيجية الإسرائيلى المعروف بمؤتمر هرتسيليا، ويأتى هذا المؤتمر فى إطار سلسلة مؤتمرات سنوية بدأت منذ سنوات إذ انعقد المؤتمر الأول مع نهاية العام 2000 تحت عنوان "ميزان المناعة والأمن القومى فى إسرائيل"، وذلك في المركز المتعدد المجالات فى منطقة هرتسيليا، الذى يعد من أهم المؤتمرات فى إسرائيل، ويعنى بالشئون الاستراتيجية الخاصة بإسرائيل والمنطقة، ويشارك فيه كل قادة الدولة، والمرشحون الرئيسيون للمناصب السياسية رفيعة المستوى وشخصيات دولية بارزة من مواقع صنع القرار.


جاء انعقاد مؤتمر هرتسيليا الثانى عشر للأمن والمناعة القومية، هذا العام فى وقت تواجه فيه إسرائيل العدو أوضاعا صعبة، إذ حذر رئيس المؤتمر دانى روتشيلد من خطورة تراجع قوة الولايات المتحدة فى المنطقة مقابل صعود قوى إقليمية معادية لإسرائيل التى تجد نفسها معزولة استراتيجياً ولا تجد من تعتمد عليه فى مواجهة الأخطار التى تطوقها.


ومع الوقت أصبحت توصيات مؤتمر هرتسيليا ومقترحاته دليل عمل لحكومات إسرائيل مهما كان تركيبها أو كانت توجهاتها وأصبحت توجيها عقائديا ومنهجيا لكبرى المؤسسات الأمنية والعسكرية في إسرائيل، وتلك التى تعنى بقضايا الأمن القومى والبنى الأساسية لاإسرائيل.


واللافت توقف أوراق عمل ومن واقع القراءة التحليلية أمام المخاطر التى تواجه إسرائيل داخليا على أساس أن كل ما يجرى بشأن محاولات الصهر والدمج فى المجتمع الإسرائيلى قد فشل بسبب وقوع المجتمع الإسرائيلى بأكمله للاستقطابات والصراعات الفكرية والإثنية وتأجيج الخلاف بشأن العلاقة بين الدين والدولة وأصبح المجتمع بأكمله أمام كارثة الهوية متعددة الانتماءات والولاءات وانعكس ذلك فى التجمعات الاستيطانية وتبنى الآراء والرؤية تجاه حاضر ومستقبل الدولة عموماً.


فى هذا الإطار يمكن تصور آليات التعامل الإسرائيلى فى محيطها الإقليمى والدولى وهو ما يطرحونه من حلول من خلال التيارات التالية تيار أول يرى أن تراكم الضغوط الدبلوماسية على إسرائيل يدفعها للتعجيل بالتسوية مع كل من سوريا والفلسطينيين، وهو الرأى الذى يتبناه العسكريون ودوائر الاستخبارات، إذ إن الثورات العربية ستجعل الأنظمة السياسية العربية أقل خضوعا للمطالب الإسرائيلية بفعل تنامى وزن الشارع العربى فى القرار السياسى، وهو أمر قد يخلق حالة من الاضطراب الواسع فى المنطقة بشكل يؤثر على الولايات المتحدة وأوروبا فى ظل أوضاع اقتصادية دولية خانقة، تيار ثان يقوده بنيامين نتنياهو يرى أن الثورات سيخطفها الإسلاميون، مما يجعل إسرائيل أكثر حذرا فى موضوعات التسوية، لأن المنطقة مقبلة على حالة من عدم الاستقرار، وهو ما أكده نتنياهو، ويساند هذا الرأى تصور لدى بعض الكتاب الإسرائيليين فى أن على إسرائيل أن تنظر لعل موجة «الديمقرطية» العربية تطال سوريا وإيران، مما يفتح مجالا أوسع للدبلوماسية الإسرائيلية ويجعل الضغط عليها أقل حدة تيار ثالث يرى أن مخاطر الثورات العربية يستدعى خطوات استباقية من إسرائيل حيث الدعوة لاسرائيل بإعادة احتلال غزة لأن الإخوان المسلمين فى ظل المناخ السياسى الجديد فى مصر سيمدون غزة بالعون وبشكل يهدد أمن إسرائيل.
وقد عرضت المخابرات الإسرائيلية خلال المؤتمر التهديدات الموجهه للجيش والمنظومة الأمنية الإسرائيلية، حيث تصدر النووى الايرانى قمة التهديدات ومخاطر الجبهة المصرية، تلاه وجود نحو 200 ألف صاروخ موجهة ضد إسرائيل، مع احتمالات اندلاع انتفاضة ثالثة بسبب تجمد العملية السلمية وتفاقم الوضع الاقتصادى للسلطة، يضاف إليها التغيرات الحاصلة بالشرق الأوسط وتصاعد قوى الإسلاميين، والتعاون بين إيران وحزب الله وسوريا.


ويمكن تلخيص موقف الاستخبارات الإسرائيلية(امان) من طبيعة التهديدات التي تواجه اسرائيل باعتباره كاشفا وذلك على النحو التالى:


1- يوجد حوالى 200 ألف صاروخ ومقذوفة صاروخية موجهة ضد إسرائيل جزء منها قصير المدى، ونصف هذه الصواريخ تصل لمسافة 45 كيلو مترا.


2- استبعاد التسوية مع الفلسطينيين خلال السنوات القريبة وذلك على ضوء الوضع المتذبذب والمتقلب فى الشرق الأوسط، وبالتالى فإن فرص التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين خلال السنوات القريبة آخذة بالتضاؤل.


3- إن الاحتجاجات الفلسطينية فى الضفة الغربية محدودة والتى لا يمكن الحديث عنها حالياً كانتفاضة فلسطينية ثالثة.


4- إن قادة تنظيم القاعدة يوجهون نشطاءهم إلى الانتقال من الجهاد العالمى إلى الجهاد المحلى فى الدول العربية، وأنهم يحاولون الوصول إلى الحدود مع إسرائيل، وهذه المعطيات تستند على معلومات دقيقة.


5- إن النظام الجديد فى مصر وحركة الإخوان المسلمين فى الشرق الأوسط تعمل من أجل خلق دولة شريعة أساسها الإسلام، والمؤسسة السنية المعروفة فى العالم الأزهر تتلقى فى هذه الفترة صلاحيات من أجل مهاجمة القوانين البرلمانية، وهذا يقوى الإخوان فى الشرق الأوسط ويؤشر على عمليات احتجاج جديدة.


6- إن إيران تسير نحو القنبلة النووية ببطء مع حرص على عدم تجاوز الخطوط الحمراء التى وضعتها القوى العظمى حيث يبلغ معدل تخصيب اليورانيوم فى إيران 14كجم شهريا، وإيران لا ترى فرصة حقيقية ومعقولة لشن هجوم غربى ضد منشآتها النووية.


7- على سلم أوليات إيران ثلاث أفضليات اليوم إنقاذ سوريا والمشروع النووى وتعميق توزيع قوات القدس وهى الذراع العسكرية للحرس الثورى فى الشرق الأوسط.


8- أن الأسد مازال قادراً على فرض سيطرته على الأسلحة الكيماوية وسلاح الجو ومنظومات النيران فيما شرع الجيش السورى فى الفترة الأخيرة باستخدام صواريخ سكود التى تحمل رؤوسًا متفجرة تزن 200- 300كجم فيما تقدر خسائر الجيش السورى حتى الآن بـ14ألف قتيل وأكثر من 40 ألف منشق.


وبالنسبة للتهديدات من الجبهة المصرية فقد أشاروا إلى أنه سمح الفراغ الأمنى الذى شهدته مصر بهروب وإطلاق سراح العناصر الإرهابية من السجون المصرية التى كانت تقضى عقوبات طويلة، كما سمح لهذه التنظيمات بتجديد صفوفها بعناصر من ذوى خبرة قتالية سابقة، علاوة على أن الفراغ الأمنى فى سيناء يساعد مؤيدى ذلك التنظيم الجهادى فى محاولة تأسيس كيان مستقل تحت حكم الشريعة الإسلامية، واستغلال غياب السيطرة الفعلية للحكومة المصرية على هذه المنطقة.


اسرائيل ومواجهة المخاطر المستجدة


في هذا الاطار نشير الي خلاصات المواقف والاتجاهات التي طرحت ازاء الوضع العام والوضع النووي بصفة خاصة في المنطقة واحتمال وفرص التغيير والتطور.


حيث تتبنت إسرائيل استراتيجية نووية تقوم على الغموض حيال برنامجها النووى، وتقوم تلك السياسة على استخدام عبارة منذ عام 1964 وهى أن إسرائيل لن تكون الدولة الأولى التى تدخل السلاح النووى فى الشرق الأوسط. وبعد ضرب إسرائيل مفاعل اوزيراك العراقى، أضاف رئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحم بيجن على العبارة السابقة جملة أخرى تقول "إن إسرائيل لن تكون الدولة الثانية التى تدخل السلاح النووى فى الشرق الأوسط"، وهو ما يسمى استراتيجية الردع بالشك حيث لم تؤكد القيادات الإسرائيلية امتلاكها للأسلحة النووية و لم تنفها، وإنما يتم الإعلان عن البرنامج النووى الإسرائيلي بشكل غير مباشر من خلال قنوات غير رسمية. كما قامت تلك الاستراتيجية على عدم التخلى عن هذا الخيار النووى مع إمكانية تقنينه مستقبلا، وعدم السماح للدول الأخرى فى المنطقة بالوصول إلى توازن استراتيجي مع إسرائيل أو حتى الوصول إلى اى قدرات تكنولوجية نووية قد تستخدم فيما بعد.


وارتبط الإعلان عن القدرات النووية الإسرائيلية دائما بحالة الضعف الاستراتيجى الاسرائيلى، بدءاً من حرب أكتوبر 1973 ، استخدم التهديد الاسرائيلى باستخدام الأسلحة النووية، للحصول على الجسر الجوى الامريكى. وفى أول ديسمبر 1974، وبعد مرور عام على لهزيمة اسرائيل فى حرب أكتوبر 1973، صرح الرئيس الاسرائيلى آنذاك افرايم كاتسير "لقد كان فى نية إسرائيل دائما أن تتوافر لديها القدرة النووية، ونحن لدينا هذه القدرة، وإذا ما ظهرت الحاجة إليها، تستطيع إسرائيل أن تحول هذه القدرة إلى حقيقة فى وقت قصير للغاية" وقد تكرر هذا التصريح على لسان مسئولين آخرين، وكان ذلك، ناتجا عن الضعف الاستراتيجى الاسرائيلى الناجم عن هزيمتها أمام مصر فى حرب أكتوبر 1973، وكان الإعلان الثانى والهام عن القدرات النووية الإسرائيلية، هى المعلومات التى أدلى بها الفنى الاسرائيلى موردخاى فعنونو إلى صانداى تايمز اللندنية بتاريـخ 5 أكتوبر 1986، وهى أول معلومات تفصيلية تنشر عن مجمع ديمونة ومرافقه المتعددة. حيث كانت التقارير فى السابق تتحدث عن عدد قليل من الرؤوس النووية، ففى تقرير "عن المخابرات الأمريكية " نشرته عام 1976 صحيفة الواشنطن بوست أشار إلى أن إسرائيل تمتلك من 10 إلى 20 قنبلة نووية. وفى عام 1984 ذكر بيتر براى فى دراسته بعنوان "ترسانة إسرائيل النووية " أن الحد الأدنى لعدد الرؤوس النووية الإسرائيلية حوالى11رأساً نووياً، بينما الحد الأعلى حوالى 41 سلاحا نوويا. لقد كانت معظم التقديرات السابقة، تبنى على أن قدرة مفاعل ديمونة 24 او 26 ميجاوات حتى عام 1986عندما كشف "فعنونو" زيادة قدرة المفاعل من 24 ميجاوات إلى 70 ميجاوات ثم إلى 150 ميجاوات.


إن نظرة للبيئة الاستراتيجية المحيطة بإسرائيل بشكل عام نجد أنها تغيرت، وهناك من الأسباب التى توضح الضعف الاستراتيجي لإسرائيل حاليا والذى يتمثل فيما يلي:


أولا: تآكل الردع الاسرائيلى، فعلى الرغم من ترسانة الأسلحة النووية إلا أنها لم تستطع أن تحقق الأمن لشعبها، وأتضح ذلك خلال الحرب على لبنان فى يوليو / اغسطس 2006، عندما طالت صواريخ المقاومة اللبنانية العمق الاسرائيلى.


ثانيا: فشل استراتيجية المنع والاحتكار الإسرائيلية لأول مرة، والتى تقوم على عدم السماح للدول الأخرى فى المنطقة بالوصول إلى توازن استراتيجي مع إسرائيل أو حتى الوصول إلى اى قدرات تكنولوجية نووية يمكن استخدامها فيما بعد. فقد أعلن سقوط تلك الاستراتيجية نجاح إيران فى امتلاك تكنولوجيا نووية تتضمن تكنولوجيا إثراء اليورانيوم التى قد تكون منفردة بها فى المنطقة، هذا بالإضافة إلى صناعة صواريخ متقدمة باتت تشكل قوة ردع لإسرائيل تجعلها تتردد وتتحسب لرد الفعل الايرانى إذا ما أقدمت إسرائيل على ضرب منشآت إيران النووية والاستراتيجية.


ومن الواضح أن هناك تغيراً فى البيئة الاستراتيجية فى المنطقة، وهناك شعور اسرائيلى بالضعف الاستراتيجي، لهذا وجهت اسرائيل رسالة لإيران التي دأبت على إطلاق التهديدات لإسرائيل، مفادها أن إسرائيل تمتلك من القوة ما يحميها، ورسالة أخرى للدول العربية التى بدأت تفكر فى امتلاك التكنولوجيا النووية للاستخدام السلمى للطاقة الذرية، كما أن هناك رسالة أخرى إلى الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، مؤداها أنه إذا لم يتم معالجة الملف النووي الإيراني بشكل جدي، فإن إسرائيل قد تغير من استراتيجيتها النووية.


في هذا الاطار يقول البروفيسور عوزي إيفن من دائرة الكيمياء في جامعة تل أبيب, وهوأحد دعاة التخلي عن الغموض: «إن سياسة الغموض تتلخص في أن العالم بأسره يظن أن لدينا سلاحاً نووياً لكننا لا نعترف بذلك في الماضي كانت هذه سياسة مبررة. بفضل الغموض وقع الرئيس أنور السادت على معاهدة السلام مع دولة إسرائيل، فالغموض ضمن وجودنا هنا.


أما أفنير كوهين مؤلف كتاب «إسرائيل والقنبلة» فيقول إن الغموض تكلل بالنجاح وشكل حالة إدراك استراتيجي عميقة. فلإسرائيل احتكار صامت في الشرق الأوسط للموضوع النووي. والغموض سمح للجميع على طول الطريق وبشكل شبه مطلق بتجاهل هذا الموضوع مما أضعف لدى العرب الحافز على التسلح النووي. ففي الغموض كثير من مظاهر الحذر, لأنه ينشئ فاصلاً بين السلاح النووي والقضايا الأمنية الأخرى. ولا ريب أن الغموض بمعناه السياسي الاستراتيجي حقق أهدافه. فقد عزز الغموض الإقرار العالمي بأنه إذا كانت إسرائيل تملك سلاحاً نووياً فإنها لن تتجرد منه في المستقبل المنظور، وإنها حذرة في استخدامه، إذا كانت فعلا تمتلكه وعدا حالات استثنائية ونادرة جداً، إذا كان لديها هذا السلاح، فإنه لن يصل أبداً إلى مستوى الاستخدام.


ورغم أن كوهين وإيفن يعتقدان أن سياسة الغموض نجحت, فإنهما يقولان إن زمانها ولى. ويشدد كوهين على أن «إسرائيل هي الدولة النووية الوحيدة التي ترفض بعناد أن تقول شيئاً حول مكانتها النووية وتتعامل مع الأمر النووي بعموميته كأحد الأسرار المنيعة للدولة. فيما أن باقي الدول النووية, الولايات المتحدة, روسيا, بريطانيا, فرنسا, الصين, الهند وباكستان هي دول نووية معلنة. بل إن الولايات المتحدة قامت بنشر العدد الدقيق للأسلحة النووية بحوزتها.


ويضيف كوهين أن الإسرائيليين الذين نشأوا داخل ثقافة الغموض لا يستوعبون إلى أي حد يعتبر الوضع الإسرائيلي هذا غير مألوف دوليا.


وفي السنوات الأخيرة بات حزب الله يمتلك صواريخ بعيدة المدى يمكن أن تصيب مفاعل ديمونة والمفاعل في ديمونا قديم.. ومثل هذه المفاعلات تغلق في العالم لمنع احتمال وقوع حوادث فيها وهناك مشكلة مع النفايات النووية التي في دول أخرى يتم تخزينها في أوعية وهو ما قاد إلى تسربها وإحداث تلوث بيئي. وحتى الآن لم أشر للمسألة الاقتصادية. ففي ظل غياب نقاش عام, لا أحد يعلم ما هي تكلفة امتلاك المفاعل وإذا كانت لذلك مبررات اقتصادية. وآجلاً أو عاجلاً فإن هذا المفاعل سوف يغلق.


وكجزء من سياسة الغموض فإن إسرائيل, مثل الهند باكستان وكوريا الشماليةلم توقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي أبرمت في تموز 1968. وقبل اتفاقية كامب ديفيد اقترحت مصر أن توقع إسرائيل على المعاهدة كشرط للتوقيع على اتفاق سلام, لكن مناحيم بيغن رفض ذلك.


وفي كتابه المحرم الأخير يكتب الدكتور أفنير كوهين أن «النوايا الحقيقية لإسرائيل نفسها ظلت غامضةغارقة جداً في ثنايا الأسرار وحظر الكلام إلى أن بات يبدو أن القلة من القادة المفترض أنهم يعرفون, وقعوا أيضاً في حبال شرك الغموض.


وتقول الدكتورة إميلي لانداو التي ترأس مشروع مراقبة التسلح والأمن الإقليمي في مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب إن تدني الانكشاف يسمح للحروب بأن تجري بعيداً عن الموضوع النووي ويهدئ المنطقة كما أنه يصد الضغوط على الدول العربية لامتلاك قدرات نووية. وفضلا عن ذلك ليست هناك صلة بين سياسة الغموض الإسرائيلية وبين إيران. فقد بدأت إيران مشروعها النووي في السبعينيات, ثم أهملته وعادت إليه في العام 1984 وحافز إيران ليس إسرائيل وإنما الرغبة في أن تغدو القوة الأكبر في المنطقة.


ويقول البروفيسور يائير عبرون من دائرة العلوم السياسية في جامعة تل أبيب إنه إذا غيرت إسرائيل سياسة الغموض فإن الدول العربية ستستقبل هذا الإعلان بشكل قاس جدا. فقد سبق للجامعة العربية أن أعلنت أنه إذا كانت إسرائيل تمتلك سلاحاً نووياً فإن الدول العربية ستذهب في المسار النووي, وهو أمر بالتأكيد لا تريده إسرائيل أن يحدث.


الرادع الاسرائيلي وروادع القوى الأخرى


لخصت أوراق مؤتمر هرتيسليا - التي نتعرض لها بالتحليل والتقييم - الرؤية الاسرائيلية ازاء التطورات الاستراتيجية في المنطقة بالقول: لم نعد نرى شرق أوسط جديدا، بل شرق أوسط مختلفا ووفقا لهذا المشهد حبث رأت أغلبية المشاركين في المؤتمر أن هيمنة الإسلاميين على المشهد السياسي في العديد من الدول العربية، وبالأخص في مصر.


إن القادة الأمنيين والسياسيين في اسرائيل الذين حضروا مؤتمر هرتسيليا ركزوا على احتمال أن يتحول وصول الإسلاميين إلى الحكم في الوطن العربي إلى جبهة موحدة تعمل على تهديد وجود إسرائيل.


إن مراجعة سياسة السلاح النووي الإسرائيلي فى الشرق الاوسط تشير الي ما يلي:


- علي الرغم من سياسة اسرائيل النووية لابد ان تتكيف مع شرق اوسط مستمر فى عدم الاستقرار، مثل هذا التكيف سوف يحتاج إلى الأخذ فى الاعتبار ثورات المنطقة الحالية، لأن تمدد انظمة الاسلاميين او الجهاديين جماعة أو منفردين، يلزم اسرائيل تحرك واضح ودال بصددها لمواجهة تلك " القنبلة التي تحت الأرض".


- من الممكن لإسرائيل أن تختار النمط الانتقائي عن الإعلان النووي، من الممكن ان يعبر عن تغير سياسي كبير و على نحو متميز لفهم افضل للواقع الراهن علي الرغم من أن المفكرين الاستراتيجيين في اسرائيل باتوا يطالبون بتغيير السياسة النووية .


- هناك بعض الأصوات الداعية للتشكك و القلق من نشوب حرب تقليدية يمكن أن تحدث في الشرق الاوسط وتتأثر بها اسرائيل مما يدفعها لتغيير سياستها النووية رسميا من الغموض للاعلان .


- تحتاج اسرائيل للسلاح النووي، هذه الحقيقة الأساسية التى لا نقاش فيها، فبدون تلك الاسلحة، ستصارع اسرائيل و بشكل عام من أجل البقاء .


- هناك تسليم اسرائيلي بانه بدون اسلحة نووية و اخلاء منطقة الشرق الاوسط من اي سلاح نووى لن تكون هناك اى قدرة لإسرائيل للتغلب على هجمات اعدائها بمفردها فى حالة اى اعتداء او هجوم مضاد، وفى هذا الاتجاه يجب ان تستمر اسرائيل فى عملية الدفاع النشط و خصوصا القبة الحديدية "التي خطط لها و موجودة حاليا في الخدمة" و مقلاع داوود المعروف بالعصا السحرية.


- على الرغم من عدم وجود نظام دفاع صاروخي بكفاءة 100% ليحمى الكثافة السكانية من أي اعتداء نووي صاروخي, هناك نظام BMD، والذي سيطور قدرة الردع الاسرائيلية لانه فى ظل هذا النظام سوف يعتبر اى تهديد هو هجوم نووى..


- أن الشرق الأوسط أصبح غير مستقر ويتطلب ذلك أن تحسن و تدعم اسرائيل مقدراتها و على الجانب الاخرامتلاك الرادع النووى , بالإضافة الى تقليل احتمالية هجوم عدائي في المستقبل .


- لا أحد في إسرائيل يستطيع التأكيد أن التنظيمات الجهادية قد يمتلكون القنبلة، بالرغم من أنه مازالت لديهم إمكانية الحصول على رأس مال لشن هجوم علي أمن اسرائيل.


وعندما تواجه اسرائيل المخطط النووي المعلن لإيران فستكون فى حاجة الى اقناع العدو الجديد على المقدرة و القدرة لمواجهة اى هجوم نووي إيراني محتمل و ستكون التكلفة اكبر من المكاسب.


وبصرف النظر عن سياسة الغموض النووي، فان استراتيجية إسرائيل النووية هى بوضوح و بشكل صحيح ان تكون سلاحا للردع، وهذا يعني أن خيار شمشون يمكن أن يبلوراستراتيجية الإدراك المحتمل في سيناريو الملاذ الاخير للحفاظ علي امن اسرائيل ان تعرضت حدودها لهجوم كاسح وهو املر مستبعد في المدي المنظور.


هذا يعني أيضا أن تتضمن أي سياسة اسرائيلية الخيار شمشون، ووضع نهاية للغموض المتعمد يمكن أن تساعد اسرائيل بالتأكيد على أن جزءا معين من ترسانتها النووية التي قد يبدو لأول ظهور واضح أقل من أن تكون صالحة للاستخدام .


أن إسرائيل سوف تحتاج إلى أخذ القنبلة من "من تحت الارض" من أجل تعزيز مصداقية قوة الردع الى حد ما ، فإنه تشير إلى مصداقية إسرائيل فى ردعها النووي وسوف يتطلب في نهاية المطاف تصورات الاعداء المحتملين مستقبليا من الهجمات الانتقامية التدميرية .


إن إنهاء الغموض النووي في الوقت المناسب قد يكون بأفضلية تسمح لإسرائيل بتعزيز مفاهيم لا غنى عنها بدون نهاية محسوبة لهذا الغموض، من الممكن لإيران الاعتقاد أن جميع أسلحة إسرائيل النووية هي من نوع الاسلحة ذات الخيار شمشون .


ويعتبر خيار شمشون محتملا و فعالا للرد على المهاجمين، لان اسرائيل فى هذه الحالة لن تفنى وحدهاو يعتبر الخيار شمشون عامل مساعد للردع الفعال , وايضا كخيار استباقى و لكن لا يعتمد عليه كاستراتيجية نووية رئيسية ويجب الفصل بينه و بين اهداف اسرائيل الأمنية الشاملةو التي تسعى دائما للردع في ادنى المستويات الممكنة لأى صراع عسكري محتمل .


وفي الواقع العملي يجب أن يعلم أعداء اسرائيل الرئيسيين ان عمليات جيش الدفاع، و التخطيط للحرب سيتم دائما بحسابات وتقديرات معينة وهذه المعرفة لن تكون خطرا على اسرائيل وستكون متغيرة فى حالة نشوب اية حروب مستقبلية.


وبالتالي يجب على إسرائيل ان تتبع استراتيجية " القبو " فى نفس التوقيت ، التى تتخطى فيها ايران العتبة النووية بشكل يمكن التحقق منه، ويجب على إسرائيل وقتها وعند بدء الحظر النووي الايراني علي الارض ان تبدأ فى تحضير قنبلة عند هذه النقطة الحرجة.


فعلى مدى السنوات القليلة القادمة سوف يحتاج صناع القرار الإسرائيلي الى اتخاذ قرارات خطيرة للغاية فيما يتعلق بالقرارات الاستراتيجية و الاستراتيجية النووية و الامن القومي و يجب اعادة النظر في خيار القنبلة في القبو لا نها ببساطة مسألة معقدة للغاية و صعبة و ضرورية في نفس الوقت .


و لذلك فان تعزيز قوة الردع الاسرائيلية مرتبطة و ممنهجة بسياسات الامن و الدفاع و على الخبراء الاستراتيجيين و المخططين العسكريين الإسرائيليين تنفيذ تلك السياسات في ظل الغموض النووي الموجود .


إن سياسة اسرائيل النووية لابد ان تتماشى مع الشرق الاوسط والذى أصبح الان فى اضطراب مستمرولابد أن تأخذ اسرائيل في الاعتبار الثورات الحالية فى منطقة الشرق الاوسط وحالات عدم الاستقرار والتي ربما تنتج عن تللك الثورات .


وتؤكد التداعيات كما يراها الاسرائيليون الى الحاجة لاسلحتها النووية خاصة وان هذه حقيقة اساسية لا نقاش فيها و أن الاسلحة النووية الاسرائيلية يمكنها النجاح فى استخدامها كاستراتيجية ردع , وانه يجب ان تتفهم القوى الاخرى أن الاسلحة النووية الاسرائيلية تستخدم كاستراتيجية ردع مع الاخذ فى الاعتبار الخيارات الحاسمة ويجب ان تأخذ اسرائيل فى اعتبارها مخاطر بقائها وخاصة مع التوسع ووجود اكثر من جهة للتهديد..


المخاوف من إيران ودول أخرى على الطريق


إن أزمة السلاح النووي الإيراني لن يكون لها تأثير إقليمي فحسب، بل ستؤثر على العالم بأسره، وإذا امتلكت طهران القوة النووية فإن دولا كثيرة ستحذو حذوها، وسيدخل الشرق الأوسط، القريب جغرافيا من أوروبا، سباق التسلح النووي.


أن إيران نووية، سيغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، وحتى لو تصرفت إيران بعقلانية مع تطويرها للأسلحة النووية فإنها تشكل تهديدا عالميا غير مقبول. وستتصرف ايران ، معتمدة علي مظلتها النووية الخاصة، وستلعب دورا رئيسيا في رفع أو خفض حجم التوتر الإقليمي في المنطقة وفق ما يناسب مصالحها.


أن على إسرائيل والولايات المتحدة اللجوء إلى ضربة عسكرية قوية لنووي إيران؛ إذ أن امتلاك ايران للنووي يعني تهديد إسرائيل والولايات المتحدة .


أن الولايات المتحدة تقدم كل الدعم العسكري لإسرائيل من أجل حمايتها ومواجهة نووي إيران، كما أن النظام الإيراني يواجه الآن بالعديد من العقبات التي قد تزعزع استقراره، وعلى رأسها الحرب الأهلية في سوريا.


ومع تصاعد احتمالات توجيه ضربة إسرائيلية لإيران، فانه من المتوقع أن تسقط الصواريخ من قبل حزب الله اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل عقب شنها الهجوم على ايران.


ومن المتوقع في حال توجيه لضربة لإيران أن تشتعل حرب مع حماس في غزة وحزب الله. إن الدرس الذي تعلمته إسرائيل من حرب لبنان الثانية عام 2006 عندما أطلق حزب الله مئات الصواريخ على شمال البلاد هو أنه سوف يتعين عليها أن توقف إطلاق الصواريخ من الشمال والجنوب بأسرع ما يمكن، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، سوف يتعين على إسرائيل العمل بقوة كبيرة ضد البنية التحتية في لبنان وغزة، وربما يكون الثمن الذي سوف تدفعه لبنان وغزة كبيرا، وأن إسرائيل قد تتعرض لأن تُدمر أو من المرجح أن تُدمر أجزاء من لبنان وغزة حتى يقتل مواطني إسرائيل.


استراتيجية إسرائيل نحو إيران النووية


1- إعادة هيكلة السياسة النووية لأي درجة تقتضيها الضرورة وتوزيع جديد للأصول النووية وثيقة الصلة بالحفاظ علي قدرات اسرائيل النووية المتميزة.


2. الانتقال من سياسة نووية محددة الي أخري، ربما تكون كاشفة حسب ظروف كل مرحلة.


ولهذا من الضروري وضع سياسة محددة لغموض اسرائيل النووي قبل أن تصبح إيران نووية بشكل قاطع . هذا الجدل المتعاقب يعتمد علي افتراض حدوث اعتداء إسرائيلي علي إيران والمؤكد أنه غير نووي سيصاحبه تهديدات إسرائيلية بسلاح ردع بشكل أدق وبعد حدوث مثل هذا السناريو فأن إسرائيل لكي تمنع أي رد فعل مدمر لابد إن توضح لإيران بأن أي هجمات انتقاميه علي إسرائيل ستقابل حتما بانتقام نووي إسرائيلي ومدمر بشكل لا يحتمل .


وعلى القيادة الإيرانية أن تتيقن أن الأسلحة النووية الإسرائيلية , قابله للاستخدام بشكل عملي . وهو اعتقاد لابد أن يعزز بقدرة إسرائيل علي استخراج القنبلة النووية من مخبأها.


أن النتائج الأمنية الفعلية التي قد تطرأ بسبب تغيرات إسرائيلية في سياسة الغموض النووي ستظل رهناً لدرجة كبيره أو صغيره بعملية أو نظرية ( الاحتكاك ) لـ Clausewitian .


فلو أن إسرائيل لديها القدرة علي استيعاب الضربة الأولي غير النووية فأن الانتقام النووي لن يكون بمناي عن الفكر الإسرائيلي وسيكون ذلك أمراً حتمياً أذا :


1- كان المعتدي لديه قناعه بحمل أسلحه نووية أو أسلحه أخري ذات قدرات تدميريه عاليه.


2- أن قادة إسرائيل واثقين من أن الانتقام غير النووي لن يستطيع منع الهجمات النووية المدمرة المضادة .
لذا يجب علي إسرائيل اتخاذ خطوات تحمل تغيرات معينه نحو الغموض النووي المتعمد ولتأكيد ذلك فهناك مجموعه من الحسابات والاعتبارات يمكن أن تقوم بها اسرائيل.


ان السلام ليس خيارا استراتيجيا لإسرائيل فهي قد تحضر لحرب نووية إذا لزم الأمر وتهدف للسيطرة علي منطقة الشرق الأوسط بزعم بناء اسرائيل الكبرى ،فلم يعد السلاح النووي الإسرائيلي " الملاذ الأخير " إذن لإسرائيل للدفاع عن نفسها بل أصبح في صلب الاستراتيجية السياسية والعسكرية لاسرائيل وأحد أهم وسائلها المتاحة .


وتعتمد اسرائيل حاليا مبدأ اليقين في مسالة الردع النووي بدلا من التشكيك والغموض


استخدام السلاح النووي كوسيلة ومبدأ للتهديد وذلك للضغط علي الولايات المتحدة لتامين المصالح والأمن الإسرائيلي ،ومما لا شك فيه أن اسرائيل تقوم بتطوير أسلحة كيميائية وبيولوجية عالية التقنية لتخدم أهدافها التوسعية .


في مجال السلاح الكيميائي :-


حققت اسرائيل درجة عالية من التقدم التكنولوجي باستفادة من خبرات أمريكية , ولديها قدرات لإنتاج الغازات الحربية , والغازات السامة ذات الاستخدام العسكري ومنها :


غازات الأعصاب من نوع زارين – vx
غاز الخردل النيتروجيني – باعث للبثور
الغازات الخانقة من نوع فوسجين
غازات شل القدرة ذات التأثير النفسي من نوع BZ


في مجال الأسلحة البيولوجية :-


تحوذ اسرائيل العديد من المراكز البحثية البكتريولوجية , ونخبة من العلماء يشاركوا في هذه الأبحاث علي نطاق عالمي ويشار في ذلك الصدد أن إسرائيل باشرت تطوير " القنبلة العرقية " باستثمار التقدم في علم الجينات لإنتاج جرثومة أو فيروس معدل لمهاجمة الأشخاص .
وهكذا فإن إنهاء الغموض النووي في الوقت المناسب قد يكون بأفضلية تسمح لإسرائيل بتعزيز مفاهيم لا غنى عنها . بدون نهاية محسوبة لهذا الغموض .


الخلاصة: يعتبر خيار شمشون هو خيار محتمل و فعال للرد على أي هجوم لان اسرائيل فى هذه الحالة لن تفنى وحدها و يعتبر الخيار شمشون عامل مساعد للردع الفعال وايضا كخيار استباقى و لكن لا يعتمد عليه كاستراتيجية نووية رئيسية ويجب الفصل بينه و بين اهداف اسرائيل الامنية الشاملة و التى تسعى دائما للردع فى ادنى المستويات الممكنة لاى صراع عسكرى محتمل.


 


*دراسة أعدها: الدكتور طارق فهمي - خبير في الشئون الإسرائيلية - مصر


حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.