تقتضي ممارسة السياسة من قبل المسلمين كل المسلمين أن يندمج الناس في الحياة السياسية ويستلزم ذلك قبولهم بكل شروط الدولة المدنية العادلة الحديثة وعلى رأسها المساواة في الحقوق والواجبات التي ترتبها المواطنة دون تمييز ديني فقد مثل الموقف الفقهي الرافض لتولي غير المسلم رئاسة الدولة عقبة ومشكلة في وجه الحركات السياسية الإسلامية " الإسلام السياسي"
هذه إشكالية بحثت طويلاً في إطار الفقه الإسلامي فهناك من يرى أن أهلية غير المسلم أو عدم أهليته لتولي السلطة العليا في المجتمع المسلم لا تتحدد بتواجد صفات ذاتية ومؤهلات خاصة لديه بقدر ما يرجع إلى تحديد مذفهوم السلطة ووظيفتها والرابطة الاجتماعية التي يقوم على أساسها الانتماء للمجتمع وتكون فيه الحقوق والواجبات وقواعد المشاركة في الحياة العامة مقننة من خلال قوانين وتشريعات واطر قانونية معروفة وواضحة .
ويقول لنا الرصد التاريخي لحالة الدمج بين السياسي والديني في سلطة واحدة أن التمييز بين المجالين لم يكن بمنأى عن وعي بعض فقهاء المسلمين وعلمائهم إذ استطاع كل من ابن خلدون والماوردي رؤية مجال سياسي غير ديني يمكن تسميته عقلاني أو عقلي إلى جانب الوظيفة الدينية في ممارسة السلطة لكن تصور السياسي المستقل عن الصفة الدينية لم يأخذ مكانته اللازمة في التفكير السياسي.
وهناك من يقول ويؤكد أن الفكر الإسلامي المعاصر بحاجة إلى أن يحسم موقفه من أحكام " أهل الذمة" وهل هي أحكام ثابتة تهدف إلى عزل غير المسلم عن السياسة والحكم ؟ أم أنها أحكام تاريخية ارتبطت بأحوال الدعوة الإسلامية التي تطلبت تماثلا بين أفراد المجتمع وبين سلطته السياسية لتذليل الموانع المعوقة لانتشار الدين؟
ويذكر بعض الباحثين السياسيين المسلمين أن الدولة المدنية أنشئت في المدينة المنورة بعد الهجرة وإنشائها الرسول الكريم صلى الله عليه واله وصحبه وسلم وأجد فيها فيدرالية لليهود وفيدرالية للمسيحيين ولم يعزل الرسول الكريم غير المسلمين عن السياسة والحكم. ويقتضي اندماج الأحزاب الإسلامية " الإسلام السياسي " في الحياة السياسية يستلزم قبولهم بكل شروط الدولة الحديثة وعلى رأسها المساواة في الحقوق والواجبات التي ترتبها المواطنة دون تمييز ديني"
ويتحدث باحثون في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر أن هذا الفكر بدأ في إعادة النظر في مسألة السلطة وطبيعتها ويرجع ذلك إلى احتكاك النخب الإسلامية بالغرب وتعرفهم إلى نظم سياسية غير معهودة لديهم مما جعل هذه النخب تأخذ بعين الاعتبار مجالات والحكم الدستوري والتمثيل الشعبي والميل إلى لا دينية الدولة
والمقصود هنا بلا دينية الدولة هو أن الدولة ليس من مسئوليتها فرض نموذج ديني معين وتعميمه على جميع الناس فكل مجموعة أن مجاميع الدولة لها مذهبها والجميع يعلم هنا أن هناك تنوع فقهي وهناك طرائق عبادة قيل أن لكل مذهب أو منطقة أو مساحة جغرافية مفتيها بحسب طريقة عبادتها ونسكها واعتبار السلطة ذات مهام ميدانية تتعلق بالتنمية وتحقيق العدالة وأصبحت هذه الرؤى عبارة عن خطاب إسلامي جديد بدأ في الظهور من القرن 19 فأخذ التنوع الديني داخل المجتمع ينظر إلى هذا الخطاب نظرة إيجابية حيث صار غير المسلمين في هذا الخطاب شركاء أصليين في صنع الواقع السياسي للأمة فا بالنا بشراكة التنوع داخل الدين الإسلامي نفسه
وحول العلاقة بين فكرة المواطنة وبين فكرة الدستور المكتوب فالحركات والقوى الإسلامية التي تطالب بالاحتكام إلى القرآن بوصفه دستورا للمسلمين لم تغفل أهمية وجود دستور مكتوب يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم وطبيعة عمل مؤسسات الدولة وممارسة التعددية السياسية والفقهية التي لا تحتاج بالضرورة إلى نظام علماني على غرار النموذج الأوروبي الذي يفصل الدين عن الدولة ولكنها تحتاج إلى إدراك عميق لمفهوم التنوع داخل المجتمع خاصة وهناك خبرة وممارسة إسلامية منذ دولة المدينة المنورة تسمح بذلك
وتشير تجارب الدول الإسلامية المتنوعة ذات الأغلبية المسلمة مثل ماليزيا قد عكست تجاربها الدستورية تنوعا واختلافا فماليزيا ينص دستورها على أن "الإسلام هو دين الاتحاد الفدرالي" لكنه في نفس الوقت في مادته الثامنة حظر بالمطلق أي تمييز بين الأفراد بسبب الدين أو العرق أو محل الميلاد كما أن تركيا يوجد بها دستور علماني يتساوى فيه كل الأفراد أمام القانون وتمنع مادته العاشرة أي تفرقة بسبب اللغة أو العرق أو اللون أو الرأي السياسي أو المعتقد الفلسفي أو الدين أو الطائفة أو أي اعتبار آخر كما نصت نفس المادة على تعهد الدولة بضمان تحقيق هذه المساواة
وخلاصة الأمر أن ممارسة التعددية - دستوريا وسياسيا- لا تحتاج بالضرورة إلى نظام علماني على غرار النموذج الأوروبي في الدول الإسلامية لكن تحتاج إلى إدراك عميق لمفهوم التنوع في الدول الإسلامية.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.