الثورة مثلها مثل الحرب ممارسة للسياسة بوسائل أخرى, فلقد بدأ الحراك السلمي الجنوبي في لحظة كفر الناس بالعملية السياسية لأنها لم تنتج إلاّ العقم والسير بالحياة إلى الخلف, وكلما داهمت البلد أزمة سياسية خانقة تشتد وتذهب القوى السياسية إلى حوار على قاعدة التنازلات والمساومات ويظنون حين تهدأ الأزمة بأنهم تجاوزوها, بينما في حقيقة الأمر تزداد حياة الناس بؤساً وشقاءً.
وكان حظ الناس في الجنوب من هذا الشقاء مضاعفاً, فحدث التمرد على العملية السياسية بواسطة الحراك, والحراك بدأ تمرداً على نخبة سياسية قبلت على نفسها أن تكون شاهد زور أو الزوج المحلل للزوج الذي يرتكب حماقات مستمرة !! وعليه فإن هذه الأحزاب ارتكبت حماقات وما برحت ترتكبها.
ولا يمكن أن نفسر ما يحدث من دون النظر إلى جدل الداخل والخارج, البلد محاط بإقليم يتحسس من كلمة ثورة ولا يرضى أن يحدث إصلاحات في بنيته ويقدم تنازلات. ولهذا تجده يهرع كلما سمع هدير ثورة هنا أو هناك للعمل على إجهاضها, خوفاً من اجتراح مثل طيب (انظر كتاب نعوم تشومسكي الدول المارقة) تعطي تأثيرها بالحث, ولهذا تقود العملية نحو التسوية والمساومات, أي تدير العملية السياسية من مربع الثورة إلى مربع الاصلاح, مع أنها فعلياً ترفض العمليتين معاً, فلا تريد ثورة كما أنها لا تريد إصلاح, إذا يجري الالتفاف على العمليتين ويجد الناس أنفسهم غارقين في مستنقع البؤس والشقاء أكثر فأكثر.
ومن يرى مآلات ثورة الشباب في غير بلد عربي يدرك أن إحباط هذه الثورات قاد ويقود إلى أزمات تتراكم وتستفحل!
وحين ننظر للمسألة بعدسة التقعير , فإننا نجد أن القضية الاساسية تتلخص بوجود قوى تقليدية تسيطر على دول وثروات مهولة, وتتسيد هذه البلدان، كما تستخدم امكانياتها في تخريب العملية السياسية أينما وجدت, ولا تدرك هذه القوى التقليدية أن العالم يتغير ووعي الناس كذلك يتغير, بينما وعي هذه النخب التقليدية عصي على التغيير, وعندما تنظر بعدسة التحديب, فإننا نكون إزاء قوى تقليدية داخل كل قطر لديها إمكانيات وأرتبطت بالقوى الأولى , وهذه القوى موجودة في كل الأقطار ولديها إمكانيات وثروات باهظة أيضاً ومتسيدة الفعل السياسي, وتقود السياسة بنفس الاسلوب، ظاهره التسويات, لكنها في الأول والأخير تسويات تستفيد منها هي , بينما الناس يزدادون بؤساً وشقاءً!
إن سياسة مواربة وخداع الناس لن تنتج إلاّ ثورات هادرة ستعصف, وإذا ظلت الأمور بهذا الشكل تدار فإن الطوفان هادر سيجرف كل شيء!

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.