جاء إغلاق السفارات الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط بسبب تهديدات من تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» ليشير إلى أنه بغض النظر عن نجاح برنامج الطائرات بدون طيار الذي تقوم به الولايات المتحدة فإن الجماعة الإرهابية لا تزال تمثل خِصماً مرناً قادراً على التكيف. وفي 16 تموز/يوليو، قُتل الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» سعيد الشهري في هجوم لطائرة بدون طيار في اليمن، مما يظهر فائدة وجدوى المركبات الجوية بدون طيار في إضعاف قوة «القاعدة» هناك. ورغم ذلك فإن الملاذات الآمنة الداخلية في البلاد تسمح لـ تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» بالاستمرار حتى في ظل تعرضه لهجمات الطائرات بدون طيار والهجمات العسكرية التي تشنها الحكومة. وفي سبيل مواجهة هذه المشكلة، يلزم اتباع نهج جديد.
 الخلفية
 في العام الماضي، حققت العمليات العسكرية اليمنية نجاحات كبيرة بدفع «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» إلى خارج المناطق الجنوبية التي كانت قد اكتسحتها في عام 2011. ومع ذلك، فمنذ تراجعها إلى ملاذاتها الآمنة التقليدية نحو المناطق الداخلية في البلاد، عادت «القاعدة» إلى جذورها التمردية فيما تحاول إعادة تنظيم قواتها.
وتقوم الأولوية الأولى لـ تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» على خلق المجال العملياتي الذي يحتاجه لإعادة النمو. وتحقيقاً لهذه الغاية، شن حملة اغتيالات منسقة ضد مسؤولين يمنيين في أجهزة الأمن والجيش والاستخبارات في المحافظات الذي ينشط بها بشكل أكبر، مثل أبين وشبوة ومأرب وحضرموت والجوف والبيضاء. كما استهدف الـ تنظيم القادة القبليين لـ "اللجان الشعبية" الذين زودا الحكومة بمعلومات استخبارية ومستشارين محليين ومرشدين وقوات تطهير/استحواذ أثناء هجمات 2012 في الجنوب. وأسفرت حملة الاغتيالات عن مقتل أكثر من تسعين شخص من المسؤولين وقادة القبائل اليمنيين؛ وكالعادة تم تنفيذها من خلال هجمات الدراجات النارية أو العمليات الانتحارية أو العبوات الناسفة. وقد تطلبت تلك العمليات معرفة بالروتين اليومي للضحايا والإعداد المسبق لفرق الاغتيال والمراقبة الدائمة للأهداف، الأمر الذي يشير إلى أن تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» يمتلك بنية تحتية منتشرة في أنحاء اليمن - تلك البنية الضخمة التي لم يكتشفها أفراد الاستخبارات.
 
كما قام تنظيم «القاعدة» أيضاً بتوغلات محدودة في العديد من المحافظات - مثل البيضاء في نيسان/أبريل، وحضرموت في أيار/مايو، ولحج في حزيران/يونيو - من أجل الاستحواذ على قرى رئيسية وإظهار قدراته المستمرة. وبالإضافة إلى ذلك، قام الـ تنظيم بتوسيع جهوده لجمع الأموال (عن طريق السرقات والابتزاز والتهريب على سبيل المثال) واستخدم جهود الدعاية المختلفة لتخويف الناس وتثبيط حلفاء الحكومة المحليين والحفاظ على صورته العامة (على سبيل المثال، عن طريق النشرات والخطب والكتابة على الجدران).
 
نحو "استراتيجية مستقبلية"
في ضوء استمرار تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» في اليمن في عملياته الإرهابية، يحتاج صناع السياسة الأمريكيون إلى إعادة التفكير في استراتيجيتهم ضد الجماعة. وهذا يعني العمل على تيسير توسيع تواجد قوات الأمن اليمنية وأجهزة الحكومة على المدى الطويل ليشمل المناطق التي تشهد أكبر قدر من نفوذ «القاعدة» من أجل أن تُكمل استراتيجية الطائرات بدون طيار الحالية وتحل محلها في نهاية المطاف. وعلى وجه الخصوص، ينبغي على واشنطن أن تساعد صنعاء على إطلاق حملة تهدئة غير مركزية تحاكي هيكل تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» ووضع استراتيجية للقوة الناعمة مع تطبيق أفضل ممارسات مكافحة التمرد، ومن ثم الاستفادة من السكان المحليين ضد الجماعة.
وعلى عكس الوضع في العراق وأفغانستان، فإن هذا النهج سوف يتضمن تواجداً أمريكياً محدوداً لممارسة النفوذ من خلال الحكومة اليمنية وبناء العلاقات مع المسؤولين المحليين والمواطنين من أجل مواجهة الأسباب الأساسية وراء قوة تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية». وفي العديد من الحالات، تأوي عناصر قبلية الجماعة لأنهم يأملون في جذب المزيد من اهتمام الحكومة أو الحصول على مزية على منافسيهم أو الاستفادة من برامج التنمية والعدالة التي تنفذها «القاعدة». ويريد مؤيدون آخرون داخل اليمن وخارجها أن يعمل تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» على زرع بذور الشقاق لأنهم يؤمنون أن ذلك سيعزز أجندتهم السياسية أو مكاسبهم الشخصية.
 
ورغم أن مهام مكافحة الإرهاب تُعد مكوناً جوهرياً في أية استراتيجية لهزيمة تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، إلا أنها غير كافية وربما تؤدي إلى نتائج عكسية على المدى الطويل بسبب مخاطر وقوع ضحايا بين المدنيين. والمطلوب هو استراتيجية منخفضة الظهور وغير مُكلفة نسبياً في المحافظات - نهج واقعي يركز على الحكم الرشيد والتنمية والتعمير والأنشطة الأمنية التي تُكمل حملة مكافحة الإرهاب المستمرة.
التنظيم لتحقيق النصر. سوف يتطلب برنامج التهدئة الذي يركز على مدّ نفوذ الحكومة اليمنية إلى الملاذات الآمنة لـ تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» جهوداً مكثفة ومزج أساليب الحوكمة والتنمية والأمنية التقليدية. وسوف يعمل التصميم العملياتي على تعويض المصادر المتناقصة. ينبغي أن تكون خطوة واشنطن الأولى هي إنشاء كيان منفصل في سفارتها في اليمن من أجل التركيز على بناء علاقة أعمق مع المسؤولين والوكالات المسؤولة عن توفير الخدمات إلى المحافظات.
 
التركيز على الريف. بمجرد أن تضع واشنطن هيكلاً يركز على المحافظات، ينبغي عليها أن تراجع برامجها الأمنية والإدارية والتنموية الحالية، بإعطائها الأولوية للمناطق التي يحظى فيها تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» بأكبر قدر من القوة فضلاً عن إعطاء الأولوية للوزارات اليمنية المعنية في المقام الأول بشؤون المحافظات. وهذا من شأنه أن يتطلب إعادة توجيه بعض الموارد بعيداً عن التنمية ومكافحة الإرهاب ورفع التقارير السياسية باتجاه العمل على تحقيق الاستقرار والتهدئة والإنجاز السياسي. على سبيل المثال، ليس من الغريب على المسؤولين الأمريكيين أن يعملوا على برامج تنموية في مناطق أكثر أمناً نسبياً في اليمن بسبب سهولة العمل مع المسؤولين المحليين هناك. ورغم ذلك فإن العديد من تلك المناطق لديها هياكل حوكمة أكثر تقدماً وسعة أكبر من المناطق الأخرى، مما يشير إلى أنه يمكن إعادة تخصيص بعض البرامج التنموية إلى المناطق الأقل استقراراً .
 
تمكين استراتيجية "التطهير والاستحواذ". بعد إقامة العلاقات الضرورية مع المسؤولين العسكريين والمدنيين الرئيسيين في اليمن، ينبغي لفرق التهدئة الأمريكية أن تنتشر في الريف مع قوات الأمن اليمنية وأن تنخرط مع المسؤولين في المحافظات. ينبغي أن يكون هدف هذه الفرق هو تقديم النصح والإرشاد إلى الجيش اليمني في مواجهة تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» وتطهير المناطق التي تستحوذ عليها الجماعة والانتقال إلى وضعية حماية السكان. وما إن تتحقق هذه الخطوة ينبغي على الجيش اليمني أن يقيم شراكة مع القبائل المحلية والشرطة لتعزيز قوتهما كجزء من استراتيجية مستمرة لمنع عودة «القاعدة». وكما هو الحال مع حركة "الصحوة" في محافظة الأنبار في العراق وبرنامج "الشرطة المحلية" الأفغاني، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين أن يستكشفوا إمكانية مساعدة صنعاء على تنظيم أنصارها القبليين في قوات أمن شرعية دفاعية.
هزيمة استراتيجية القوة الناعمة لـ تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية». ما أن يترسخ الأمن في هذه المحافظات حتى ينبغي لواشنطن أن تنشر "عناصر دعم مدنية-عسكرية" إلى عواصمها. ومن خلال إقامة شراكة مع المحافظين المحليين، ينبغي لهذه الفرق أن تركز على مدّ نطاق الحكومة المركزية وتسهيل الحوكمة الرشيدة وتوفير المساعدات الإنسانية وإجراء تقييم للاحتياجات والعمل بطرق أخرى على تمكين برامج التنمية المدنية الأمريكية. كما أن الانخراط مع حكومات إقليمية محددة سوف يساعد أيضاً الأفراد الأمريكيين على تقديم النصح للقادة المحليين بطريقة تتسق مع أهداف الحكومة المركزية.
 
تدويل الصراع. عند تنفيذ هذه الاستراتيجية التي تمت إعادة هيكلتها، ينبغي على واشنطن أن تقيم شراكة ليس فقط مع الدول ذات المصلحة في هزيمة تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، وإنما مع المؤسسات الدولية مثل "البنك الدولي" و"مجلس التعاون الخليجي" و"منظمة الصحة العالمية". وسوف يصبح الأفراد الأمريكيون عرضة لمزيد من المخاطر بمجرد انتشارهم في الريف، لذا فإن مشاركة المخاطر مع المؤسسات الدولية سوف يعزز من الأمان ونجاح المهمة. كما تمثل المصداقية عاملاً مهماً - فسوف يلقى التواجد الأمريكي الموسع قبولاً أفضل لو أنه تم تحت مظلة من الشرعية الدولية.
 
الخاتمة
سوف يمثل المواطنون اليمنيون الذين تحميهم أجهزة الأمن الحكومية والذين يتم تجنيدهم من أجل الدفاع عن أنفسهم وتمكينهم من اتخاذ قرارات سياسية محلية عامل صد مرن ودائم ضد عودة تنظيم «القاعدة» ووعودها الزائفة بتحقيق مستقبل أفضل. وتلك النتيجة ستجعل الولايات المتحدة أكثر أماناً أيضاً، حيث إن تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» سيكون قد تعرض للهزيمة على يد أولئك الناس نفسهم الذي سعى لتجنيدهم من أجل خدمة قضيته.
 
*دانيال غرين هو زميل آيرا وينر في معهد واشنطن ومحارب قديم في الجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق. وستُنشر نسخة أطول من هذه المقالة من قبل مجلة "پريزم" في الخريف المقبل.
 

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.