ليس يمكن فصل موقف الإسلاميين من الأزهر والاحتداد عليه من الإخوان بعد 30 يونيو عن إحباط محاولات الجماعة التغلغل في مفاصل الدولة، فإن فشلت محاولات التغلغل فليس أقل من إيجاد شرعية بديلة للحديث باسم الإسلام يتم توجيهها وفق تصوراتهم، فرُتب لــيكون "اتحاد علماء المسلمين" بديلا عن الأزهر، و"المجلس الأعلى للشئون الإسلامية" بديلا عن "هيئة كبار العلماء"، و"الهيئة الشرعية للحقوق ولإصلاح" بديلا عن "دار الإفتاء"، وكل ذلك أحبطته 30 يونيو، وهو ما يفسر تطاول رموز إسلامية وحركية وفكرية بدءا من القرضاوي حتى"أردوغان" على الأزهر مما قد يعبر عن المنهج الإخواني القاضي بتقويض الشرعية الدينية بمصر وغيرها، لملء فراغ الفضاء الديني في حال زوالها إن استحالت السيطرة عليها.

وغاب عن الإسلاميين أن نجاحهم متوقف على دعامتين:

 أولاهما: الصدق الأخلاقي، الذي يمنح الاحترام والمصداقية.

 ثانيهما: اعترافهم بوجود هويات ومرجعيات وتوجهات أخرى، وأنهم جزء من الحركة الوطنية وليسوا بديلاً عنها ولا خصما لها، وبقدر التلبس بالدعامتين الأولى قولا وعملا وممارسة وإجراءات يكون الاحتداد أو الخفض وتغيير المواقف مع الأزهر.

الأزهر والاتساع.. وطن واحد بتنوعاته

أبرزت المائة والخمسين سنة الأخيرة واقعا جديدا أدركه الأزهر، هو تعدد الهويات وتنوع الأطروحات، ودوران العجلة واستقرارها على هويات قومية ووطنية وفرعونية وليس إسلامية فقط، وأن  إنكار وجودها جعل المصريين يتنازعون، فبحث الأزهر عن الأطروحة الدينية التي يستند إليها المصريون للتعايش المشترل عند النزاع، وذلك من خلال استحضاره لنماذج الإسلام الأربع

1-  نموذج مكة: وجود المسلمين لكن الغلبة للكفر.

 2ــ نموذج المدينة: وجود المسلمين بجوار اليهود.

 3ــ نموذج العهد الثاني في المدينة: حيث الغلبة للمسلمين.

 4ــ نموذج الحبشة: وجود المسلمين في ضيافة غير المسلمين.

هذا الإدراك الأزهري مرجعه لأسباب ثلاث:

الأول: المحصول المعرفي وامتداد الخبرة في تقدير العمق والشخصية المصرية، والاحتكاك مع الأنظمة المختلفة عبر التاريخ.

الثاني: طبيعة التركيبة الأزهرية نفسها، التي تقبل واقع التعايش مع الهويات المختلفة، وهو ما عبر عنه شيخ الأزهر في مؤتمر "الأزهر ووحدة الأمة" يومي 24، 25  4/2012 بقوله: "التركيبة الأزهرية تقبل التعدد، ومؤهلة لقبوله، فتركيا وإيران الخليج ليس فيهم إلا مذهب واحد ، فظل الأزهر حافظا للتعددية، قابلا للمذاهب المختلفة"، ومن ثم مدركا لما هو أوسع من التعددية الفقهية إلى التعددية الفكرية والسياسية.

الثالث: عدم وجود أطروحة سياسية خاصة ولا يريدها.

 أما الإخوان فمازالوا يفترضون أن هُوية مصر إسلامية محضة متجاهلين الواقع الجديد تماما، وأما السلفيون فيفترضون نفس الافتراض، لكن حدث لهم بعض الرشادة في التعاطي مع المواقف، وهذا جعل الإخوان يحتدون على الأزهر، والسلفيون يخفضون معه-على ما سيأتي-.

ستتكرر كلمة "إدراك الواقع الجديد" غير ذي مرة، لذا لزم تسجيل ملحوظتين:

الأولى: العبارة لا أعني بها واقعنا السياسي القريب قبل وبعد 30 يونيو فقط، وإنما أعني الواقع الذي فرضته تراكمات الــ 150 سنة ماضية، من وجود هويات جديدة بأطروحات مغايرة، وقد دعم هذا "الواقع الجديد" ما حصلت عليه التيارات غير الإسلامية من مكتسبات الربيع العربي، خاصة التيار الليبرالي في مصر والذي بدأ وحده وقبل غيره وضع الأيقونة الأولى لثورة يناير.

الثانية: أننا نتحدث عن "إدراك الواقع" التي يبرز التعايش، والتوازن بين دوائر الانتماء المختلفة، حتى لا تصير الانتماءات عامل ضعف وتفتيت كما حدث في أوقات ضعف الدولة المدنية، وليس المقصود التغاضي عن نقدها في إطار من التدافع الفكري، الذي هو تصحيح للمفاهيم، وإثراء للحالة الفكرية، وهو ما قام به الأزهر في كتابي: "الإسلام وأصول الحكم" و"الشعر الجاهلي".

أما إسلاميو مصر فكان مفهومهم للواقع يعني الشك في الخصوم وتفكيكهم واختراقهم، لا في إطار التدافع الذي يخطط له كل الفاعلين وتعرفه النظريات السياسية، وإنما في إطار النظر للخصوم على أنهم أعداء للدين يجب محوهم، ولهذا فهم عند الفشل يستدعون إرث "صناعة التآمرية" ضد الدين.([1])
من الأهمية بمكان التذكير بدور الأزهر في إنهاء الجدل المحتدم بين الهويات المتنازعة منذ 25 يناير من خلال إصدار عديد الوثائق كـ "وثيقة الحريات" 10يناير2012، التي حظرت أي نزعات لـ"الإقصاء أوالتكفير"، ورفضت"التوجهات التي تدين عقائد الآخرين"، وشددت على أن"لكلِّ فردٍ أن يعتنق من الأفكار ما يشاء دون أن يمس حقّ المجتمع، والمساواة على أساسٍ المواطنة"،  وبالتالي نبذت التنابز، وجعلت مكانا لأصحاب المشروع الإسلامي، ومكانا لمن لا يريدون الدين(بتصور الإسلاميين).

نفهم من هذا أن قاعدة انطلاق الأزهر قائمة على فكرة "التعايش المترتب على وقبول هويات أفرزتها التراكمات"، وقاعدة انطلاق الإسلاميين "قدسية الفكرة"، التي يترتب عليها اكتساح المشهد باللعب على وتر الدين، ومصادرة العمل الإسلامي بمساراته ذات الوجوه المتعددة لصالح مسار واحد أكثرها كلفة عند الفشل هو المسار السياسي،و"ظهور الفتن، وضياع التراث الوسطي للأمة، والتقوقع، ورفض الآخر" ([2]). بل إن فتيل الاحتداد سيظل مشتعلا ما ظلت فكرة "تقديس ما لا يقدس مشتعلة".

الإخوان.. والصدام مع الأزهر وشيخه:

عاشت جماعة الإخوان على افتراض أن هوية مصر إسلامية محضة، وجفت لديها منابع الحيوية وأن" مصر لا يوجد فيها إلا مرجعية واحدة، ولن تقر لهم عين حتى تعم كل مكان"([3]) غير مدركين لوجود أبعاد آخرى لها حضورها ورموزها وتأثيرها، وغير مقتنعة بأن تعيش معهم تحت مظلة أطروحاتهم.

 عجزت الجماعة عن إدراك الواقع، ولم تتنزه عن شهوة الهيمنة على الأزهر باندفاع واستعجال وغفلة عن إدراك الهويات المتعددة ما أثمر موقفا حادا انتحاريا، ورؤية دينية مغلوطة ومنغلقة وبالغة التعقيد، أبرزت تشكيكا في مدى قدرة الدين على احتواء هويات مختلفه تتعايش(فضلا عن أن تعيش) في الأوطان التي تحكم باسمه، كما أثمرت عجزا عن فهم مفاتيح التركيبة المصرية، وأخفقوا في تقديم خطاب إسلامي يجمع بين التعايش مع الأطروحات المختلفة وفي نفس الوضع يحافظ على خصوصية طرحهم، فأغرقوا في التواجد داخل الكهف الأيدولوجي، وتسرعوا في البحث عن مغانم وسط الأشلاء، ما أدى إلى حالة "الانتحار السياسي"، ومنه الاحتداد الشديد على الأزهر، واستدعاء الخطاب الاستعدائي ضد بعد فشل التغلغل الاستعادي على أيدى جماهير 30 يونيو.

كما عزز تأييد الأزهر الشريف لـ 30 يونيو التناقض المرجعي، وأشعل احتداد الإخوان على الأزهر، ذلك التأييد المدعم بالتراث الفقهي القائل بشرعية "إمارة الحاكم المتغلب"، كما أفتى الدكتور علي جمعة عضو جماعة كبار العلماء ([4])، وما كان الأزهر ليغامر بالانحياز لإرادة الجماهير على حساب "الصندوق الانتخابي" إلا عندما وصلت الدولة تحت حكم الإخوان إلى أقصى درجات فاشيتها وفشلها في حماية التعايش بين الهويات المختلفة، والتهوين من الدماء، وتقديم نسخة مشوهة من فهم الشرع الشريف، و"تقديم دعوة غير منتجة لنموذج من خطاب ينتمي إلى سياق الدولة"([5])، ومن هنا اختار الأزهر قاعدة :"أخف الضررين" في بيان خارطة الطريق3/7/2013.

وفي 24 /7/2013 أعلن الأزهر الشريف دعمه لمبادرة المصالحة الوطنية الشاملة، ودعا كافة المصريين للمساهمة في إنجاحها، وقال في بيان قبلها بيوم نشرته وسائل الإعلام المختلفة: إن الأزهر يدعم مبادرة المصالحة الوطنية لجمع كلمة المصريين حول المصالح العُليا للوطن وإعلائها على كلِّ ما سواها.

وقبل فض اعتصامي "رابعة" و"النهضة" طالب الدكتور عباس شومان -الأمين العام لهيئة كبار العلماء وكيل الأزهر- في خطبة الجمعة بالجامع الأزهر2/8/2013 تقديم الإخوان لمصلحة الوطن واللجوء للحوار.

ثم أطلق الأزهر دعوة لحقن الدماء والمصالحة نشرت على موقع «يوتيوب» 3/8/2013، وقال الطيب: إن أزهر المصريين لن يمل من تذكير الجميع بحرمة الدماء، وأن الحوار العاجل هو المخرج الوحيد من الوضع الراهن، وطالب  المعتصمين إلى اللجوء لطاولة الحوار، وهو نفس ما صرح به الدكتور محمد مهنا مستشار شيخ الأزهر، والدكتور محمد عبدالفضيل القوصى، وزير الأوقاف الأسبق مستشار شيخ الأزهر في نفس الفيديو.

وبعد فض الاعتصامين 14/8/2013 ألقى شيخ الأزهر كلمة متلفزة مساء السبت 17/8/2013 دعا فيها المصريين إلى فتح باب التصالح والتعاون وتجاوز الفترة الراهنة، وأكد على التفرقة بين التظاهرات السلمية والتخريبية، ووجه حديثه للإخوان: إن مشاهد العنف لن تكسب استحقاقا لأحد، والشرعية لا تكتسب بدماء تسيل ولا بفوضى تنتشر”.

خطاب "رابعة"..انتحار سياسي

 رفضت الجماعة كل محاولات ودعوات الأزهر للتصالح ونبذ العنف قبل وبعد فض الاعتصامين، ليسجل اعتصام "رابعة" مشهدا تاريخيا شكل العنف والمكابرة ملامحه وخيوطه العريضة من جنوح الخطاب الإخواني نحو الاحتداد الجنوني على الأزهر، ومنابذة رموزه، وحتى الجانب الدعوي الصرف الذي يمثل الجسر الكبير في الالتقاء بين الجماعة والأزهر والذي ظل الإخوان يتظاهرون فيه بالانطباق مع الأزهر انتفى تماما، ووجه الإخوان له ضربة قاضية، وحدثت من قيادات الجماعة لقواعدها تغيرات ملحوظة في الإنتاج الفقهي والإفتائي والوعظي بتعبير د.نبيل عبد الفتاح ([6])، مما أسفر عن تحولات ثلاثة أفقدتهم سمات ثلاث، فتحولهم للخطابات التكفيرية التحريضية العنيفة ورضاهم المباشر وغير المباشر عن عنف التكفيريين في "سيناء" أفقدهم اعتدال الخطاب فاحتدوا على الأزهر، وتحولهم لمواجهة اعتباطية مع الجيش والشرطة أفقدهم بعض الشباب، وإطلاق العنان لتشويه كل المخالفين والوعود الكاذبة أفقدهم ربانية النضال، وأبطل مفعول الغزل بالدين لدى أكثر الجماهير.

وزاد احتداد الجماعة على الأزهر بتطاول القرضاوي في عدد التصريحات والخطب كما في خطبة جمعة 30/8/2013 بمسجد عمر بن الخطاب بـ "قطر" حيث قال "إن شيخ الأزهر وعلي جمعة ليسوا علماء، وأنهم يمثلون السلطة لا الشعب، ويجب أن يخرج الناس ليقف هؤلاء عند حدهم"، وكان تلاميذه في مصر ينفذون ما كلامه قبل أن يقوله، فتلميذه القيادي الإخواني صلاح سلطان يحاصر مشيخة الأزهر، ويحاول ومعه مناصروه منع دخول أو خروج الشيخ من المشيخة.([7])

وبإعطاء الضوء الأخضر للمناصرين للتطاول على المشيخة ومحاصرتها، وتخريب المبنى الإدراي لجامعة الأزهر، واقتحام مكتب رئيس الجامعة لدرجة طلبه دخول الشرطة منعا للدماء30/10/2013.

استجابت القواعد للاحتداد على الأزهر لضعف قيادات الأزهر في التسويق لموقفهم فقهيا وإعلاميا، ومن ناحية أخرى (وهي الأقوى) نجاح قيادات التنظيم في إقناع القواعد بوضع الأزهر في خندق المعادي للمشروع الإسلامي مع العلمانيين"الكفرة،([8]) غير متنبيهن إلى الحقيقة المراد طمسها، وهي أن المشروع الإسلامي تآكل تماما على أيدي الجماعة باعتراف الإسلاميين أنفسهم([9])، بدءًا من تعزيز التعاون الأمني مع إسرائيل، ورسالة الصديق الوفي لبيريز، وإباحة القروض الربوية، والصكوك، وتمديد الكازينوهات الليلية، وما تبقى من المشروع الإسلامي إلا مبنى يقتحم، أو طريق يقطع، أو مصلحة تعطل؛ لأنهم إن فاقوا وعاد إليهم عقلهم المسلوب سيسألون قيادتهم: لماذا أضعتم الحلم وأفشلت التجربة؟!.

لذا وجد الأزهر نفسه أمام مسارين محتملين للإخوان:

الأول: مخاصمة الواقع، نتيجة لأسباب كثيرة، ليس هنا موضع تفصيلها، لكنها في المجمل ترد إلى استعجال التمكين، والتركيز على التنظيم، وضعف الإبداع، وقلة الخبرة، والرؤية الملتبسة، مما صنع حجابا منعهم من البصيرة بالواقع، بل إن الرئيس المعزول أصر في 4 نوفمبر/ تشرين ثاني/2013 على أنه الرئيس الشرعي وهو ماثل في القفص بين يدي القاضي، ثم يبعث -عن طريق محاميه- بيانا في نفس الاتجاه يوم الأربعاء 13/11/2013، هذا العقل التنظيمي القائم على الغياب التام عن الواقع، فضلًا عن تصحيحه أو صناعته، يضيع الفرص المتاحة، ويختار الاحتداد والاحتدام بدلا من التوافق والمشاركة في تقليد رائج ومغلوط لسيد قطب، ومن ثم الالتجاء للعنف، والتنكيف الدائم الحاد مع الرفض الشعبي سواء أكان برفع السلاح (كرداسة ودلجا وطما مثالا)، أو الاعتداء اللفظي(د.على جمعة في "دار العلوم"22/9/2013 مثالا).

الثاني: إدراك الواقع والتعاطي معه بالمشاركة والتكييف والاندماج على اختلاف نسب الاندماج، وقبول المصالحة والدعوات سابقة الإشارة التي أطلقها الأزهر للخروج من المأزق، لكن اختارت الجماعة الخيار الأول، ورفضت الثاني الذي كان كفيلا بالتهدئة مع الأزهر.

السلفيون.. التصرفات راشدة والتصورات ثابتة

ثمة تغييرات ملحوظة في مصر بعد 30 يونيو، منها موقف السلفيين، حيث أدركوا  شيئا من الواقع، وتجاوبوا مع مطالب الجماهير ولو بصور متفاوتة، ولم ينخرطوا في حراك معارضة  الأمر الواقع، ونفضوا أيديهم من الإخوان بعدما رأوا «المطامع الإخوانية»، وسعت قوى السلفيين إلى طي الخلافات مع الأزهر بعد تاريخ من المساجلات والمخاصمات، وحدث تقارب وخفض في الخطاب بين الأزهر والسلفيين، وأضحت بينهما شراكات متعددة بعد أن دشنا مع بقية القوى السياسية "خارطة الطريق"، لكن ربما يكون من الأهمية التذكير بأنه ليس يمكن اختزال سلفي مصر في الدعوة السلفية وفروعها،([10]) بل هناك سلفيون مضوا على سَنن الإخوان في الاحتداد على الأزهر وشيخه الأكبر، وساعدوا في تدشين "التحالف الوطنى لدعم الشرعية"، ومن هؤلاء الداعية محمد عبد المقصود، وحزب الفضيلة، وحزب الأصالة، ومجموعة "حازمون".

 شارك سلفيو حزب النور في خارطة الطريق مع الازهر، ولم يسعوا الى استنزاف طاقة السلطة المؤقتة عن طريق المشاركة في المظاهرات لبث الاحباط في نفوس الجماهير المتطلعة للاستقرار بعد حكم الإخوان، وأهم ما في مشاركتهم الأزهر يدا بيد في خارطة الطريق هو بطلان ادعاء الاخوان بأن ما حدث في كان موجها ضد الإسلام.

وصلت الشراكة بين الأزهر والسلفيين  درجة ملحوظة، فيؤكد ياسر برهامي في تصريحات نشرت "الوطن" 9/7/2013، تدعيمه الكامل لدور الأزهر في المصالحة الوطنية وحقن الدماء، وأن السلفيين يؤيدون الأزهر ويثمنون مواقفه، ومنها التأييد لقاعدة "أخف الضررين" التي قال بها شيخ الأزهر في بيان خارطة الطريق.

 ويخرج يونس مخيون رئيس حزب النور في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء 28/8/2013 ليجدد دعمه لثورة يونيو، ويرفض المساس بالأزهر ورموزه به حفاظا على مكانته".

ويوجه فضيلة الإمام الأكبر دعوته  كما جاء في صحيفة الوفد الأحد 13/10/ 2013 لجميع الناس لاستلهام معاني التضحية والفداء والتداعي إلى المحبة والاستقرار والمشاركة والتراحم والوحدة والعمل الصادق المخلص البناء".

وبينما يفتي الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بـ "شرعية المتغلب.. التي هي في الحقيقة جاءت استجابة للشعب"، ويدعو لفهم الواقع، نجد عبد المنعم الشحات المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية يؤكد في بيان نشره بموقع "صوت السلف"، الجمعة 13 سبتمبر 2013، "أن عودة مرسي مطلب تجاوزه الزمن؛ لأن شرعية الحاكم الفعلي هي القائمة طالما أن المؤسسات تعمل تحت إمرته ، وغالبية الناس يرونه حاكمًا شرعيًّا".

وفي لجنة إعداد دستور ما بعد 30 يونيو تقارب الأزهر وممثلي السلفيين لوجود بعضٍ(وليس كلٍ) من الهدوء والواقعية والرشادة السياسية لدى السلفيين، والبعد عن الفتاوى والتصريحات النارية، بل من المواقف الدالة أن اتفاق الأزهر والسلفيين على المادة 219 جعل بعض المسيحيين يظنون أن الأزهر والسلفيين اتفقا معا ضدهم!! ([11])

ومن آيات الرشادة السياسية والإدراك للواقع ما قاله شريف طه المتحدث باسم حزب النور فى تصريحات صحفية يوم 16/11/2013 من أنه "على الإخوان اتخاذ خطوات جريئة لوقف نزيف الدم، ومنع الاقتتال، وخصوصاً وأن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه قبل 30 يونيو».

بيد أن إدراك السلفيين للواقع مازال مشوشا وقاصرا ومؤقتا ففي لجنة "الخمسين" نفسها نجد ممثلي الأزهر الشريف يرفضون الشطط الذي يمثله متعصبو العلمانية، والشطط الذي يمثله السلفيون، والذي وصل لحد التخاصم (فالأنبا بولا يقول: السلفيون في "الخمسين" يحتقرونني ولا يسلمون علي، ويرونني كافرا)، بل إن محمد إبراهيم ممثل السلفيين يستنكر وجود ليبراليين في لجنة "الخمسين" أصلا، هذا ما أخبرني به أحد أعضاء الخمسين الذي سمع الكلام، نعم قد تجد أمام الكاميرات تصريحات مغايرة، ولكن في وضع الدستور الذي لا وقت فيه للتجمل تظهر الحقيقة التي أساسها الإقصاء، بناءاً على نفس فكرة أن مصر تعيش في الهوية الإسلامية فقط، واعتمادا على أن أغلبية الشارع مسلمة، وهويتة تعكسها الحالة الموجودة في الشارع والمجتمع ذي الأغلبية الكاسحة المسلمة كما يقول نادر بكار ([12]) وليس واقع التراكمات التاريخية التي فرضت نفسها.

وسيظل إدراك السلفيين مشوشا ومؤقتا ما لم ينبع من مراجعة حقيقية، وتغييرات جذرية في البنية نفسها، بعدها نضمن استمرار الخفض في العلاقة، لأن هناك مساران في البنية السلفية لم يدخل عليها تغيير ولا مراجعة قط، وكلاهما يتنافى تماما مع المنهج الأزهري وأركانه ورؤيته ومكوناته:

المسار الأول (الأقدم) فكري شرعي: فالمنهج الأزهري قائم على ثلاثة أركان أساسية تمثل التكوين الديني للشخصية المصرية:([13])

الأول: أشعرية العقيدة، الجامعة بين العقل والنقل دون تكفير للمخالف.

الثاني: مذهبية الفقه حيث دراسة المذاهب الأربعة.

الثالث: تزكية الأخلاق أو التصوف السني وهو بخلاف البدعي.

 وهذه الأركان ليست اختياراً عشوائياً من الأزهر، بل مثلت الاحترام العميق لاختيار الأمة بعد استعراض المطروح  وانتخاب الأكفأ والأضبط والأقرب إلى تحقيق مقاصد الشريعة، والأوفى خدمة ومناضلة له، وأما السلفيون فيرون العقيدة الأشعرية ضآلة،([14]) والتصوف كله بدعي، والمعتمد الفقهي لديهم شيئا آخر يسمونه:"دليلنا الكتاب والسنة"، من هنا يظل منهج استمداد وتصورات ومن ثم تصرفات التيار السلفي يضاد المنهج الأزهري ويناقضه مما يطول تفصيله في هذا المكتوب.

المسار الثاني فكري سياسي: فالسلفيون كانوا داعما أساسيا للإخوان، ويريدون إعادة تدوير مشروع الإخوان ولكن برسومات تبدو مغايرة، بدليل أن خلطهم بين الدين والسياسية، وإثارة النعرات الدينية، والموقف من الأقباط، والفرز الأيدولوجي، وتبديع المخالف، والموقف من الدولة الوطنية، وفهمهم لمفهوم الشريعة ومقاصدها وأولوياتها.. كل ذلك لم يتغير.

وكما حاول الإخوان الاقتراب من الأزهر بعد 25 يناير لتقديم أنفسهم باعتبارهم البديل الإسلامي المعتدل ثم انقلبوا عليه، فالسلفيون يحاولون اليوم التقارب مع الأزهر لتقديم أنفسهم باعتبارهم البديل للإخوان قبل حلول الاستحقاقات الدستورية والبرلمانية والرئاسية‏، هل يكونون أكثر رشادة؟ هل يستمرون على رشادتهم؟ هل يتغيرون؟ هل يتقدمون؟ هل يثبتون؟ هل يتطورون؟؟ هل ينقلبون؟ الأيام حبلى والتوصيات أربعة:

حالة الانقسام الحادة تتطلب تحرر التيارات الإسلامية والليبرالية من عصبياتها الأيدلوجية والهوياتية وإدراكهم للواقع.
 لن يؤدي إنتاج دورة جديدة من الاستبداد إلى حل ناجز.
على جماعة الإخوان أن تراجع نفسها وتعترف بالواقع.
على الأزهر أن يؤدي دوره كاملا على الأرض، غير مكتف بالبيانات والوثائق فقط، وألا يعتمد على أن الله ينصره بعجزه، وألا يتكاسل انتظارا لثورة تنقذه من الاختراقات الأيدولوجية.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.