أهم النقاط في الدراسة:

•   القانون وأهميته الاستباقية بعد انتشار مناطق التوتر ونشاط القاعدة وفروعها في سوريا وغيرها.

•  استراتيجية سعودية.. شاملة من المناصحة وإعادة التأهيل إلى عودة المطلوبين...التعريف بالبرنامج ونتائجه المثمرة...وتحوله لعمل مؤسسي شامل.

•   السعودية والتعاون الدولي والإقليمي في مكافحة الإرهاب: الاتفاقات التي وقعتها المملكة..والجهود المختلفة

•   اتهام البعض للسعودية بدعم الإرهاب خطأ مقصود أو علم مفقود.. والأيدي تزداد إشارة لأنظمة بعينها طالما عاشت معها في هدنة، وأجادت دائما استخداماتها في العراق وفي سوريا، فقد تزامن القانون مع تقرير الخزانة الأمريكية عن تورط إيراني مقيم في مشهد الإيرانية في تمويل جبهة النصرة في سوريا.

يأتي قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في الثالث من فبراير الحالي 2014 بإقرار قانون مكافحة الإرهاب وتمويله الذي انتهى منه مجلس الوزراء السعودى في ديسمبر سنة 2013، القانون الذى يتضمن حوالى 41 مادة قانونية، يجرم فيه المشاركة في أعمال قتالية بالسجن ما بين 3 الى عشرين عاما، قانونا حاسما ورادعا يستفيد من تجارب التاريخ مع ما سمى العائدين من أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي وما سمى العائدين من العراق في العقد الأخير، ومن أزمات الواقع المشتعل في عدد من بؤر التوتر في المنطقة، والتي تكشف فيه كل يوم أيد خفية تدعم الإرهاب وتموله، كما كان في التاسع من فبراير سنة 2014 من تقرير الخزانة الأمريكية ل عقوبات جديدة ضد إيران، ضمت فيه شركة مرتبطة بالقاعدة وتمويلها في سوريا، يديرها يس السوري المقيم في مشهد!

يأتي القرار الملكي لقانون مكافحة الإرهاب وتمويله، انطلاقا من الواجب والمسئولية الوطنية في حماية أمن وسلامة أبناء الدولة والمجتمع السعودي، ومسئولية دولية كجزء من استراتيجية سعودية شاملة ومستمرة في الحرب على الإرهاب وتجفيف منابعه، خاصة مع التطورات الأقليمية الراهنة، التي تتصاعد فيه ظاهرة الإرهاب العالمي والقطري، خاصة مع الأزمة السورية وأزمات دول ما بعد الثورات العربية، التي تحولت لملاذات آمنة لبعض هذه التنظيمات!

كما يفتح هذا القانون الحاسم- الذي نعرض له- سؤالا كبيرا حول من يواجه الإرهاب حقيقة ومن يدعمه خفية؟! ويؤكد على جلاء موقع الدولة السعودية المتقدم في الجبهة الدولية في الحرب على الإرهاب ومكافحته أمنيا وقانونيا وفكريا! الذي لم يهدد سلام العديد من الدول الغربية والعربية، المسلمة وغير المسلمة، على السواء، ولكن نجح في اختطاف العشرات والمئات من أبناء وشبابها، بعيدا عن مجتمعاتهم وأوطانهم، بعد أن غررت بهم آلة الدعاية الأيدولوجية المتطرفة للتنظيمات والأنظمة المتحالفة معها، في السابق واللاحق! اختطفت عواطفهم الدينية السمحة، وبعضهم كان حديث التحول للإسلام مثل الأمريكي العشريني جون بوكر الذي انضم إلى طالبان وتم القبض عليها بعد غزو أفغنستان في نوفمبر سنة 2001!  مسلسل  طويل من التغرير بدأ برفض تحالف تحرير العراق الذي رد الغزو العراقي الصدامي لجارته الكويت! واستمر باسم مناصرة طالبان في التسعينات، التي أوجب منظرو القاعدة والملتحقين بها الهجرة إليها كدار إسلام، ثم توجيهم لكل بؤر التوحش وما يظنونه ملاذات آمنة يمكن أن يقيموا فيها إماراتهم القاعدية الخاصة! وكما يقول عبد الرحمن الراشد:" قد خطفت الجماعات المتطرفة- المهووسة بالدم- عواطف الشباب قبل سواعدهم، وحولتهم إلى كتائب جاهزة للقتال في أي اتجاه تشير عليهم به، وبالتالي خطفوا العقول"[1].

 ولكن- مما يؤسف له- إصرار البعض- من المنتسبين للفكر الحقوقي- عما يعتبرونه  حقوقا للتطرف والمتطرفين في الحرية غير المقيدة، للتعبير عن آرائهم وقناعاتهم، دون النظر لخطورة هذه الأفكار وتأثيراتها المدمرة، وضحاياهم وأهليهم، ودون النظر لتكامل نظرية الحق بين استحقاق إنسان لها وايمان ذات الإنسان بحق الآخرين فيها، لا تكفيرهم وتدميرهم[2]!
الأمن الفكري..المناصحة وإعادة التأهيل 

على المستوى الوطني كانت تجربة السعودية رائدة في مواجهة الإرهاب، سواء على المستوى الفكري أو الأمني الاستباقي، أو إعادة إدماجهم في المجتمع.

وقد نشأ في هذا السياق برنامج المناصحة والرعاية والذي تبنته السعوديه منذ قرابة ثمانية أعوام نتج عنه تقديم اعانات مالية بأكثر من مليار و367 مليون لـ 13500 حاله , وأعيد الى التعليم 23 فرداً  وتم توظيف 177 مستفيدًا وأعيد إلى وظيفته أكثر من 330 فردًا فيما وصل عدد المستفيدات من برنامج المناصحة والرعاية منذ تأسيسه حتى الأن 23 إمرأه من داخل السجون السعوديه , فيما استهدف البرنامج في مساره الوقائي لأكثر من 68 أسرة داخل منازلهم وهي المناصحة الموجهه التي تستهدف أسرة بعينها, وعبر هذا البرنامج نجحت المناصحة في إقناع ما لا يقل عن 10% من المتطرفين المسجونين في السجون السعودية في الإقلاع عن أفكارهم المتطرفة والعودة عنها..
ويبدو أن المناصحة التي دشن برنامجها العام 2005 تتحول مؤسساتيا وتمتد أذرعها كجزء من الأمن الفكري والاجتماعي وتجفيف الروافد الفكرية للإرهاب ونقد مقولاته عبر الحوار المباشر مع عناصره وناشطيه، فقد افتتح الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية مساء 25 سبتمبر سنة 2013 افتتح وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف مركز المناصحة والرعاية بمنطقة مكة المكرمة بحضور أعضاء المجلس الأعلى للمركز، ويقع هذا المركز شمال محافظة جده ويشمل 12 وحدة سكنية تتسع لـ 228 مستفيدآ وعددآ من الملاحق الأخرى كصالات رياضية وملاعب وشاليهات ومنتزهات ومركز طبي، ويقوم على ثلاثة مسارات أساسية:

أولا: المسار الوقائي والموجه الى جميع فئات المجتمع من خارج السجن .

 ثانيا: المسار العلاجي ويستهدف من هم داخل السجن .

 ثالثا: مسار الرعاية والتأهيل والذي يهدف إلى اعادة المستفيدين المحالين من السجون من خلال تقديم الإرشاد والدعم الفكري والنفسي إضافة إلى الاجتماعي.

وعلى الجانب الآخر تشرف وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في المملكة العربية السعودية على حملة السكينة لتعزيز الوسطية والتي بدأت بجهود شباب سعودي متطوع، تستهدف التواصل مع أصحاب الأفكار المتطرفة على شبكة الإنترنت، من أجل مناصحتهم وتصحيح أفكارهم الخاطئة، ونقد مقولاتهم الأساسية والمفاهيم المركزية التي يعتمدون عليها، وقد نجحت الحملة حتى أكتوبر سنة 2010 في حوار من 3 آلاف شخص منحرف وقد تراجع منهم نحو 1500 شخص بعضهم تراجع 100% والبعض الآخر بنسب متفاوتة[3].

 

عودة المطلوبين:

 ولعله في سياق تناولنا لبرنامج المناصحة والأمن الفكري التي رادتها المملكة من المهم أن نستحضر طلب العديد من قيادات القاعدة وعناصرها المطلوبين العودة للدولة السعودية وتسليم أنفسهم للسلطات السعودية، بل طلب المساعدة منها للخروج من ملاذات القاعدة بؤر التوحش الإرهابية، بعد أن اكتشفوا بأنفسهم فساد ما آمنوا به، وهو ما تتميز به المملكة عن العديد من الدول الأخرى التي لم يعرف إلا قليلا عودة بعض المطلوبين فيها، وشمول استراتيجيتها في مكافحة الإرهاب، من فرار الإرهابيين إلى عودتهم.

 ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر محمد عتيق العوفي أحد قيادات القاعدة في اليمن، الذي سلم نفسه للسلطات السعودية عام 2009 وكشف عن علاقة تربط بعض قيادات القاعدة ب إيران[4]،  فترة، قبل عودته للوطن وعودته عن أفكاره المتطرفة السابقة! وفي 7 يوليو سنة 2013 ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) عن المتحدث الأمني بوزارة الداخلية أن الجهات "الأمنية المختصة تلقت اتصالا من أحد المغرر بهم ممن تم استدراجهم إلى مناطق تشهد اضطرابا" من دون أن يحدد المكان، وأضاف المتحدث أن المطلوب "أبدى رغبته في العودة وتسليم نفسه للجهات الأمنية. وتم ترتيب وتسهيل عودته وزوجته إلى المملكة"، مؤكداً أنه "سيتم أخذ مبادرة المطلوب بعين الاعتبار"، كما تم استرجاع آخر في مارس سنة 2013، وحتى سبتمبر/أيلول 2012 تمكنت السلطات السعودية من "استعادة 8 من المطلوبين أحدهم سبق الإعلان عن اسمه ضمن قائمة 85 مطلوبا، كما أعلنت الداخلية السعودي في 11 فبراير سنة 2014 عن عودة مطلوب سعودي آخر من قائمة المطلوبين ال  26 يدعى بن سعود بن عبدالله آل طالب ـ سعودي الجنسية بالرجوع عن أفكاره السابقة، مسلما نفسه للسلطات الحكومية.

السعودية والاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب:

من هنا لم يأت هذا القانون مفاجئاً، ولكن حلقة في منظومة شاملة من الإجراءات والخطط لمكافحة الإرهاب، جذبت الانتباه دوليا وإقليميا، على المستوى الوطني أو المستوى الدولي، حيث تلتزم المملكة بتنفيذ كافة الإجراءات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وتمويله ومنها ما كان يتعلق بتجميد الأصول، وحظر السفر والأسلحة بحق جميع الأشخاص والكيانات المدرجة على القائمة الموحدة للجنة العقوبات بمجلس الأمن، وكذلك كانت الممكلة دائماً ما تحرص على توثيق التعاون مع الدول والمنظمات الدولية من أجل مكافحة ظاهرة الإرهاب، خاصة مع لجان الأمم المتحدة المعنية بهذا الشأن، وكذلك مع مجموعاتها الفرعية ومنها لجنة العقوبات المفروضة على تنظيم القاعدة وعلى حركة طالبان بموجب القرار 1267 لعام 1991، وكذلك عملت المملكة العربية السعودية على الانضمام والتوقيع والمصادقة على جميع الأتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب، والتى من بينها الأتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب عام 1999، والأتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل لعام 1997 وغيرها من الاتفاقيات الدولية.

لم تتوقف جهود المملكة عند اتخاذ التدابير الدولية لمكافحة الإرهاب، بل امتدت لتشمل عددا من التدابير والخطوات الإقليمية، ومنها انضمام المملكة إلى عدد من المعاهدات الأقليمية فى مجال مكافحة الإرهاب، والتى كان من بينها معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب عام 1999، وكذلك الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في2004، كما حرصت السعودية على التوقيع على عدد من الاتفاقيات الأمنية سواء مع الدول الأجنبية أو مع عدد من الدول الأسيوية والإسلامية وكذلك مع عدد من الدول العربية، ومنها مذكرة التفاهم للتعاون بين المملكة العربية السعودية وبريطانيا فى مجال الإرهاب ومكافحة المخدرات والجريمة المنظمة،وكذلك مذكرة التفاهم حول مكافحة الجريمة بينها وبين الهند، واتفاق التعاون بين وزارة الداخلية فى المملكة ووزارة الداخلية فى تونس، واتفاق تعاون أمنى بينها وبين اليمن، وغيرها من الاتفاقيات، علاوة على قيام المملكة بأجهزتها المختلفة بتنظيم عدد من المؤتمرات الدولية لمكافحة الإرهاب وذلك بغرض تقديم مقترحات بنائة وفعاله لمعالجة هذه الظاهرة والقضاء على العنف والتطرف ومكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال،وكان أخرها عقد مؤتمر دولى لمحاربة الإرهاب بالتعاون مع الأمم المتحدة والسعودية ومشاركة حوالى 49 دولة في الرياض وذلك فى 16/2/2013 ، وجاء ذلك فى إطار دعوة سابقة للملك عبدالله بن عبد العزيز خلال مؤتمر الدولى لمكافحة الإرهاب فى الرياض عام 2005 على انشاء مركز دولى تحت مظلة الأمم المتحدة، وهو ما أقرته الجمعية العامة فى أواخر سبتمبر 2011 وهو المركز الذى يهتم بتعزيز استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب عن طريق صياغة خطط استراتيجية داخلية واقليمية ودولية لمكافحة الإرهاب كما تعهدت المملكة بتمويل هذا المركز بحوالى 10 ملايين دولار لثلاث سنوات، واتخذت كل السبل من أجل تفعيل دوره علي مدار الفترات السابقة.

ثانياً : القانون.. حلقة جديدة واستباق جديد:

عادت ظاهرة الإرهاب مرة أخرى لتكون من أكثر الظواهر تهديداً للسلم والأمن الدوليين، نشطت  فروع جديدة للقاعدة في بؤر التوتر الإقليمي الحادة، بعضها لم يكن معروفا من قبل مثل تنظيم بيت المقدس المصري، وبعضها قاطع مع القيادة المركزية للقاعدة لتكون قاعدة مستقلة أكثر تشددا وأكثر عنفا شأن داعش، التي تواترت الأخبار والأدلة عن العلاقة بالنظام الإيراني المتحالف مع الأسد، منها ما ورد في تقرير الخزانة الأمريكية حول سلسلة عقوبات جديدة ضد إيران في 9 فبراير الماضي طالت شركة إيرانية تدعم جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة في سوريا، كما كشف التقرير عن لشخصية أساسية في تنظيم القاعدة موجود في إيران، ويقيم في مدينة مشهد" ويدعى أولمزون أحمدوفيتش صادقييف، والذي قالت إنه يعمل "بعلم السلطات الإيرانية" ويدير شبكة مسؤولة عن نقل الأموال والمقاتلين الأجانب عبر تركيا لصالح "جبهة النصرة" والشبكات التابعة للقاعدة في سوريا.

اتساقاً، مع هذا الواقع الجديد واستباقا له، واتساقا ومع التدابير والإجراءات الأقليمية والدولية التى اتخذتها المملكة العربية السعودية لمكافحة الإرهاب، تم إصدار المرسوم الملكي رقم م/16 بتاريخ 24/2/1435 ( 25/1/2014) بالموافقة على نظام جرائم الإرهاب وتمويله، وذلك بالنص على معاقبة من ارتكب أي فعل بغرض الإخلال بالنظام العام سواء بشكل مباشر أو غير مباشر،أو زعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة،وكذلك من يقوم بأى اجراءات تعرض وحدة المملكة للخطر أو تساعد على تعطيل النظام الأساسي للحكم أو بعض مواده، وكذلك الاساءة إلى سمعة الدولة أو مكانتها أو إلحاق الضرر بأحد مرافق الدولة أو مواردها الطبيعية، كما ينص القانون على معاقبة أي شخص يرتكب جرائم تتعلق بتمويل الإرهاب، ويتضمن ذلك جمع الاموال أو تقديمها أو أخذها أو تخصيصها أو نقلها أو تحويلها كلياًأو بشكل جزئى لأى نشاط إرهابى سواء كان نشاطاً فردياًأو جماعياً فى داخل حدود المملكة أو خارجها.

لعل هذه النقطة الأخيرة، تنقلنا إلى جزء يعد هو الجزء الأهم فى القانون وهو المتعلق بمعاقبة كل من ارتكب أياً من الأفعال المتعلقة بالمشاركة في أعمال قتالية خارج حدود المملكة بأي صورة كانت او من يساعد فى ارتكابها أو حرض عليها أو كانت له أي دعم أو مساهمة فيها، وكذلك معاقبة من كان له انتماءات للتيارات أو الجماعات – وما فى حكمها –الدينية أو الفكرية المتطرفة أو المصنفة كمنظمات إرهابية داخلية وخارجية (اقليمياً ودولياً ) وكذلك تأييدها أو تبنى أفكارها وتقديم أي من اشكال الدعم المادى أو المعنوى لها، وحدد القانون مدة العقوبة علي هذه الجرائم بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشرين عام، كما اوضح المرسوم الملكيتغليظ العقوبةفي حالة أنه من ارتكب هذه الأفعال من ضباط القوات المسلحة أو افرادها لتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن خمسة سنوات ولا تزيد عن ثلاثين سنة.

وانطلاقاً، من هذا القانون قام خادم الحرمين الشريفين بالدعوة لتشكيل لجنة متخصصة تتكون من وزارة الداخلية باعتبار أن القانون نص علي حق وزير الداخلية بإصدار أوامر بالقبض على من يشتبه فى ارتكاب جريمة من هذه الجرائم سابقة الذكر وله ان يفوض من يراه وفقا لضوابط يحددها، كما يحق لوزير الداخلية الأفراج عن الموقوفين أو المحكوم عليه فى جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون اثناء تنفيذ العقوبة وفقا للمادة (4) من فصل الإجراءات والمادة (24) من فصل الأحكام الختامية من القانون، وكذلك وزارة الخارجية على اعتبار ان القانون نص على معاقبة أي مرتكب للجرائم سالفة الذكر خارج حدود المملكة العربية السعودية، ووزارة الشئون الأسلامية والأوقاف والدعوة و الأرشاد حيث نصت المادة (26) من القانون فى فصل الاحكام الختامية على ضرورة ان تنشأ مراكز متخصصة تكون مهمتها الأساسية التوعية التربوية للموقوفين او للمحكوم عليهم فى أى من الجرائم سالفة الذكر، وكذلك المادة (27) من نفس الفصل على أن تقوم وزارة الداخلية بأنشاء دور تسمى " دور الإصلاح والتإهيل " تكون مهمتها الرئيسية الأعتناء بالموقوفين أو المحكوم عليهم ومحاولة إدماجهم فى المجتمع، على أن يكون الدور الأساسى لهذه اللجنة إعداد قوائم حول هذه التيارات والجماعات وتقوم اللجنة فى نفس الوقت بتحديث هذه القوائم بشكل سنوى,

الدوافع وردود الفعل:

1- مواجهة العناصر المتشددة أو الجهاديين الذين يقاتلون في سوريا، الذين لا توجد إحصاءات دقيقة لهم، إلا أن البعض يحددها في 2000 مقاتل، سوريا يحسبون على المجموعات الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة أيأن نسبتهم تجعل المقاتلين السعوديين يحتلون المركز الثانى فى سوريا منذ اندلاع الأزمة، وبذلك يكونوا هم الأكثر عدداً والأكثر تأثيراً بين الجهاديين الأجانب الذين يحاربون نظام بشار الأسد .

وتجدر الإشارة إلي هذه النقطة أن المملكة العربية السعودية عانت طويلاً من عودة المقاتلين فى العراق بعد الأحتلال الأمريكى له عام 2003 ، وهو ما جعل المملكة تشهد تصاعد فى أعمال العنف خاصة عامى 2003 و 2005 .

ومن هنا اعتبر القرار مواجهة مسبقة واجراء احترازيا استباقيا قبل عودة هؤلاء الجهاديين إلى إراضيهم مرة اخرى، لتتجدد المعاناة والاستهداف والسلم الأهلي والاجتماعي، وكذلك براءة معلنة من إجرام الإرهاب طالما روج شائعتها مغرضون أوجاهلون بالحقيقة! من قبيل مطالبة دمشق فى أواخر عام 2013 مجلس الأمن بإتخاذ اجراءات فورية ضد السعودية لدعمها الفكر  التكفيري والإرهاب فى سوريا، رغم أن حرب الإرهاب ضد السعودية عقب أفغانستان وعقب العراق 2003 كانت دائما أكبر مما وجه لنظام الأسد الذي استطاع أن يعقد هدنته الدائمة مع هؤلاء على حدوده في العراق الذي توالت تنديدات مظاهرات الأخير بالدور السوري في دعم الإرهاب على أراضيه! فلم يكن ثمة مدخل للعراق حينئذ إلا عبر الحدود السورية وعبر أشخاص كأبي القعقاع غول أغاسي الذي ثبت فيما بعد أنه عنصر مخابراتي سوري لا أكثر، شأن ما ثبت عن يس السوري المقيم في مشهد الإيرانية ودوره في دعم النصرة على الأرض السورية خلال فبراير من هذا الشهر وبشهادة رسمية أمريكية[5]!

وهو الإمر الذى يتسق مع أراء العديد من الخبراء والمسئولين الأمنيين فى منتدى مراكش الأمنى الذى عقد فى يناير الماضي،واتفقوا من خلاله أن الخطر الذى يداهم العديد من دول المنطقة وكذلك بعض الدول الأوروبية يتمحور فى "  العائدون من سوريا " والمتشددون الذين يقاتلون هناك سواء فى خلايا تابعة لتنظيم القاعدة أو فى جبهة النصرة أو من خلال تنظيم داعشأو الدولة الإسلاميةفي العراق والشام .

2- جاء القرار الملكي ليواجه وبكل حسم الفتاوى المضللة التى ينشرها عدد من القوى المحسوبة على التيارات الدينية من امثال عثمان ال نازج –سعودى – الذى تقلد منصب مفتى لتنظيم داعش، والذى تعد اقواله بمثابة خداع للتأثير على عدد من الشخصيات والشباب السعودي للانضمام لصفوف الجهاديين في سوريا والأنضمام غلى كتائب الأكثر تشدداً هناك.

3- الظروف الأقليمية المتوترة المحيطة بالمملة العربية السعودية وما تتيحه هذه الظروف من استغلال جماعات متشددة ومتطرفة بخلق بيئةجديدة وبؤر مناسبه للخلايا الإرهابية في ظل سقوط الأنظمة الاستبدادية القمعية منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، وضعف السيطرة الأمنية، وانتشار حالات الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والأمني في عدد من البلدان العربية، وسهولة الحصول على الأسلحة وتمريرها عبر الحدود، كلها دوافع واضحة دفعت المملكة إلى اتخاذ هذا القرار الملكي.

4- يرى عدد من المراقبين والمحللين أن الدافع وراء اتخاذ القرار هو استهداف عدد من الجماعات جماعة الأخوان المسلمين وانصارهم فى المملكة العربية السعودية خاصة بعد اتخاذ مصر قرار حظر عمل الجماعة واعتبارها تنظيم إرهابي، وهو ما يعد أحد الاسباب وراء سعى المملكة إلى تخفيف منابع الجماعة من خلال عدد من الإجراءات،وهو ما يوفره القرار الملكي، وبذلك يعطي القانون أي اجراءات ستتخذها المملكة الصبغة القانونية، ومن ناحية اخرى يعد القرار تأييداً لجهود السلطات المصرية لمواجهة اعمال العنف سواء من قبل جماعة الإخوان المسلمين من انصارها.

وفى ظل هذه القراءة للقانون محل البحث، تجدر بنا الأشارة إلى ردود الأفعال الدولية والأقليمية على وجه الخصوص حول هذا القرار، حيث رحبت السلطات المصرية والعديد من رموز القوى السياسية فى الساحة المصرية بالقرار واعتباره يتسق مع الأتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب، وانه جاء ليمثل ضربة جديدة لقوى الإرهاب والظلام، حيث أشاد به شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وأكد "انه ينطلق من سد الذرائع المفضية لأستهداف منهج البلاد الشرعى وتألف  القلوب عليه من قبل المناهج الوافدة التى تتخطى ضوابط الحرية فى التبنى المجرد للأفكار والأجتهادات إلى ممارسات عملية تخل بالنظام وتستهدف الأمن والاستقرار" .

علاوة على ترحيب الشيخ راشد بن عبد الرحمن سفير البحرين بالقاهرة بالقرار يعبر عن الدور الفعال والمهم للملكة فى هذا الإطار، وأشار إلى أهمية تبنى الدول العربية القرار السعودى تأكيداً على حرمة الدم، حيث أن هذا القرار يؤكد على قيم الاسلام الوسطى ونبذ التطرف، كما أشاد الامين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربى الدكتور عبد اللطيف الزيانى بالقرار، واعتبره يستكمل الطريق السعودى لمكافحة الإرهاب فى ظل الدعم الكبير الذى يقدمه خادم الحرمين الشريفين للمركز الدولى لمكافحة الإرهاب وهو ما يعزز جهود المجتمع الدولى فى مكافحة الإرهاب، وفى نفس السياق أعرب الدكتور قيس العزاوى مندوب العراق الدائم لدى الجامعة العربية عن تقديره بالقانون حيث انه يجسد ادراكاً واضحاً وعميقاً لمخاطر الإرهاب فى المنطقة بشكل عام، ويعتبر خطوة عملية من قبل أعلى السلطات فى المملكة لتجفيف منابع الإرهاب، خاصة وان العراق سبق وان طلب من القمة العربية الثالثة والعشرين التى عقدت فى بغداد فى مارس 2012 بإدراج مكافحة الإرهاب على جدول اعمالها وهو ما طالبت به القمة العربية الأفريقية  فى اكتوبر الماضى بالكويت، وعلى صعيد أخر اعتبر النائب حسن  الياسري عن "دولة القانون " أن خطر الجماعات الجهادية هو الدافع الرئيسى وراء سن هذا القانون، ولكنه فى نفس الوقت اشار ان القانون يعد تقييداً للحريات المتعلقة بالتظاهر والرأي، وكأن النائب الياسري يبعث برسالة الي المعتصمين في بعض الساحات العراقية.

وفي ضوء استعراض أهم ردود الأفعال حول القانون، اوضح الدكتور عبد العزيز عبد الله رئيس منظمة الشعوب العربية والبرلمانية أن القرار يعد دعم معنوى لمصر واعتبر القرار يراعى مبدأ التوازن بين الاخطار التى تؤول إليها تلك الجرائم الإرهابية وبين حماية حقوق الأنسان التى حفظتها الشريعة الإسلامية وأكدتها

     بالتالي يعد القرار السعودي الاخير المتعلق بمكافحة الارهاب وتمويله خطوة ايجابية نحو تفعيل الجهود الدولية سواء بالشكل فردى أو بشكل جماعي لمواجهة خطر الإرهاب الدولي ، وعلى صعيد أخر، ولكنه متسق مع الموضوع،أعلن مصدر قضائى بريطانى بأن مواطنى المملكة المتحدة في مطلع شهر فبراير الجاري الذين يقاتلون فى سوريا سيخضعون لأستجوبات صارمة فور عودتهم وسيتم احالتهم للقضاء من أجل محاسبتهم، ويأتى القرار البريطانى بعد إصدار المرسوم الملكى السعودى لمكافحة الإرهاب، ويعبر هذا القرار عن حجم القلق والمخاوف التى تسود الأتحاد الأوروبى بشكل عام من ملف العائدون من سوريا، كما اعربت كندا في نفس الوقت عن قلقها البالغ من مشاركة عدد من الكنديين فى نشاطات إرهابية، حيث أعلن مدير جهاز مكافحة التجسس ميشال كولومب أمام لجنة فى مجلس الشيوخ الكندى ان ما لا يقل عن 130 كندى يشاركون فى نشاطات متطرفة مرتبطة بالقاعدة وان عدد منهم سقط قتيلا سواء فى عملية مصفاه الجزائر العام الماضي،أو في الهجمات التي تقوم بها حركة الشباب الاسلامية فى الصومال أو فى الصراع المسلح الدائر في سوريا، ويأتي هذا فى ظل تقرير أعده المركز الدولى لدراسة التطرف فى لندن والذى اشار فيه إلى ان اكثر من 11 ألف مقاتل اجنبي دخلوا سوريا للقتال ضد نظام بشار الأسد قادمين من أكثر من 70 دولة.

وفي 10 فبراير الماضي 2014 نشرت التليجراف البريطانية تحقيقا حول مئات المسلمين البريطانيين الذين سافروا للجهاد في سوريا، وانضموا لمجموعات جهادية- النصرة- مرتبطة بالقاعدة هناك، بعد نشر فيديو لأحدهم على الفيسبوك، كما نشر آخر صورا لتعذيب أحد المعتقلين بفعل هذه المجموعات ، وحسب ماهر شيراز الخبير في المعهد الملكي لدراسات الإرهاب فإنهم لا يفكرون في العودة![6].

ختاما يأتي هذا القانون الخاص بمكافحة الإرهاب وتمويله،  في وقته استباقا واحترازا لزخم تعود فيه القاعدة وفروع الإرهاب المعولم كمخاض للأزمات المستمرة فيها، واستثمار بعض الأنظمة لها بشكل مباشر وأشكال غير مباشرة، وأخطاء مقصودة وغير مقصود، دون استراتيجية شاملة في مكافحة هذا الخطر العالمي الذي يهدد السلام الوطني والإقليمي والدولي معا.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.