ضاعفت المبادرة الرئاسية، حدة التوتر الناجم عن قرار رفع أسعار المشتقات النفطية، في وقت خرج الرئيس هادي يتعهد بإنفاذها، وهي لا تزال محل رفض على مستوى الداخل اليمني، باستثناء ترحيب من طرف واحد فقط (معسكر الرئيس).

كان الشارع يترقب، بقلق، ولادة حل سياسي شفاف ونزيه، يوفر مخرجاً واضحاً لبلد دخل عملياً في المجهول. إلا أن المبادرة جاءت لتضع المزيد من العوائق في طريق إنهاء التصعيد المحتدم في البلاد، مقابل تسويغ بقاء الوضع الراهن يراوح مكانه.

وحملت نصوص المبادرة، إشارات صريحة إلى أن الرئيس عبدربه منصور هادي، يحاول استغلال الأزمة الأخيرة، لتمرير صيغ تسويات تخدم حساباته المرحلية فقط، من خارج التوافق المنبثق عن المبادرة الخليجية والآلية المزمنة.

فبينما اعتمدت المبادرة الخليجية، آلية التوافق السياسي بين كل المكونات اليمنية، كآلية ناظمة لقرارات المرحلة الانتقالية، وكذا لحسم أي خلافات بهذا الخصوص، اتجه الرئيس هادي إلى نسف قواعد التوافق فيما منح شخصه حق اتخاذ القرار المطلق.

وفي هذا السياق، أعطت المبادرة الرئاسية لشخص هادي، حق اختيار اسم رئيس الوزراء في الحكومة الجديدة، وكذا خوَّل نفسه اختيار الوزراء في الوزارات السيادية: (الدفاع، الداخلية، الخارجية، والمالية) إلى جانب تحديد حجم مشاركة "طرفي المبادرة الخليجية والقوى السياسية الأخرى وأنصار الله والحراك الجنوبي السلمي والمرأة والشباب" في بقية الحقائب الوزارية.

ولوحظ في مضامين مبادرة الرئيس هادي، رغبة واضحة للتخلص من الالتزامات المنصوص عليها في المبادرة الخليجية، مقابل فرض واقع جديد، وفق تصورات الرئيس هادي، وبمعزل عن القوى المشكلة لعملية الانتقال الجاري.

وبرأي كثيرين، فإن الرئيس هادي لم يهدف من خلال المبادرة الأخيرة، إيقاف التداعيات المترتبة على قرار الجرعة السعرية، بقدر ما حاول توظيفها في سياق مشروع سياسي يركز على ترحيل القضايا والهروب من إنفاذ استحقاقات المرحلة، وصولاً إلى إطالة عمر الأزمة.. ويستند هؤلاء، إلى كون بقاء الرئيس هادي في السلطة، مرهوناً ببقاء حالة اللاستقرار.

ومثلما يعتبر تمديد الفترة الانتقالية لأكثر من عامين، وفق مؤتمر الحوار، هو الانقلاب الأول على المبادرة الخليجية، فإن خروج مبادرة هادي عن خط الخليجية والتوافق السياسي، إلى فرض معطيات جديدة من وجهة نظره هو، يُشكل الانقلاب الثاني على التسوية القائمة بشكل عام.

وتضمن الاتفاق، الذي أعلنه الرئيس اليمني تشكيل حكومة جديدة، والتراجع جزئياً عن رفع أسعار الوقود بتخفيض 500 ريال من سعر مادتي البترول والديزل، مقابل سحب الحوثيين للاعتصامات والنقاط، وانسحابهم من عمران، وبسط نفوذ الدولة على سائر البلاد، وسادساً "خطة اقتصادية شاملة".

وكان يأمل أن تحل هذه المبادرة الأزمة الحاصلة، وأن تنظر في كل المطالب، ومنها تنفيذ مخرجات الحوار، وقضية الدستور للوصول إلى الانتخابات، غير أنها لم تأتِ بجديد بهذا الخصوص، بقدر ما تكرس شرعية الاختلال القائم في المنظومة العامة للدولة، سواءً فيما يتعلق باستمرار المحاصصة في التعيينات العليا أو في تقسيط الحلول للإبقاء على الأزمة أكبر قدر ممكن من الوقت.

وبالنسبة للبنود المعلنة في المبادرة، فإن جوهرها كان ترحيل أولويات المرحلة، حيث اكتفى الرئيس هادي بـ"تغيير الحكومة" فضلاً عن "تخفيض أسعار الوقود"؛ فيما أغفلت قضايا في غاية الدقة والحساسية، إذ لم تتطرق إلى تنفيذ مخرجات الحوار والاستفتاء على الدستور الجديد، وصولاً إلى إجراء الاستحقاقات الانتخابية في الموعد.

وتباينت ردود الفعل حول المبادرة، ففي حين يراها المؤيدون لهادي، المخرج الأنسب من الأزمة، يراه آخرون مخرجاً للأخير فقط، كون نصوصها تكفل للرئيس إحكام سيطرته على مؤسسات الدولة العليا، فضلاً عن تأجيل مفتوح لاستحقاقات المرحلة الانتقالية، وهو الهدف الذي يسعى إليه هادي برأي كثيرين.

وفي أول ردّ فعل رسمي من الحوثيين، أعلن المتحدث باسم الجماعة، محمد عبد السلام، رفض جماعة الحوثيين للمبادرة الرئاسية، مؤكداً أن موقفهم لا يزال إلى جانب الشعب اليمني الذي خرج في ثورته ليطالب بحقوق مشروعة وعادلة"، كما اعتبرها محاولة للالتفاف وتمييع المطالب الشعبية.

ومقابل هذا الرفض المعلن، يكون الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات، على أن أسوأها انفجار الموقف عسكرياً في صنعاء أو بعض مناطقها، مع الإشارة إلى أن من الوارد، أيضاً، أن يستمر السيناريو الحالي في المزيد من التفاوض لإقناع الحوثيين بهذه المبادرة.

وتجدر الإشارة إلى أن عدم شفافية التعامل الرسمي مع المتغيرات، منح غطاءً للتحركات التي يقوم بها الحوثيون، وأضفى عليها نوعاً من المشروعية، بينما تمثل تلك التحركات، في سياق محاولات لا يُمكن تجاهلها، إسناداً واضحاً لمهمة توفير مبررات بقاء الوضع المتأزم أكثر قدر ممكن من الوقت.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.