“إن حريتي لا أستمدها من خلايا ضعيفة من خلايا جسدي، وإن قيودي لا تنبع من خوفٍ على عذرية واهية تمزقها خبطة عشوائية وتوصلها غرز العلم، قيودي أضعها بنفسي حين أريد القيود، وحريتي أمارسها بإرادتي كما أفهم الحرية”.


 “سأخوض المعركة وسأحتمي في نفسي.. في ذاتي.. في قوتي.. في علمي.. في نجاحي”.


 “إن إرداتي هي التي تحكمني وليس المكان أو الزمان أو الناس”.



 عن هذه المرأة الحُرة التي تقول في ساعات ما يخاف أن يقوله المثقفون والمفكرون طيلة أعمارِهِم! هذه المفكرة التي تزاوج في سطورٍها بين قضايا عِدة يخاف أن يخوض غمارها هؤلاء التنويريون الذين يتشدقون بالحرية ويصدعون رؤوسنا برغبتهم في كسر الحواجز والتابوهات، هذه السيدة الشُجاعة الجريئة التي ما أن تتحدث في أحاديثها التليفزيونية –القليلة نوعاً ما بسبب موقفها من الإعلام- فتطلق للسانها العنان فتنتقد السُلطة بممثليها بحُكامِها بإعلامييها وتتحدث فيما تريد أن تتحدث عنه دون خوفٍ أو مواربةٍ أو تملقٍ أو لجوءٍ لحيل الرمز أو الإسقاط؛ فهي تقول ما تريد في الوقت الذي تريد وبالطريقة التي تريد دون أن تعبأ بمن ينتقدها ومن يتفق معها، فالأهم وأن ترضي ضميرها، المهم وأن تبتعد عن الزيف وتزوير الحقائق وإثباتات العلم حتي ولو لم تتوافق مع أعراف المجتمع وتقاليده وموروثاته، فمرارة الحقيقة ونقد المألوف لديها ألذ وأطعم من ذُل الصمت والاتفاق مع المجموع، تفضل عَلقَم الاتساق مع المبادئ والذات علي حلاوة إرضاء الآخرين والسير في ركبِهِم؛ ولذا فلا يمكن أن تستمر في الكتابة بأية جريدة اللهم إلا فترة قليلة حتي تُطْرَد منها وتذهب إلي أخري وتلاقي فيها مثل ما لاقته في سابقتها وهكذا دواليك لأنها لا تخضع لأية سياسة تحريرية، يخافها الإعلاميون؛ لأنهم يتوقعون منها أن تقول أي شئ ولا يمكن توقع ردود أفعالها، يخافُها الرؤساء والحُكام والوزراء والأطباء لأن لسانُها لا يُلْجَم وألسنة النقد اللاذعة قد وخزت من قام بمواجهتها في صدرِه.


 أسمعتم عن مفكرٍ أو تنويريّ تحدث في خمسين إبداعاً ومُؤَلَفاً ونيِفٍ عن قضايا الحِجاب والمثلية الجنسية والختان وأبناء الزِنا ونظرة الأديان للمرأة بالمقارنة بالرجل..إلخ؛ يا لهذه الجرأة تقول في كافة الأماكن والمؤتمرات واللقاءات التليفزيونية الحِجاب رجعية… الحِجاب حِجاب العقل.. مساحيق التجميل هي حِجاب ما بعد الحداثة!! لا تري عيباً ولا حَرَجاً في المثلية الجنسية فاعترفت بصداقتها لهؤلاء الذين يفضلون علاقاتهم الاجتماعية والجنسية مع نفس الجنس مع تقديرها لحريتهم واختياراتهم، وعندما تحدثت عن أسباب تلك الظاهرة لم تفصلها عن قسوة هذا النظام ثنائي المعايير الذي يحكم العالم وبالطبع هذا المجتمع الازدواجي؛ قائلةً قولتها الشهيرة: السُحاقيات خُدِعْنَ من رِجال والمثليين خُدِعوا من النساء، لم تكتفي فقط بالهجوم علي عادة خِتان الإناث؛ وإنما دافعت عن حق الذكور في عدم تشويه أعضائهم التناسلية تحت مُسمي الختان والطهارة، لم تترك ديناً أو معتقداً أو تياراً فِكرياً أو سياسياً إلا ونقدته ووضحت تلك المبادئ الازداوجية الغير إنسانية التي يحويها؛ فإنسانيتها وتقديسها للعدل وللمساواة بين البشر يفوق إيمانها بأي كتابٍ أو معتقدٍ أو دين. إنها المرأة التي كانت ترفض ذلك النظام العالمي الأوحد وتلك الحضارة الأبوية العُنصرية الدينية التي كان تتسم بالنفاق والازدواجية؛ فكانت تقوم علي الفصل بين الروح والجسد.. الرجل والمرأة.. الذكر والأنثي.. الحاكم والمحكوم.. السيد والعبد؛ فرأت تلك الثنائيات هي التي أفسدت تلك المجتمعات وتسببت في قهر النساء والفقراء والأطفال.


أتدرون؟! هذه المرأة كتبت كتاباً من أروع ما كُتِب في فن السيرة الذاتية في سجنها؛ مُسْتَخْدِمَةً قلماً للحواجب وورق التواليت، تلك المرأة التي كانت تبث الأمل في نفوس زميلاتها السجينات مثلها بسبب آرائهم المخالفة لنظام الحُكْم؛ فتنبأت بموت السادات في سجنِها وخروجها ورِفاقها من سجون السُلطة الظالمة الغاشمة، هذه الطبيبة التي قام وزير الصحة برفدها من عملها لأنه كان يريدها أن تكتب له خطبة عن إنجازاته فرفضت أكثر من مرة وكتبت في مرةٍ أخرى أخطاءه، بالخطبه، وفقدت وظيفتها في وزارة الصحة المصرية بسبب كتابها “المرأة والجنس” التي نشرته باللغة العربية في القاهرة فى بداية الستينات ومنع توزيعه من قِبَل السلطات السياسية والدينية؛ ففي بعض فصول الكتاب أفكار ضد المحظورات والمحرمات السائدة بالنسبة للتيار العام، هذه المرأة التي وقعت كثيراً من مقالاتها باسم أمها: نوال زينب السيد؛ رغبةً منها في نسب الأولاد الذين يتم إنجابهم خارج مؤسسة الزواج إلي الأم بسبب رفض القوانين الظالمة الاعتراف بهم؛ تلك القوانين الجائرة التي تبرر نزوات الرجال وسقطاتِهم وتسبغ علي النساء صفاتٍ كالساقطات والمومسات مع أن الرجال هم من يسعون إلي تلك العلاقات وهم من يدفعون نظير إتمامها! هذه المرأة التي غيرت مفهومنا عن الشرف الذي كُنا نظن أنه يقبع بين فخذي الرجل وأسفل المرأة لتقول: “إن شرف الإنسان رجلًا أو امرأة هو الصدق؛ صدق التفكير وصدق الإحساس وصدق الأفعال. إن الإنسان الشريف هو الذي لا يعيش حياة مزدوجة؛ واحدة في العلانية وأخرى في الخفاء”. 


إنها الفلاحة ابنة كفر طحلة التي علمتها أمها أن شهوة العقل لا حدود لها، كانت تري أفكارها لا تصدم إلا الأغبياء الذين لا يعرفون فضيلة التفكير وقيمة العقل، تلك الفتاة التي كان يعلمها أبواها أن الشك في كل شئ مقدمة للمعرفة؛ ولذا فقالت أكثر من مرة أنها أسقطت ما تعملته في المدارس والجامعات من رأسها ولم يتبقّ إلا كلمات أبيها وأمها، هذه الفتاة التي تعلمت من جدتها الأٌمِية أن الله هو العدل والحرية، هذه النوال التي تري الوحدة والإبداع صنوان لا يفترقان، فتقبع في برجها العالي- وليس العاجي- في شبرا؛ لأنها تعشق الأماكن المرتفعة، لا تريد الاتصال بأحد ولا أن تضيع وقتها في علاقاتٍ اجتماعية لا طائل من ورائها إلا تعكير صفو الإنسان وصرفه عن أدبه وإبداعه وفكره؛ ولِما لا وقد تزوجت ثلاث مرات وقمات بتطليق هؤلاء الأزواج؟! ألم تقُل: ويلٌ للمرأة المبدعة القوية من الازواج؟! ألم تقُل أيضاً: لا يستطيع رجُل أن يواجه امرأة أذكي منه فما بالكم بالزواج منها؟! وفي نفس الوقت يعيش عاطفها ومنيتها –ابنها المخرج عاطف و ابنتها د. مني- كُلٌ في شقته المستقلة؛ هذه الأسرة السعيدة التي رأت لذة الحياة وسعادتها في حياة الاستقلال والتفرُد مع الأفكار والورقة والقلم، هذه النوال التي تشعر بغربةٍ وسط الأطباء رغم حبها للطب، فقط لأن كل شئ يتحول لمهنة وتجارة في السوق الحُر، فكلية الطب تُخَرِج جزارين، والتعليم في مِصْر يُخرِج تجاراً

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.