تصاعدت حِدة المواجهات العسكريّة على طول جبهات القتال وعلى كل خطوط تماس المواجهة العسكرية والإعلامية وحتى التحريضية ، وزاد من شدة المواجهة الدامية ما تقوم به غارات طيران تحالف العدوان العربي بقيادة المملكة السعودية على الاراضي اليمنية ، وما تتركه من آثار موجعة وخسائر بشرية كبيرة جل ضحاياها من المدنيين البسطاء ، وترافق ذلك التوتير والمواجهات الدامية بصخب إعلامي واسع ، وحرب تصريحات إعلامية وإعلامية مضادة من كل المستويات القيادية تقريباً .
وكانت نهاية شهر رمضان المبارك وإيام عيد الفطر السعيد والأيام التي تلتها مسرحاً زمنياً لكل تلك التراشقات بالذخيرة الحية أو التصريحات الإعلامية الساخنة ، طرفي القتال في الساحات لم يتركوا ذخيرة واحدة إلا و وظفوها ، وكان آخرها قصف طيران السعودية على إحدى قُرى نِهم بمحافظة صنعاء مما أودى بإستشهاد أسرة كاملة مكونة من عشرة أفراد ، هم من الأطفال ، النساء ، الشباب والشيوخ العُزَّل ، وإنطلاق الصاروخ (العظيم) توشكا الذي أوقع ما لا يقل عن 179 قتيل من “جيش” أنصار السعودية من بينهم ( إسرائيليين ، سنغاليين ، سودانيين ، أردنيَين ، مغاربه ، سعوديين ، خليجيين ، و أنصار السعودية من اليمنيين ، وبالمناسبة فإن جميع القتلى هم مُرتزقة أكانوا عُربان أو يمنيين أو من جنسيات أجنبية ، لأنهم حضروا إلى اليمن للقتال مقابل المال المدنس القَذر (السعودي – الإماراتي – القطري) ليس إلاّ .
هذا السجال القتالي بين الجيش اليمني والأمن واللجان الشعبية من جهة ، وحلف العدوان السعودي ومرتزقتهم من كل أصقاع الدنيا من جهة ثانية ، لم يُلهي المواطن اليمني البسيط الساكن في قلب الأحياء بالمدن والقرى إلى التطّلع لشيء آخر هام ، إذ يرنوا ببصره وبصيرته صوب الكويت الشقيق لأمل في الله عز وجل كي يصنع السلام والأمان والاستقرار للوطن ، لأن حالة المُواطنين الحياتية والمعيشية أصبحت مُزرية ، ويعيش في أدنى مراتبها ، فالغالبية منهم ، لا وظيفة حكومية لديهم كي يستلموا عليها مرتب في آخر الشهر ، وليس لديهم أحدٍ من اسرتهم مُغترباً في مهاجر الدنيا كي يبعث لهم بمصروف الأولاد نهاية كل شهر ، وحقولهم الزراعية أصبحت متوقفة عن الزراعة تقريباً في مُعظمها بسبب شُح الوقود و إرتفاع أسعاره المتصاعدة بجنون ، ولم يعد يجد فرصة عمل لأن مُعظم المصانع أغلقت بسبب التدمير من قبل الطيران السعودي ، والبعض الآخر متوقف بسبب الحصار الجائر و بذلك توقف النشاط الإقتصادي في مُجمله ، ولهذا المواطن لم يعد يحصل على أي دخل شهري كي يستر بها إحتياجات أُسرته ، إذاً فكل الأبواب موصدةٍ أمام هذا المواطن الفقير من أقصى جنوب اليمن إلى شماله ومن أبعد قرية في شرق اليمن إلى آخر نقطة في غربه ، وبوضوح أكثر فإن الغالبية العُظمى من المواطنين ينتظرون الموت البطيء المُحقق كي يلاقوا حتفهم في أية لحظة من لحظات حياتهم ، و كما تشير مؤشرات تقارير الامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المحلية والخارجية إلى وقوع الكارثة الإنسـانية لا محاله .
هكذا حال الغالبية العُظمى من مواطني الجمهورية اليمنية ، يعيشون في قمة المعاناة ، البؤس، الحرمان والفقر المُدقع ، لكن بعض السياسيين (المُحترفين) كأنهم لا يسمعون ولا يشاهدون كل هذا الأنين المؤلم القاتل لمواطنيهم ، أو أنهم (مسؤولين) عن شعب آخر يعيش في جزر (الواق واق) ولا يعيش باليمن السعيد ، وأن كل ما يحدث وتنقله لهم وسائل الإعلام المحايدة نسبياً أولاً بأول لكل هذا الكم الهائل من المعاناة للمواطن البسيط لا يشاهدوه ولا تعنيهم في شيء ، و إن شاهدوه لا يحرّك لهم جفن واحد من وخز الضمير ، وإن هؤلاء النفر (من المسؤولين) يعيشون حالة انفصام تام عن الواقع تماماً ، لم تعد ضمائرهم الشخصية تؤرقهم ، ولم يعودوا يخافوا الله ولا نظرات عيون الأطفال ولا شحوب نظرات نسائه وشيوخه ومرضاه ٠
قبل يومين بدأت مشاورات الكويت في نسختها الثانية بين ممثلي طرفي النزاع السياسي باليمن من جديد ، فالوفد الأول أقلعت طائرته من العاصمة اليمنية صنعاء والوفد الثاني أقلعت طائرته من (مقره الدائم) من العاصمة السعودية بالرياض ، الجميع يتحمل المسؤولية التاريخية عن إستمرار نزيف الدم اليمني ، والمعرقل منهم سيُلعن في كل كُتب التاريخ التي ستحكي رواية المأساة المؤلمة للشعب اليمني ٠
الحل المنطقي والقابل للنجاح والإستمرار ، هو في (حزمة الحل الكاملة) بالمشاركة الوطنية في إدارة دفة البلاد في المرحلة الإنتقالية في سلطة سياسية وطنية توافقية ، مع مصالحة وطنية كُبرى ، وليس هناك حلٍ قادمٍ قائمٍ على إقصاء طرف لطرف آخر ، كما إن الرهانات على وهم الانتصار عبر الحل العسكري ثبت فشله تماماً لدواعي الجغرافيا الملتحمة بالديموغرافيا وفولاذية الإرادة الوطنية ، وان الدخول في تفاصيل ( إبليس ) لطلب الحل السحري تعد مضيعة للوقت ، وان المستفيد من إطالة أمد الحرب والحصار يستفيد منه نَفَر لا يتجاوزوا أصابع اليدين والرجلين من تجار الحروب ، ولكن على الكل ان يدرك أن المستفيد والرابح الأكبر من تمدد جغرافية الحرب والمعارك هم تنظيمي الاٍرهاب والفوضى من عصابات القاعدة وداعش والعصابات المُسلحة غير (المُهيكلة) والتي تضرب يميناً وشمالاً في كل وقت وزمان ومتى شاءت ٠
إن النصيحة الهامة التي يقدمها المواطن البسيط في بلدكم اليمن ، و أنتم الفرقاء السياسيين على طاولة الحوار بالكويت بأن تتحرروا من تغول وسائل الإعلام وتأثيرها النفسي التي تضطرم مفرداتها النارية العدوانية في هذه المرحلة المفصلية من فصول الحوار السياسي بين اليمنيين .
فالخـلاصـة :
قال الله محكم كتابه الكريم ﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء: 128] ، وفي الآية الكريمة الثانية لذات المدلول : ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [النساء: 114].
انها آيات بينات لذوي الألباب ، وتذكيراً لنا جميعاً بأن هذه الآيات الكريمة بمثابة دروس وعضات من الله عز وجل ، هي للتطبيق على الأرض وليست للإستعراض البلاغي من على منابر الجوامع والمساجد وفي ساحات الإعتصامات و المهرجـانات ، والله أعلم .
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾
محافظ مدينة عدن
a_binhabtoor55@yahoo.com

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.