يشهد الشارع المصري حالة من الانقسام بين ساخط وموافق على مضض على الإجراءات التي اتخذتها الحكومة أمس بتحرير سعر صرف العملات الأجنبية ورفع أسعار البنزين والسولار والغاز الطبيعي.

ميدانياً، شهدت الأسواق المحلية انهياراً لقيمة العملة المحلية وارتفعت أسعار الدولار بعد ساعات من تحريره الذي بدأ بـ13 جنيها في البنك الأهلي المصري إلى 16 جنيها في البنك التجاري الدولي في ختام تعاملات اليوم الأول، ومع إقرار الزيادة في أسعار المحروقات منتصف الليل تكدست السيارات أمام محطات الوقود ولم تمض ساعات حتى شهدت البلاد موجة تضخم واسعة في أسعار السلع والخدمات ووسائل المواصلات تتجاوز أضعاف قيمة الزيادات المقررة من دون أن يقابلها أي تحسن في الأجور.

وبينما عقد محافظ البنك المركزي مؤتمراً صحفيا مساء الخميس لشرح أبعاد خطة تعويم الجنيه، حاولت حكومة المهندس شريف إسماعيل تبرير موقفها في مؤتمر صحفي صباح يوم العطلة الأسبوعية وصف خلالها رئيس الوزراء تلك القرارات بالإصلاحية والثورية، دعا مجلس المحافظين لاجتماع طارئ غداً السبت لتشديد الرقابة على الأسواق ومحاولة الحد من التضخم، وأعلن رئيس الوزراء عن زيادات طفيفة في أسعار توريد المحاصيل الأساسية بواقع 30 جنيها لأردب القمح و150 جنيها لطن قصب السكر وزيادة الدعم على البطاقات التموينية بقيمة 3 جنيهات.. وتوقعت وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي بزيادة قيمة المعاشات نحو 15 مليار جنيه بجانب 14 مليارا أخرى تنفقها الوزارة للرعاية الاجتماعية من خلال برنامج "تكافل وكرامة"، إلا أن ذلك لم يمنع تحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصات لتفريغ الطاقات السلبية والاعتراض ربما على الطريقة المصرية بإطلاق النكات الساخرة، في حين استغل عناصر جماعة الإخوان المحظورة تلك القرارات لتأجيج حالة السخط العام تجاه الحكومة وتعزيز موقفها الداعي لإطلاق تظاهرات احتجاجية واسعة في 11 من الشهر الجاري.

القرارات غير المسبوقة والتي خرجت في أسبوع العطلة البرلمانية ولم يفصح عنها لممثلي الشعب جاءت بعد جلسة عاصفة أمهل خلالها البرلمان المهندس شريف إسماعيل شهرا لتقديم تقرير الأداء ومعالجة الأزمات الاقتصادية المتفاقمة أو الرحيل كما حملت العديد من علامات الاستفهام عن توقيت إصدارها وما لقيته من ترحيب لدى صندوق النقد الدولي الذي يعتقد كثيرون أنها ضمن شروطه المسبقة لحصول مصر على قرض الـ12 مليار دولار، ويقول رئيس الحكومة إنها قرارات إصلاحية مصرية خالصة.

الملفت في الأمر أن التوقعات كانت تشير لمحاولة استرضاء الحكومة والنظام للشارع المصري وامتصاص غضبه قبل 11/11 الجاري لإحباط مخطط جديد لإسقاط الدولة تحت شعار ثورة الفقراء إلا أن اختيار هذا التوقيت لتحرير سعر الصرف وزيادة أسعار المحروقات دون الالتفات لتلك الدعوات إنما يعبر عن كسر حاجز الخوف لدى النظام وتضاؤل تأثير جماعة الإخوان في الرأي العام ولا تخلو التطورات السياسية من توقعات برحيل حكومة المهندس شريف إسماعيل بعد مواجهة وشيكة مع مجلس النواب المصري في غضون الأسابيع القادمة

ويرى مراقبون أن استباق الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوات 11 نوفمبر بحوار مع الشباب كان فيه مستمعا لمختلف الآراء من المعارضين والموالين له أفشل مخطط تنظيم الاحتجاج المزمع، إلا أن القرارات الاقتصادية الأخيرة منحتهم الأمل في استجابة البعض لتلك الدعوات، هذا في وقت تسود حالة في المناخ السياسي العام وإيمان لدى غالبية الشعب المصري بأنهم يدفعون فاتورة 5 سنوات من الفوضى والتظاهر، ما يجعل فرص نجاح تلك الدعوات شبه مستحيلة.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.