علي عبدالله صالح حكم اليمن لثلاثة وثلاثين سنة فتح خلالها أبواب البلد لجميع الأطياف السياسية المعارضة.. احتضنهم واحتواهم في المؤتمر الشعبي العام ثمانينيات القرن الماضي ثم أفسح مجال التعددية العلنية للجميع بعد تحقيق وحدة البلد.

أعاد الرؤساء السابقين إلى البلد.. كرّمهم وأعطاهم مكانتهم التي يستحقون حتى أصبحت اليمن البلد الوحيد في العالم الثالث التي تشاهد فيها عدة رؤساء في صورة واحدة.

بعدما سلم السلطة أصبح (عمليا) معارضا سياسيا لكن في ظل سلطات ديكتاتورية قمعية فاسدة ومتواطئة على التدمير الممنهج والمتعمد لجميع مؤسسات الدولة وتفتيت البلد دون أن يملك حتى حق الاعتراض أو إبداء الرأي بل العكس..

أصبح المطلوب منه الحضور والمشاركة الصورية (كشاهد زور لا أكثر) للموافقة والتوقيع على المؤامرات الواضحة لتمرير مخططات تفتيت البلد تحت تهديد العقوبات الدولية ناهيك عن التهديدات الواضحة بالملاحقة العسكرية والتصفية الجسدية من قبل سلطات الداخل وبموافقة وتواطؤ الخارج..

الزعيم الراحل واجه وعانى من التحديات والتهديدات ما لا يُحتمل لكنه واجهها بكل ثبات وشجاعة وعزم وصلابة حتى اللحظة الأخيرة؛ ليلقى في النهاية مصيره المحتوم على يد سلطة قمعية ديكتاتورية لا تقبل ولا تسمح بأي صوت معارض حر معتبر ووازن.. سلطة بدائية متطرفة تريد أن تجعل من البدائية والتطرف وباء يصيب الجميع.

المفارقة في الأمر أن الرجل الذي حكم اليمن لثلاثة وثلاثين سنة وفّر لليمنيين خلالها أفضل مناخ ديمقراطي ممكن في تاريخ اليمن والمنطقة العربية كلها، تم تصفيته جسديا في النهاية، ولكن ليس كرئيس دولة تم اغتياله من قبل المعارضة.. بل كمعارض سياسي تم تصفيته من قبل السلطة الحاكمة بعد ما عانى كل انواع الويل والتضييق من السلطة التي سبقتها..

المفارقة أن الرجل الذي كان رمزا للديمقراطية عانى جميع ويلات الدكتاتورية من السلطات اللاحقة ابتداء بالتضييق والقمع وانتهاء بالتخوين والقتل.

مفارقة محزنة لكنها نهاية مشرّفة لرجل شجاع وعظيم كان بإمكانه الخروج من البلد مبكرا والعيش في رفاهية ورغد في اي مكان يختاره في العالم لكنه أبى إلا البقاء في بلده والثبات على مبادئه والموت دونهما.. رحمة الله عليه.

حقق الزعيم الراحل في حياته من المآثر والمنجزات ما يخلد ذكراه، ثم ختم حياته الحافلة بنهاية مشرفة تزيده خلودا فوق خلوده... نهاية رجل شجاع.

* صفحة الكاتب على فيسبوك

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.