انتشرت في الآونة الأخيرة ظهور بعض القنوات الفضائية المخصصة لعرض الأفلام العربية والأجنبية المترجمة والمد بلجة بأنواعها المختلفة ومنها ما جاء خصيصا لعرض الأفلام الهندية التي يجد فيها متابعوها من الجمهور رغباتهم وميولهم المختلفة إذ تستحوذ أفلام الأكشن على عقول وإعجاب العديد من الشباب باعتبارها تحمل طابع المغامرة والإثارة والتشويق في نظرهم بعكس ما يحذر منه علماء النفس والدين من الأضرار والأخطاء الناتجة عنها , وأما الفتيات فهن يتقن لمشاهدة ومتابعة الأفلام الهندية الهادئة والرومانسية التي ما من فيلم هندي إلا وبه قصة حب مشوارها مليء بالمغامرة والمكابدة من الطرفين حتى يلتقي بطل وبطلة الفيلم في نهايته وهذا هو الروتين المتكرر عند الهنود ..
عاصم محمد مهدي 18 عاما- يبدي استمتاعا كثيرا بمتابعة الأفلام الهندية قائلا: لقد سئمنا من الأفلام العربية لأنها روتينية ولا تحمل أي جديد ولا يوجد فيها أي تشويق ولكن الهندية جمعت كل الأذواق والألوان لذا فأنا دائما أشاهدها بمعدل ثلاث ساعات في اليوم.
جمال الهنديات ووسامة الهنود
تقول علياء عمار -جامعة صنعاء- في الحقيقة يعجبني كثيرا في هذه الأفلام هو الاختيار الموفق للممثلين الوسيمين والممثلات فائقات الجمال, فأندهش من جمال وسحر الشعر الذي يمتلكنه كيف يغدو بهذا الطول وهذه السلاسة , ليس كما نحن العربيات استخدمنا مختلف الكريمات وعجائب الطرق فذاب مثل الثلج, وبالمقابل فأنا أنصدم من رؤية الهنديات الممرضات هنا في اليمن أختلاف شاسع وفرق كبير عما نراه على شاشات التلفزيون !!
وتضيف علياء: لذا فأنا أحتفظ في جهاز تلفوني مجموعة كبيرة من صور الفنانين والفنانات الهنود أمثال: أيشواري/ شاروخان / هريتيك..
أما محمد الحسن- موظف- يبين سر اهتمامه بهذه الأفلام قائلا: ما يشد انتباهي ويثير إعجابي هو وجود الروح القتالية وألعاب الكراتيه فيها بالإضافة إلى شجاعة وحماسة أبطالها الذين يبدو من مظهرهم التمتع بقوة جسمانية عظيمة ووسامة في الشكل والمظهر, وهذا بالفعل لا نراه حادثا في أفلامنا العربية الذين لم يصلوا بعد إلى هذه الحركات البطولية والقتالية التي بلا أدنى شك تميزت بعرضها الأفلام الهندية عن غيرها, فبالإضافة إلى ذلك فإنها قد جمعت ما بين الرومانسية والمغامرة..
وترى غادة أحمد الشميري- ماجستير ترجمة- بأن الكم الكبير من هذه الأفلام المعروضة لا تناقش قضية معينة وليس في عرضها أي فائدة تذكر, فلا يهم الرومانسية ولا المظهر ولا الروح القتالية بقدر ما يعنينا الموضوع التي جاءت لطرحه وعلاجه, وتضيف غادة: إلى الآن لم أجد فيلما متميزا عن جداره كفيلم ( جود أكبر) الذي يروي حياة سلطان جمع كافة الفصائل الهندية تحت حكم واحد, وقد كانت بالفعل قصة تاريخية ومؤثرة تحوي فوائد جما حقيقية بعيدا عن الخيال المفرط والدلال الممل !!
قصائد هندية
كان لتواجد الجالية الهندية بشكل كبير في بلادنا في العقود الأخيرة أثر كبير في حياة الناس , جعلتهم يتعرفون أكثر على عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم الممتعة نوعا ما, هكذا استهلت بشرى راجح- مدرسة مادة اللغة الإنجليزية حديثها وأضافت قائلة: فأنا أحب التخاطب مع الهنديات المقيمات عندنا ولو أني لا أفهم من حديثهن إلا القليل فهن يتحدثن معنا بالهجة (الخواجة) المكسرة كقولهن: ماما في إبرة لازم يضرب, وصباح خير لما نوم يكمل,وقصيدة أخرى على هذا النهج أحب تكرارها مرارا وإهدائها وهي:
أنت في واحد قمر
أنت يحبه كل نفر
أنت ما يشوف أنا
أنا في يموت قهر
إنت لو ينسى أنا
أنا في يبكي مطر
إنت ما يكلم أنا
أنا في يموت خطر
إنت في نوم كتير
أنا في كتير سهر
بينما جلال رازح- خريج ثانوية عامة- يحتفظ بالعديد والكثير من الأغاني والأفلام الهندية قائلا: أحبها كثيرا وأحب أن أحفظ عناوينها وأسماء أبطالها حتى أتمكن من مجابهة أصدقائي الذين يرونني أقل منهم ثقافة ومعرفة ولا أعرف حتى كيفية نطقها , لذا فالعديد منهم الآن يطلب استعارتها مني واحدة تلو أخرى, فأنا دائما أحرص أن أقتني الجديد منها لأنها بالفعل مثيرة ومشوقة في أحداثها وقصصها..
عرس هندي
لمياء صالح- 22 عاما- في شهر العسل الآن تقول: كان يوم عرسي وزفافي في الحقيقة يوم لا يعوض بشهادة جميع من حضرنه, فقد كان متميزا عن بقية كل الأعراس لأنني جعلته ذا طابع هندي فاشترطت من الفرقة أن تكون الزفة باللغة الهندية وكذلك كانت الرقصات بالإضافة إلى فساتين قريباتي وصديقاتي المفصلة بطريقة هندية غاية في الروعة والجمال ,وما كان قد عرض قبل الزفة من مقاطع تمثيلية أيضا باللغة الهندية مجسدة بشخصية الأمير شاه في مراسم زفافه مع زوجته تاج محل بعد عناء وفراق وطويل كلل بعد ذلك بالزواج.
وحال سؤالنا لها عن سبب هذا الاختيار والتغيير عن الأعراس التقليدية المعروفة أجابت بسعادة بالغة وبلهجة واثقة: ببساطة لأن الناس ملوا من الروتين المتكرر بتقاليده النصية وأغانيه المتوارثة أبا عن جد, لذا فهم يبحثون عن كل جديد في كل أمور حياتهم وأنا واحدة من هؤلاء الناس,فإلى الآن مازلن فتيات حارتنا يتحدثن بالتفصيل الشديد وبإعجاب بالغ عن يوم زفافي, وأضافت لمياء: أنا لم أذهب في حياتي إلى الهند ولا يوجد معي أقارب هناك ولكنني تعرفت على كل هذه الطقوس والتقاليد الهندية عن طريق الأفلام التي أحب متابعتها باستمرار.
وبهذا توافقها الرأي نادية حزام حيث تقول: في الحقيقة هي فكرة غاية في الروعة لما لا أجربها في يوم زفافي, لتكون الزفة عبارة عن مزج مابين الصنعاني والهندي.. وهذا يعتبر من باب التميز لتبقى لنا إثر ذلك ذكريات رائعة وجميلة لا تنسى !!
وقت الصلوات وهو عند الهنديات
أبو مروان حمير- تاجر تجزئة- يقول متذمرا ومستاء من حال أبنه: يأذن ظهر وعصر ومغرب وابني جالس يتفرج على ( المتبرجات والمدوخات هولا الهنديات ) وعندما أعود من عملي, أذهب لرؤية مروان لأعرف ما الذي يشاهده, وهذا الآخر بمجرد ما يشعر بأنني قادم إليه يقلب القناة والمحطة على الفور إلى قناة المجد أو العفاسي أو الفجر بحجة أنه يستمع إلى القرآن والذكر والمحاضرات الدينية وسبحان الله يترك الصلاة !!
ويضيف أبو مروان إلا إنني لم أسمح له بالتمادي فأخذت منه جميع السيديهات والأشرطة وقمت بتكسيرها وثم أخفيت عليه الماطور ليتفرغ لنفسه ولدراسته وليحافظ على صلاته واستقامته, فالإنسان مسئول عن شبابه وعمره فيما أفناه.
وتتفق معه أم عاصم وتضيف: ولدي بعد أن يرى هذه الأفلام التي أكثرها ضرب وقتال وكرتيه يصبح كالمجنون داخل البيت, فيقوم بتطبيقها على أخواته وإخوانه الصغار, وكل ساعة ولحظة وأنا أقوم لأفرع بينهم, ولكن دون جدوى أصبح مهمل في دراسته, كل يوم معه مشكلة مع الجيران يا ضارب يا مضروب, أما صلاته خليها على الله, أحيانا يصلي صلاة الظهر ركعتين من دون خشوع ولا ركوع وأحيانا لا يصليها بحجة التعب والإعياء بعد مشاكله الدامية, وينهي يومه الفوضوي بأن يغلق الباب على نفسه طيلة العصر حتى الساعة التاسعة أو العاشرة من الليل ينهي الفيلم الأول ويظهر الثاني وهكذا.
وتختم أم عاصم حديثها: فكرت الآن إدخاله معهد أو مركز لتدريب الكراتيه ليتصارع هناك مع المتصارعين !!
الهروب من الواقع
تقول هدى أحمد المعبري، أخصائية اجتماعية، أن متابعة الشباب والفتيات لهذا النوع من الأفلام هو رغبة منهم للخروج من الوقع إلى الخيال، بحيث أنهم لا يستطيعون مشاهدتها في الحياة العامة تحت ضغط العادات والتقاليد التي يعتقدون بكونها قيداً عليهم، وأيضاًُ كان للفراغ الاجتماعي والعاطفي دوراً كبيراً تفاقم هذه الظاهرة، ولو ملء الشباب وقتهم في مجالات ووسائل من شأنها تنمي قدراتهم ومواهبهم الخيرة وتقضي على هذا الفراغ القاتل الذي يدمر على أحلي أيام العمر التي يعيشونها في ربيع شبابهم ليغدوا أثر ذلك هذا الفراغ مجالاً للانحطاط الأخلاقي فكم هي تلك القنوات الهادفة التي تغني عن متابعة ما سواها مثل قناة:أقراء والعفاسي.
ضياع المجتمع
تقول خديجة المتوكل - مرشد ديني وزارة الأوقاف- بأن شبابنا يعاني اليوم من الخواء الروحي ولذلك يقع فريسة سهلة للاستعمار الفكري والغزو الحاصل من قبل القنوات التلفزيونية والانترنت، وكلها تضخ لإفساد الشباب والفتيات، فلا يعد يرضي الطرف الأول بالآخر، فالقناة تبحث عن فارس الأحلام، كالذي رأته في الفيلم الهندي أو ذاك فتنصدم بالواقع، وكذلك هو حال الشاب الذي لا يجد تلك الفتاة المثيرة والجملية التي يراها في هذه الأفلام فيحصل إثر ذلك خلل في المجتمع ويكثر الطلاق والفسخ وتفكك الأسر وضياع المجتمع بسبب هذه الأفلام التي تأتي من مجتمع ليس بيننا وبينهم أي صلة أو علاقة.
وتضيف المتوكل: بعد ذلك يغدو كل من الشاب والفتاة ليس له أي دور أو فاعلية في مجتمعه، وكل همه وجل تفكيره التقليد الأعمى لما يراه في اللبس والحركات والميوعة.. سطحي التفكير متبلد وجاهل لتتفاقم هذه الظاهرة ويصبح - لا قدر الله - المجتمع متحللاً من كل القيم والاخلاق الفاضلة.. ومن هنا يجب على الجهات المعنية ووسائل الإعلام التنبه إلى هذه القضايا الخطيرة ومحاولة علاجها وتبيين خطورتها لتحصينهم من دخائل الشر والسوء.