كشفت مصادر وثيقة الاطلاع عن اعتزام حكومة الوفاق الانتقالية في اليمن تمرير جرعة سعرية جديدة مع مطلع شهر رمضان المبارك لتقليص مخاوف ردود الفعل الشعبية إزاء مثل هذا القرار الذي يزيد من الأعباء المعيشية المتردية أصلا، ويفاقم من كارثة الجوع والمعاناة الإنسانية التي يهوى إليها اليمنيون منذ ما يزيد عن عامين ونصف.
ونقلت يومية صحيفة "الشارع" المستقلة والواسعة الانتشار عن مصدر سياسي رفيع المستوى قوله إن مشاورات أخيرة تجري بين رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي, وحكومة الوفاق الوطني, لإقرار جرعة جديدة ستؤدي الى رفع أسعار السلع الغذائية, و تكاليف الحياة في اليمن.
وأوضح المصدر أن الحكومة الوفاق، قدمت الأيام الماضية, مقترحاً للرئيس هادي يقضي برفع سعر الدبة البترول (20 لترا) من 2500 ريال الى 4500ريال, وإضافة 500 ريال على سعر الدبة الديزل.
ووفقاً للمقترح الحكومي, فسيتم رفع سعر مادة البترول من 125 ريالاً الى 225 ريال للتر الواحد, فيما سيتم رفع مادة الديزل من 100 ريال الى 125 ريالاً للتر.
وأضاف المصدر, الذي طلب عدم ذكر اسمه: "الرئيس هادي عدل سعر الدبة البترول الى 3500 ريال, وأبقى على مقترح رفع سعر الديزل, وهذا الرفع فرضه على الحكومة البنك الدولي كشرط لدعم الحكومة, وإدخالها في برنامج إصلاحات اقتصادية بإشراف مباشر من البنك".
وطبقا لصحيفة "الشارع توقع المصدر البدء بتنفيذ هذه الجرعة خلال الأسابيع القادمة"؛ مشيرا إلى أن صخر الوجيه, وزير المالية, سبق أن أكد في تقرير قدمه, مؤخرا, الى مجلس النواب, ضرورة رفع الدعم المقدم لمادة الديزل, والدخول في برنامج للإصلاحات الاقتصادية بإشراف البنك الدولي.
وقال: "تنفيذ هذه الجرعة أمر مؤكد, وهناك اتفاق أن يتم تنفيذها أخر يوم في شهر شعبان, أو أول يوم من شهر رمضان القادم, والشعب صائم, وإذا حصلت تظاهرات ستكون ضعيفة".
وأضاف "ستؤدي الجرعة القادمة الى رفع أسعار جميع السلع في اليمن, وجرى قبل أكثر من شهر إعداد قائمة بالسلع الكمالية, بحيث يتم السماح برفع أسعارها, وتم تحديد عدد من هذه السلع غير الضرورية, بينها السكر, التي اعتبرها معدو هذه القائمة سلعة كمالية سيجرى السماح برفع سعرها؛ لكن الأرجح أن أسعار جميع السلع سترتفع, وستعجز السلطة عن ضبط السوق أو الرقابة عليه".
وأكد المصدر في سياق تصريحه للصحيفة بأن لا خيار أمام حكومة الوفاق -التي يترأسها تكتل المشترك ويتقاسم نصف حقائبها الوزارية مع حزب المؤتمر الشعبي واحزاب التحالف بمقتضى التسوية الخليجية- غير تنفيذ هذه الجرعة.
مضيفا بالقول "لكن الجماعة في الحكومة, وخاصة أحزاب اللقاء المشترك, وعلى رأسها تجمع الإصلاح-إخوان اليمن- خائفون من ردة الفعل الشعبي, ويبحثون عن مقدمات ومبررات للبدء بتنفيذ الجرعة, وتقول المعلومات إن هناك خلافات حول تنفيذ الجرعة, حيث يقول البعض إن ذلك سيكون كارثة على أحزاب المشترك, وستكون ردة الفعل الشعبي مباشرة ضدهم؛ لأنهم رفعوا سعر الدبة البترول في أقل من سنتين, من 1500 الى 3500, بأكثر من 125%, وهذا القفزة الكبيرة لم يعملها حزب المؤتمر خلال 33 سنة".
وكانت معلومات صحفية قالت إن "البنك الدولي أبلغ الحكومة اليمنية أنه مضطر الى وقف جميع المنح والقروض المقدمة من البنك نفسه, وكذلك المانحين الذين كانوا تعهدوا بها في مؤتمرات عدة لأصدقاء اليمن", مشترطاً دخول اليمن في برنامج الإصلاحات بإشراف مباشر منه, وهو الأمر الذي يقتضي رفع الدعم الحكومي عن عدد من السلع على رأسه مادة الديزل.
وكانت حكومة الوفاق -المتصفة بالإخفاق وممارسة الفساد غير المسبوق وبلا حشمة بحسب تصريحات اخيرة لقيادات رفيعة بالحوار الوطني الجاري في اليمن -التزمت للمانحين بتنفيذ إصلاحات مالية واقتصادية وإدارية مقابل الحصول على منح وقروض من المانحين, "وربط البنك الدولي جميع القروض والتمويلات المختلفة المقدمة الى اليمن, بإنجاز الحكومة اليمنية تقريرها الخاص بالشفافية, وتقديمها أواخر الشهر الجاري".
يذكر أن الاضطرابات التي يشهدها اليمن منذ مطلع 2011 مع موجة الاحتجاجات المنادية بإسقاط النظام تسببت ولا تزال في أزمة حياتية ومعيشية وإنسانية كارثية اجتاحت غالبية اليمنيين على نحو لم يسبق له مثيل ، ولم تحضى باهتمام دولي وعربي وحتى محلي فاعل.
وخلال فترة الاضطرابات والتي لا تزال بتداعياتها وتصعيداتها التخريبية، كثيرا ما قطعت ولا تزال كل من الطرق و إمدادات الوقود والكهرباء ما ادى ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وعززت الحكومة الانتقالية المعاناة بجرعة سعرية في الوقود وبنسبة 100 بالمائة بنهاية العام 2011.
ونحو كارثة جوع ومعاناة إنسانية يهوى إليها اليمنيون اليوم كما أجمعت تقارير إنسانية محلية ودولية نتيجة استمرار موجة الاضطرابات والانفلات الامني والتردي الاقتصادي التي تشهده البلاد خلال الفترة الانتقالية الممتدة حتى مطلع العام المقبل وسط تحذيرات من انهيارها وعملية الانتقال السياسي الهشة ،ومعها انهيار بقايا دولة.
وطبقا لتلك التقارير فقد اجتاح الفقر اليمنيين ليفضى 55 بالمائة منهم تحت خط الفقر باقل من دولارين في اليوم، ويعاني عشرة ملايين من "نقص الامن الغذائي"، ونصف هؤلاء يعانون من "نقص حاد في الامن الغذائي".
وبالنسبة لنصف اليمنيين تقريباً من اجمالي السكان 25 مليون نسمة ، بات الحصول على القوت اليومي "الطعام" هدفاً يكافحون من أجله ولا يحققونه دائماً..وفي بعض الأيام لا تحصل الام على اي طعام لها ولأبنائها .
وارتفعت نسبة البطالة في صفوف الشباب الى 60%، وهو عامل اساسي في انعدام الاستقرار في البلاد.
وبحسب أرقام الأمم المتحدة الأخيرة، شهدت السنة الماضية وحدها ارتفاعاً في اسعار الغذاء بنسبة 50%، فيما تضاعفت كلفة الحصول على مياه صالحة للشرب ثلاث مرات، ما ساهم بشكل كبير في التضخم الهائل الذي يعاني منه الاقتصاد اليمني.
واستقر سعر الريال اليمني في السوق عند نحو 215 ريالا مقابل الدولار بعد أن وصل الى 243 في ذروة الأزمة السياسية لكن انخفاض قيمة العملة والتضخم يعقدان أزمة الغذاء في البلاد التي يعيش ثلث سكانها البالغ عددهم 25 مليون شخص, بأقل من دولارين للفرد يوميا.