يظن العديد من الناس ان الافعال اهم من الكلمة، والحق اقول : ان هذا الظن يتناسي واقع ان الكلمة تغدو من اهم الافعال في اوقات الثورة. لا يجب تقييد الدعايا والتحريض باي شكل لضمان قول كل الحقيقة ، وفقط الحقيقة. بقوتها سنستطيع ان نغزو وعي المواطنين ومن بعده مجالس وزراء حكومات الاستبداد لنبني مجتمع الحقيقة.

دون انذار ورغم علمهم بان المقال موجه الى موقعهم بشكل خاص ولن يرسل الى اي موقع اخر، استخدم موقع الحوار المتمدن حقه في حجب مقدمة هذا العمل دون ابداء اي اسباب. برغم ان هذا الحجب شتت دورية صدور اجزاء هذا العمل فانه لم يضايقني على الاطلاق، فقد وافقت منذ البداية على شروط النشر على موقعهم ولم اتخيل يوما ان يحجب الحوار المتمدن اي من مقالاتي لاني لم ولن اخرق شروط النشر التي تنص على حجب المقال ان (تضمن توجيه إساءات او اتهامات غير موثقة .. أو بذاءة تمس شخص أو مجموعة أو جنسيّة ..) وحتى الان لم استطع استنباط سبب الحجب ، لكن على اي حال ، اعتدت الرقابة والحجب لمقالاتي العلنية والداخلية دون سبب لما كنت اناضل بصفوف منظمة الاشتراكيين الثوريين، وكنت قد ظننت انه يمكنني نسيان سلطة الرقابة على كتاباتي، لكن يبدو انه علي ان اعتاد مثل هذه السلطة ما حييت.
ان حق الشعب في معرفة كل شئ (الدبلوماسية السرية – النقاشات الحزبية – التفاصيل الادارية بالمؤسسات ..الخ) هي اولى المهام التي يجدر على الشيوعيين والثوريين تنفيذها لبناء انسان ذو وعي ثوري طبقي متكامل ، معتاد التفكير ويستطيع اتخاذ القرار وتحمل توابعه.

ان سيرورة حجب المقالات بدلا من الرد عليها لن تخدم تعميق الجدل الثوري وتحفيز الصراع الطبقي في شئ، العكس تماما ، بحيث يمكن التاكيد ان الاستمرار في سيرورة حجب المقالات خاصة اذا تملك القائمون على الحجب سلطات حكومية وتنفيذية ستصل بنا الى قمع حقيقي للافراد والافكار لنصل الى مسخ ديمقراطية دول القمع الراسمالية المتمرسة في قمع الكلمة وحجب المعلومات والافكار,

افهم جيدا ان شعبنا الفقير يتوق الى المعرفة والقراءة على وجه الخصوص رغم ما يروج عن عشقهم للجهل والامية. انا على العكس تماما من وجهة النظر هذه ، انادي بحق الجدل – خاصة السياسي - على رؤوس الاشهاد تعميقا لصراع الحقيقة ضد تزييف السلطات . اثق تماما بان توق شعبنا المظلوم للحرية والمعرفة سيدعمنا ما حيينا بشرط ان نقول الحقيقة وفقط الحقيقة.

شرح ماركس في "نقد فلسفة الحق عند هيغل" : يجب جعل الاضطهاد الواقع اشد وطأة، بأن نضيف اليه وعي الاضطهاد. وااكد مرة اخرى، ان حجب الحوار المتمدن لمقدمة هذا العمل لن يفيد النضال لاجل التحرر فضلا عن فضح العبودية والاضطهاد الحالي بقدر ما سيدثر ويخفي الحقائق السياسية والحزبية عن شعبنا المضطهد. ساجد مخرجا بالطبع لانشر افكاري. نحن ثوار ومناضلين ومحرضين القاعدة بينما نستخدم الكتابة لنحافظ على افكارنا فان اصواتنا ستظل عالية بها رغم التنكيل والقمع الذي نتعرض اليه حاليا. واكثر من ذلك، اذا قُدر ان نقتل بايدي الثورة المضادة البرجوازية، فلن يصاحبنا الندم وستكون آخر كلماتنا مؤكدة لافكار حياتنا (النصر للثورة والعمال.. ضد الجلادين والمستبدين عشنا ونموت) .

سانشر المقدمة واي مقال اخر يتم حجبه بصفحة الفيسبوك خاصتي وذلك جل ما استطيع فعله تجاه كتاباتي.

عذرا على الاقحام وااسف على الاطالة ان حدثت ، والى صلب المقال الذي احاول ان اشرح واثبت فيه حتمية الثورة والانتفاضة بمرور الزمن ، اما الجزء الثاني من هذا العمل، فيشرح مهام انتصار الانتفاضة وفقا لاعم استنتاجات التاريخ ، ووفقا لما تقوم به الجماهير للانتصار على الحكومات واجبارها على التراجع ، واخيرا وفقا لما يجب ادامته وضمان استمراره لمنع ارتداد الجماهير والثورة. لكن بالنظر لمهام الساعة ، فلاشك ان اهم ما نحتاجه الان هو تتبع مهام انتصار الثورة وكيفية هزيمة الراسماليين وجمهوريتهم (اي ما اشرحه في الجزء الثاني من هذا العمل) لكن بالتدقيق في الحالة الانية العامة لثورات الربيع العربي ، وبالنظر للتراجع الحالي للزخم والنشاط والمد الجماهيري الثوري، بالنظر لاحباط اغلب من ايدوا النشاطات الثورية وترديدهم لافكار وجمل مفادها (لافائدة من النضال) اجد نفسي مضطرا لشرح حتمية اندلاع الانتفاضة والثورة من جديد بمرور الزمن.

استطاع الرفيق كارل ماركس ان يصل الى اهم قوانين الصناعة الراسمالية عبر دراسة وتتبع التناقضات الداخلية للنظام الراسمالي. انه قانون (ميل معدل الربح للانخفاض وازمة فائض الانتاج)

برغم ندرة االسلع والمنتجات في مجتمعات ما قبل الراسمالية، استطاع نمط الانتاج الراسمالي (الملكية الخاصة للمصانع ووسائل الانتاج) تسريع معدل انتاج البضائع لحين تكدسها في المخازن والمعارض دون وجود مشترين كفاية لاستهلاكها رغم حاجة الملايين من البشر اليها. هذه هي المظاهر الاولية لازمة فائض الانتاج حتمية الاندلاع.

يسعى كل رجال الاعمال لخفض تكاليف انتاجهم لزيادة ربحهم ، فيدفعوا اقل اجور ممكنة لعمالهم، ما يسبب ضعف قدرة العمال على شراء واستهلاك البضائع. التي تتكدس بدورها في المخازن بمرور الوقت لعدم وجود مشترين. هكذا تنخفض دائما ارباح رجال الاعمال لحين تتوقف. فيندفع صغار الراسماليين نحو الافلاس واحدا تلو الآخر - بفعل القانون الاساسي المحرك لنظامهم: سعي الراسمالي الفرد وراء اكبر معدل للربح .

اعلان الافلاس واغلاق المصنع هو آخر افعال الراسمالي في مواجهة الازمة. ويسبقها فعلين او مرحلتين اساسيتين يظن بها الراسمالي انه يدفع ارباحه للزيادة.

في مواجهة ضعف بيع المنتجات وبالتالي انخفاض الارباح، يقوم الراسمالي بعد تأخير دفع اجور العمال، يقوم الراسمالي بزيادة ساعات العمل مع استمرار نفس الاجور ، ما يعني انتاج المزيد من البضائع بكلفة اقل . هكذا يظن الراسمالي انه يزيد من ربحه ، لكن ضعف القدرة الشرائية للعمال ولاغلب فئات المجتمع يظل على حاله ان لم يزيد.

المرحلة الثانية هي : فصل اكبر عدد ممكن من العمال لتقليل مصاريف الانتاج وبالتالي زيادة الربح . لكن الراسمالي الغبي بفصل العمال يقلل القدرة الشرائية لعائلاتهم اكثر فاكثر ما يعني ان ارباحه وارباح الراسماليين بشكل عام ستميل للانخفاض.

ضروري ان يصل الراسمالي في النهاية لاغلاق المصنع وتسريح جميع العمال لحين يبيع البضائع التي تملأ مخازنه. تحدث هذه السيرورة لاغلب الصناعات بالذات التي تُنتج سلعا باهظة الثمن. هذا المسار حتمي وان مر بتعرجات وتطورات شكلية لا تغير شئ في جوهر دورة النظام الراسمالي.

لا يمكن باي حال من الاحوال تجنب (ازمة فائض الانتاج) اذ انها تنبع بشكل اساسي من جشع كل رجال الاعمال وسعيهم نحو الحصول على ربح اكبر. طالما استمرت الراسمالية بما هي (ملكية الافراد للمصانع ووسائل الانتاج سعيا لتحقيق اكبر قدر من الاربح) ستستمر الازمة الداخلية للراسمالية.

(زيادة اجور العمال لتزداد القدرة الشرائية للطبقة العاملة - والطبقات الشعبية ككل – لتباع البضائع المكدسة بالمخازن) هو الحل الوحيد لهذه الازمة. وهذا الحل بالذات غير قابل للتطبيق في ظل الراسمالية اذ يحكمها ازدواجية (جشع الراسمالي الفرد وسعيه لاكبر ربح باسرع شكل – انعدام اي سلطة على الراسمالي الفرد بحيث يمكنه تصفية استثماره الذي يميل للخسارة والانتقال الى استثمار آخر يدر ربح اعلى)

انها ازمة توافر البضائع بكميات مهولة في المعارض والمخازن لكن فقر وضعف المواطنين عن الشراء يمنع بيعها واستهلاكها. فهل هناك نظاما مجنونا اكثر من الراسمالية؟ قانون "ميل معدل الربح العام للانخفاض" هو اهم القوانين المتحكمة في مسار راس المال الصناعي قبل ان يكون تابعا لراسمال البنكي والمالي. وحتى بعد تدخل العديد من رؤوس الاموال المالية والبنكية لانقاذ الصناعات الراكدة، مازلنا نعيش تحت قانون جنون وفقر المجتمع باسره اذ تُفقر الراسمالية ليس فقط الطبقة العاملة لكن صغار البرجوازيين ايضا.

اندلعت 20 ازمة انتاج كبرى منذ 1922 لكن ماذا يحدث عند تسريح العمال وقطع مصادر ارزاقهم؟ ماذا يحدث عندما تندلع ازمة فائض الانتاج؟

العمال المفصولين، الغير قادرين على شراء البضائع، الغير قادرين على دفع ايجارات السكن، لن يستسلموا هم واسرهم ليموتوا مشردين، ودائما يختاروا "الثورة" التي تندلع عندما يصبح استمرار هذا الواقع وبقاء من هم في السلطة مستحيلا. هكذا ترتبط الازمة الاقتصادية للراسمالية بالثورة. وهكذا استنتجت الصيغة الماركسية " الثورات حتمية بمرور الزمن".. لكن هل تحل "الثورة" مشكلة الازمة الاقتصادية التي تسببها الراسمالية وحكومات رجال الاعمال ؟؟

اندلعت اكثر من 30 ثورة في القرن الماضي شهدت جميعها : الاستيلاء على مخازن ومعارض البضائع، احتلال الميادين والمصانع المُغلقة، وبالطبع السعي لاقالة الحكومة والوصول لحكومة جديدة.

تلك هي مظاهرة الديكتاتورية الجماهيرية او الثورة الشعبية كما تكررت في ثورات القرن الماضي وثورات القرن الحالي الذي مازال في بدايته. واهم مظهر يثبت ان سلسلة المظاهرات والاحتجاجات الحالية التي بدأت في ديسمبر 2010 بتونس، هي ثورات شعبية تهدف لاسقاط الراسمالية : هو انتقال العدوى الثورية من بلد الى بلد ما يعني وجود نفس المشكلة في كل البلدان التي اندلعت فيها الاحتجاجات – يحللها اغبياء الليبرالية بانها الانظمة القمعية وهذا التحليل قبل ان يكون تآمرا مشوشا للواقع فانه لا يقدم تفسير صحيح لاسباب الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت مؤخرا في انظمة يسمونها ديمقراطية كاليونان واسبانيا وحتى الولايات المتحدة.

ليس الفقر وحده هو ما يدفع البسطاء للقيام بثورة – ولو هكذا الحال لكنا في ثورات لا تنقطع- لكن جنون الراسمالية الذي يجعل اشد الفقراء والمشردين جوعا ينامون الى جانب اكبر المعارض والمحال المليئة بالبضاعة، الذي يجعل الاسر الفقيرة التي يعمل اغلب افرادها يفقدون مصادر رزقهم عندما يغلق المصنع الذي يعملون به. عندما تندفع الراسمالية الى اقصى مراحل نموها، عندما يستتب النظام والحكومة الراسمالية وتسمح بزيادة ساعات العمل بشكل مطلق وبفصل الراسماليين لعمالهم وبتقليل الاجور دون رادع، عندما يُسمح باغلاق المصانع دون اي مراعاة لمن سيفقدون مصادر دخلهم، عندها تندلع الثورة ليرتفع صوت الجماهير للطبقات المالكة : لن تسير الامور وفقا لاهوائكم والان سنأخذ مصيرنا. لقد احياني القدر لكي اسمع هذا الصوت في اوضح صيغه (الشعب يريد اسقاط النظام)

الراسمالية هي ما تستهدفها الشعوب الثائرة حتى وان لم يفهموا ويحددوا معنى الشعار الذي دوى في افريقيا واسيا هذا القرن (اقصد "الشعب يريد اسقاط النظام")

ان الاسف وحده لن يكفي وينبغي العمل والكفاح لمواجهة الحقيقة التالية: جميع ثورات القرن المنصرم والحالي لم تستطع القضاء الدائم على الراسمالية. وبالتالي استمرت حكومات رجال الاعمال بعد سحق الثورة لتبدأ دورة راسمالية واقتصادية جديدة يحكمها نفس القانون "لا سلطة على الراسمالي الفرد في سعيه لاقصى واسرع قدر من الربح" ما يعني الوصول لازمة فائض الانتاج مرة اخرى. المفهوم الذي اهدف لشرحه هنا يمكن لخيصه كالتالي :

تحوي الراسمالية بداخلها "ازمة فائض الانتاج" التي تتسبب في اندلاع العديد من الاحتجاجات في اماكن العمل التي تتحول – عاجلا ام آجلا - الى ثورة شعبية تهدف جوهريا للخلاص من الراسمالية. وتنتقل الثورة من بلد الى آخر بفعل وجود نفس شروط الظلم في جميع بلاد الكوكب. لكن دون وجود بديل عن النظام الراسمالي وحكومات رجال الاعمال، تفشل جميع الثورات في تحقيق حتى ابسط مطالبها وبالتالي يستمر النظام الراسمالي. لنصل الى ازمة انتاج جديدة وبالتالي الى ثورة جديدة في نفس هذه البلدان. (1) هكذا يُقلع ويبدأ قطار الثورة العالمية لنصل الى "عهد الثورة الدائمة"

" في الحقيقة لم تظهر ثورة مهمة واحدة لم تؤد الى انتشارها في بلدان اخرى، فسرعان ما امتدت الثورة الروسية الكبرى 1917 الى فلندنا وبولونيا والمانيا والنمسا وهنغاريا , والثورة الاسبانية 1936 الى فرنسا , والثورة الصينية 1946 امتدت الى كوريا والهند واندونيسيا وماليزيا وحتى الجزائر , كما امتدت الاخيرة الى موزمبيق وانغولا وغينيا وصولا الى البرتغال حتى عموم امريكا اللاتينية، ويمكننا أن نضاعف عدد الأمثلة التي تظهر أن السيرورة الملموسة للثورة العالمية هي في الوقت نفسه سلسلة من الثورات "القومية" كما رآها الثوري الاممي ليون تروتسكي (2) فإذا كان هناك من يشك بحقيقة وواقعية‍ مفهوم تروتسكي، فما عليه إلاّ أن يتأمل القائمة التالية من الأزمات الثورية التي حصلت بعد ثورة روسيا 1905: بروسيا 1906-1909، الصين 1911، المكسيك 10-1917، النهوض الإيرلندي 1916، روسيا 1917، ألمانيا 1918، النمسا 1918، فنلندا 1918، بولندا 18-1919، بافاريا 1919، إيطاليا 19-1920، ألمانيا 1923، الصين 25-1927، إندونيسيا 1929، الهند الصينية 1930، إسبانيا 31-34-36-1937، فرنسا 1936، إيطاليا 43-1948، يوغوزلافيا 41-1945، اليونان 44-1945، الهند الصينية 45-1954، اندونيسيا 45-1948، الصين 47-1949، الجزائر 54-1962، بوليفيا 1952، كوبا 56-1962، أنغولا 62-1967، فرنسا ماي 1968، شيلي 70-1973، موزمبيق 73-1975، البرتغال 74-1975، أثيوبيا 1974، إيران 1978… إن هذه اللائحة بعيدة عن أن تكون كاملة، ويجب أن تلحق بها على الأقل بدايات الثورة السياسية في البلدان العمالية المبقرطة: جمهورية ألمانيا الديموقراطية 1953، بولندا 1956، هنغاريا 1956، تشيكوسلوفاكيا 67-1969. فهل هناك من أي شك بأن الثورة العالمية هي حقيقة أساسية، وفي أننا نعيش عصر الثورة الدائمة" (3)

ضمن اهم ما تتضمنه نظرية "الثورة الدائمة" لليون تروتسكي واظنها من اهم ما وصل اليه العقل الانساني المفكر – رغم كونها قد تظهر الان كبديهيات لكن تروتسكي وصل اليها في عهد الاقطاع وقبل ظهور الصناعات والدول الراسمالية الكبيرة :

1-    لن تنتصر الثورة طالما استمر رجال الاعمال في الحكومة. والطريق الوحيد لانتصار اي ثورة يمر بالخلاص نهائيا من رجال الاعمال عبر سلطة وحكومة عمالية خالصة تقود المجتمع نحو الثورة الدائمة (اي تربية الجماهير على النضال الدائم لانتزاع حقوقهم والضغط والهيمنة على الحكومة ايا كان تشكيلها وانتماءها الطبقي والسياسي لاجبارها على تبني خطا ثوريا ويمكن الوصول لهذا الوعي الجماهيري عبر سلسلة من الثورات السياسية التي يُبنى بداخلها حزبا ووعيا عماليا ثوريا) هذا يعني ان الثورات يجب ان تكون اشتراكية او لن يتغير شئ في المجتمع الذي اندلعت فيه الثورة.
2-    اذا انتصرت ثورة في النطاق القومي او الاقليمي فانها ستسقط سريعا في شبكة الراسمالية العالمية اذا لم تنتصر ثورات اخرى في الاقاليم والبلدان المجاورة لتحقيق تضامن ووحدة دفاع ضد اي تدخل استعماري يهدف لسحق الثورة المنتصرة واعادة الراسمالية اليها عبر حكومة رجال اعمال "وطنيين مناصرين لوحدة الوطن ضد الحرب الاهلية الطبقية" !! هذا يعني ان التغيير يجب ان يكون عالميا او لن يكون. انتصار الثورة العالمية يجب ان يكون امميا عبر سلسلة من الثورات الاشتراكية القومية وهكذا يمكن فهم كيفية قيام مجتمع عالمي جديد على انقاض الراسمالية قائم على التوزيع العادل للعمل والثروة.
3-    حتى الدول الغير متقدمة صناعيا والتي يُشكل العمال الصناعيين فيها اقلية، لن يمكن ان تنتصر ثورتها الشعبية سوى بالطريقين السابقين. وفي هذه الدول بالذات (الدول المتخلفة صناعيا) لن يمكن الوصول الى حكومة وسلطة العمال الا عبر قدرة وطاقة الحزب العمالي الثوري الذي يُفترض ان يُجمع الفئات والطبقات المسحوقة في المجتمع – عبر العديد من الثورات السياسية التي تندلع في البلدان المتخلفة الديكتاتورية الاقطاعية - خلف دعم عملية التغيير الشامل للمجتمع عبر انتصار الانتفاضة بطريق السلطة العمالية المعادية للراسمالية والراسماليين بشكل عام.

ويتبقى في هذا الجزء ان اشرح نقطة واحدة : ان العدوى الثورية تنتقل من بلد الى آخر عبر تطور اساسي يتحدد باعلى مرحلة نضالية وصل اليها النضال العالمي.

جميع الثورات تنطلق من نقطة رئيسية تجعل الاستناد الى فكرة (ديمومة الجماهير المقاومة) حلا ممكنا وواقعيا :

كل ثورة جماهيرية تحمل شكل جنيني من الديكتاتورية الجماهيرية. فعندما تحتل الجماهير الشوارع والميادين الرئيسية وتنفذ سلسلة من الاضرابات والعصيانات والاحتجاجات الجماعية لتجبر المجتمع باكمله على تبني طريق او خط معين، لا يمكن الا للجهلة ان ينكروا ان هذا يعني ديكتاتورية الجماهير الثورية. قد لا يتطور النضال عن هذا الشكل الاساسي، الا انه بمجرد ان يتطور النضال الجماهيري لهذا المجتمع او ذاك عن الشكل الاساسي من النضال (الاحتجاج) فان هذا التطور ينتقل الى الثورات المجاورة – بشكل او بآخر وان على مدى طويل.

اقول ان الثورة الجماهيرية تدفع الراسماليين للتوحد خلف حكومة جمهورية - مشكلة من رجال الاعمال - لا تستخدم سوى القتل والاعتقال والقمع العسكري كوسائل لانهاء الحركة الثورية التي ينخرط فيها كل المواطنين ، لتنتصر حكومات رجال الاعمال وتتغلب على الثورة (4). هذه على الاقل هي سيرورة جميع الثورات الماضية. ولهذا بالضبط مازال رجال الاعمال يحكمون في كل دول العالم برغم عشرات الثورات ضد حكوماتهم.هكذا فان الراسمالية لا تملك ولن تقدم للانسانية سوى الدمار (5)

من ناحية اخرى، يندفع العمال والجماهير الى التوحد خلف التكتيك او النشاط الاساسي الذي تستخدمه ثورة بلدهم.

مثلا، عندما استطاعت الجماهير الروسية ان تنشأ سلطة قاعدية في المصانع والمؤسسات والاحياء لتستبدل بها الحكومة الجمهورية الراسمالية (سوفيتات تعني مجالس باللغة العربية) فان الثورات الاقليمية المجاورة للثورة الروسية استخدمت نفس التكتيك واستلهمته بكل سهولة. في اوكرانيا وبولندا ودول البلطيق نشأت سوفيتات مماثلة لمجالس الروس. هذا ما اعنيه بان التطور الاعلى للنضال الثوري ينتقل من بلد للآخر وليس فقط الاحتجاج والثورة ضد النظام. فاذا انتصرت ثورة ووصلت لحكومة خالية من رجال الاعمال لاشك ان الثورات المجاورة ستستلهم نفس التجربة وان بعد حين – طبعا بشرط وجود قيادة عمالية واعية تستولي على السلطة بقوة الانتفاضة الشعبية.

ان انتقال الثورة من تونس الى مصر. يؤكد صحة وامكانية تكتيك سلسلة الثورات الاشتراكية كحل لاذابة وهدم واسقاط الراسمالية خطوة بخطوة او اذا صح القول (ثورة بثورة) . لا يجب ان يساورنا شك بامكانية انتصار ثورات اخرى في حال انتصرت ثورة واحدة في اي مكان في العالم. وجليا ان السبب الرئسي لهزيمة ثورات الربيع العربي هو نفس سبب هزيمة ثورات القرن الماضي : انعدام اي خطة او طريق ثوري يمكن ان تتبعه الجماهير لانتصار الثورة . وهذا الطريق لم يكن موجودا لدى اي من شعوب الربيع العربي فضلا عن انه لا يمكن ان يوجد سوى عبر حزبا ثوريا منغرسا وسط الطبقة العاملة والطبقات الاجتماعية النصف ثورية (الفلاحين والمثقفين والمهنيين) يُبنى خصيصا لنشر "خطة التغيير الجذري للمجتمع" – اقصد خطة الثورة الاشتراكية والحكومات العمالية – وسط هذه الفئات والطبقات بالذات.

يشرح الثوري الاممي ارنست مندل سيرورة الازمة الثورية دون الخطة الواعية للخلاص من الجمهورية الراسمالية: اذا كان يمكن للمجتمع البرجوازي فعليا ان يبدأ بالتفككك .. في مراحل ازمة ثورية حادة .. فان هذا التفكك لا يمكن ان يصل اطلاقا الى حل آلي (نهائي) للدولة البرجوازية. هذه بالذات ينبغي ان يجرى تدميرها بوعي. فإذا لم يجر انجاز عملية التدمير تلك, يمكن ان يجري الشروع بسيرورة مضادة للثورة .. على يد قوى محدودة عدديا تقف في وجه جماهير جد وفيرة.
ان ديمومة ثورية ونضالية الجماهير خلف دعم الثورات – كما شهدنا الجماهير ثائرة في مصر الثورة لثلاث سنوات متواصلة من 2011 وحتى 2013 اسقاط مرسي - تؤكد امكانية وعقلانية ان تستمر الجماهير مناضلة وساعية لانتزاع حقوقها دائما خاصة اذا استحثها على الدوام حزبا ثوريا يتكون من طليعتها وقادتها الشرعيين المعترف بهم كقادة من الاوساط الشعبية (في النقابات والجبهات واللجان والمصانع والاحياء..الخ)

الخلاصة: الهزيمة واقع ستعاصره جميع الثورات المقبلة تماما كالثورات الماضية ان لم نصل الى سلطة وحكومة عمال خالية ومعادية لرجال الاعمال. طالما استمر النظام الراسمالي، طالما استمرت عبودية العمل المأجور، طالما استمر نهب رجال الاعمال للارباح بمعونة ضباط وجنرالات البوليس والجيش والقضاء ستستمر معاناتنا رغم اندلاع الانتفاضات والثورات والانفجارات الجماهيرية، فطالما استمرت حكومة رجال الاعمال فهذا يعني اننا لم نستطع الخروج من دائرة النظام الراسمالي نحو نظام وحكومة ثورية حقيقية. (6)

بكلمة واحدة: الراسمالية بازماتها الداخلية ستدفع العمال حول الكوكب الى الانتفاض والثورة، لكن تندر فرص قيادة واستغلال هذه الثورات نحو الانتصار على النظام الراسمالي الذي تتشكل دولته وحكومته من الضباط والجنرالات.

(1) هكذا استنتجت الصيغة الماركسية القائلة (الثورات اما ان تكون اشتراكية او لن تكون ) ما يعني ان المدى الوحيد لانتصار الثورة هو تشكيل حكومات خالية من رجال الاعمال. ودون ذلك لاشك ستصبح الثورات دائمة.
(2) من اهم الثوريين الماركسيين ، قائد الجيش الثوري الاحمر في الثورة الاشتراكية الكبرى بروسيا 1917، سيرته الذاتية مشروحة في الثلاثية (النبي المسلح – الاعزل – المنبوذ) للجورجي اسحق دويتشر
(3) الثورة العالمية، الفصل الثالث من كتاب "تروتسكي، دراسة في دينامية فكره" ارنست مندل
(4) تتشكل الطبقة العاملة من كل من يعمل بأجر ولا يملك سلطة اتخاذ القرار.
(5) ذكرت الوثيقة البرنامجية للاممية الرابعة (حزب الثورة العالمية) "اننا مقتنعون بانتهاء اي دور تقدمي للحكومات الراسمالية باندلاع الحرب العالمية الاولى"
(6) النقطة الثالثة من هذا العمل تشرح امكانية هدم الراسمالية وبديلها السياسي الاجتماعي عبر التجربة التي عاصرها البشر خلال التاريخ والقرن المنصرم بالذات والتي يُمكن بدراسة سيرورتها ان نصل الى نظام اجتماعي انساني خالي من المآسي الاجتماعية المعاصرة.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.