يسألني أحد الأصدقاء عن الحل الذي أقترحه لتصحيح المسارات السياسية والفكرية والاجتماعية في وطننا العربي  ,ويريد حصرا الجواب مني عمليا دون تنظير أو الدخول في عالم النظريات والرؤى والأفكار , يريد جواب فصيح بالعربي , تحيرت أن أجيبه بما عندي ولكنني مجبر أن أرد ثقته بي بحل يرضي قناعتي , قلت له سيدي فليخرج فرسان المعبد من الحلبة وسترى كيف الله يهيئ لنا من أمرنا سببا , فرسان المعبد الأسود والأبيض أساس البلاء ومصدر الشر وحملة فايروس الفساد ولولاهم لما كان الدين اليوم يمشي أصم أبكم أخرس لا يدري أين هو من الوجود أفاعل بالوجود أم مفعول به لأن الفرسان هم من تحولوا إلى الواجهة وصاروا هم دين الله كما يزعمون .


الدين الذي تحول بفضل أفكار البعض إلى مهنة وتخصص وصار مباحا أن تنفرد به دون أن يشاركك أحد في الفهم وإلا لا يمكن أن يكون له مفهومان متناقضان على سطح واحد , هذا الدين الذي تخلى عن دوره الإنساني ليتحول إلى ثقافة النخبة وممارسة أقطاعيه يتزعمها لصوص الله ويتقاسموا الغنائم تحت ستار نحن أهل الذكر وحملة الدين لم يعد قادرا بما هو الآت من التحرك بين الناس وإرشاد العقول لمداراة وأفق النجاة , لقد تحول الدين اليوم إلى مأساة بفعل فرسان المعبد وسدنة الكهانة الكاذبون .


الدين رسالة الله للناس كل الناس المؤمن به والكافر كلاهما يتواصل الله معهم بالدين الذي جعلة رحمة للعالمين ولم يجعله شرطيا ولا سجان وسمسار يبيع ويشتري بالناس باسم الرب , لقد أخترع هؤلاء مهنة أسمها رجل الدين , رجل يحمل مفاتيح الله وبيده الأمر الفصل يكفر هذا ويزكي ذاك وهو لا يعلم يقينا أصادق بدعواه أم كاذب ولكنه مطيع لما وجد أباءه عليه من قبل , إنها مهنة الغباء والأستغباء والحمرنة البشرية .,


من هنا فلا بد أن نقر أن القارئ الديني ومن يخصص وقته لفهم الدين وتعليمه ليس بأفضل من وصف أديب أو ناقد ديني أو باحث بالشأن الرباني فهو كالشعراء والأدباء والمؤرخين والنقاد إنما يمارس المعرفة من حيث هي معرفة محضة لا شأن له في إيجادها ولا خصيصة له منفردة تميزه عن بقية النشاطات القرائية أو البحثية ,وعليه أن يسقط هذه الهالة الكاذبة التي يتقبع بها إن كان منحازا حقيقة للعلم والفهم والمعرفة والإدراك ولعد كاذبا محترفا .


إن الدين كواحدة من نتاجات الوجود البشري وحركة من حركات العقل المسير نحو فهم ما يدور حولة بغض النظر عن أصل النظرية ومناشيئ الدين يبقى عامل تفسير وتبرير ودعم لمشروع الإنسان في التكيف والتوافق مع سر وجوده ومع حقيقة الوجود , مؤمنا كان بالدين أو مخالفا له , لأن وجوده بين الناس يحرك فيهم السؤال ويستفز الذاكرة الفردية والجمعية نحو أجبار العقل على التفكر والتدبر الذي يثيرهم وجود الدين في الحياة , هذه الإيجابية لوحدها تبرر للإنسان قيمة حياتية للدين وبالتالي فليس مطلوب منا أن نتوقف عن التفكير والتدبر لأن هناك من يفعلها بدلا عنا , هذا أعتداء صريح على الحق الأساسي للإنسان في الوجود .


التوقف عن التفكير وتعطيل العقل بدواعي أن للدين أهل وأن الدين مؤسسة قائمة على الشخصنة يمس حرية الإنسان في الصميم كما يمس الدين أيضا عندما يتحول إلى رهيبة بيد البعض , كذلك يشكل أعتداء حقيقي على العقل البشري وحقة في أن يناقش أي ظاهرة يلتقطها حسه المادي والمعنوي , وأعتداء أيضا على الطبيعة التي يجب أن تكون مثالنا الواقعي عندما تسير بإنسيابية سلسلة تكشف للجميع عن جماليتها وعن تفاصيلها كي لا تكون عامل تأخير وشد للإنسان في حركته نحو الأمام .


أطالب اليوم وباسم الدين أن تخرج المؤسسة الدينية من الشرنقة التي وضعت نفسها بها وأن تهتم بالإنسان أكثر من أهتمامها بالنص الديني وحركة النص ومفاعليه فلولا الإنسان لا قيمة للدين ولولا الإنسان لا قيمة لهذه المؤسسة السجينة قيودها , على ألمتدين المتعمق كثيرا في مسائل الخلاف أن يخرج من هذه الخلافات نحو المحصلة التي تنفع الإنسان لا أن يحمل لنا سوداوية الخلاف ليزيد في أزمة الوجود ,على الدين ورجاله اليوم أن يكنوا بشرا إيجابيين يصنعون الحياة وأن لا يكنوا الطبقة التي تضغط بوجودها الطفيلي لتزيد من أعباء الناس ليدفعوهم دفعا نحو الكراهية والكفر والمقت بكل ما يتصل بالله والدين .

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.