أمسكت بقلمي وشرعت في كتابة التمهيد لموضوع (أثر حواء الأرضية وحورية السماوية والمتعة الجنسية في الاتجاهات الدينية والسياسية الحديثة والمعاصرة) ورحت أراجع المصادر التي سوف أعول عليها في السرد والتوثيق، وما هي إلا دقائق معدودات ووجدتني أعدل عن ما انتويت، وعلة ذلك ترد إلى كثرة الاتجاهات والمذاهب والجماعات الدينية والسياسية التي لعب الجنس في بنيتها العقدية والفكرية الدور الرئيس، مثل الماسونية، والحشاشين، ويهود الدونما،  والبابية، والبهائية، وعبدة الشيطان، والتورانية، والإخوان المسلمين.

الأمر الذي يصعب عرضه في مقال واحد ووجدت في مكتبتي ما يعينني على كتابة موقف جماعة الإخوان المسلمين من الشهوة الجنسية، فتذكرت أن أشهر من تحدث في هذا الموضوع هو الجهادي الأشهر “سيد قطب” ذلك الذي اعتبره معظم المتأسلمين المعاصرين إمامهم الثائر وأستاذهم المعلم.

ولما كان الجنوح والجموح صنوان لا يفترقان -في هاتيك المذاهب والاتجاهات-، فقد وجدنا في كتابات “سيد قطب” عن المتعة الجنسية والعري خير تطبيق للأنساق المضطربة التي تنتقل من النقيض إلى النقيض دون مبرر منطقي، فلم يعنى “سيد قطب” خلال حديثه عن القيم الأخلاقية وأدرانها التي تصيب سلوك الفرد وعوائد المجتمع وثقافته سوى العري والشهوة الجنسية، فإذا سألته عن مكائد الغرب لإفساد المجتمع الإسلامي أجابك أنه الجنس والصور العارية والأفلام المثيرة للغرائز، فالأفخاذ والنهود والاختلاط بين الجنسين والإباحية في ممارسة الجنس وغير ذلك من القيم الغربية التي تدرجها ثقافة الأوربيين والأمريكان ضمن أخلاقيات الحرية ما هي سوى سمومٍ دفعت بها الرأسمالية الغربية وجيشتها لغزو ثقافتنا الإسلامية لإفساد ديننا وتبديد ثرواتنا وإنهاك قوانا البدنية وإهدار طاقتنا الذهنية وإغواء شبابنا.

وكأن خطيئة حواء التي تحدثت عنها الأساطير هي معضلة المعضلات التي إذا ما تغلبنا عليها أو قهرناها تم لبني البشر الخلاص وعادوا سالمين إلى جنة الخلد، وقد ظل هذا الرأي المرجع الرئيس في كتابات وأحاديث معظم التيارات الجانحة الإسلامية المعاصرة، فلم يذكروا المرأة إلا في سياق حديثهم عن الفتنة والزنا والفجور والإثارة والشهوة والرذيلة، أما الحديث عن الجنس فهو من المحرمات التي لا ينبغي التطرق إليها حتى بين الزوجين، ولما لا؟؟؟ فالأنثى عندهم هي المطية التي يجب ختانها وحجبها عن المجتمع حتى لا تنفض عذريتها أو ينتهك عفافها، وهي لا تصلح بطبيعة الحال عندهم إلا للجماع وإنجاب الأولاد، ولا نغالي إذا ما قررنا أن هذه النظرة الحسية الجائرة هي الغالبة على ذهن عوامهم وخواصهم بدرجات غير متفاوتة، وليس أدل على ذلك من عشرات البرامج التليفزيونية التي تتحدث عن حجاب المرأة ونقابها ومضار الاختلاط بين الجنسين ومزايا الزواج المبكر من القاصرات، وبعض فتاويهم الشاذة التي تبرر بعض الأوضاع الجنسية المحرمة وتحرم في الوقت نفسه مطالبة المرأة بحقوقها الجنسية وحسن معاملتها في الفراش.

ناهيك عن تلك الأخبار المتواترة عن السلوك الجنسي السائد بين أفراد الجماعة وأسرهم تلك التي تقطع بوجود علاقات جنسية شاذة (السحاق واللواط والممارسة الجنسية الجماعية) والحديث لا يخص التنظيم في مصر فحسب، بل في سائر الأقطار الشرقية والغربية فمعظم معتقليهم وسجنائهم كانوا يمارسون اللواط، وكان بعض زوجاتهم في الخارج يمارسن السحاق مع أقرانهن من عضوات الجماع، ذلك فضلا عن زواج المتعة والجهاد الذي كان يمارسونه بتوجيه من (صدر المرشد) – وهو المسئول عن معالجة الأوضاع الاجتماعية داخل الجماعة-.

وتشير بعض المواقع الإلكترونية إلى وجود كوادر جنسية تستقطب الشواذ من الجنسين وضمهم إلى الجماعة وإخضاعهم بعد ذلك لسياسة المرشد لتحقيق أغراض التنظيم في شتى الميادين. الأمر الذي يبرر الكثير من العلاقات الجنسية المشبوهة بين أفراد الجماعة والعديد من الشخصيات السياسية الأوروبية والأمريكية والخليجية من الشواذ جنسيا.

ولما كان البحث العلمي لا يعتمد إلا على المصادر الموثوق في صحتها فلن نعول كثيرًا على تلك الأخبار التي تتردد بين الأفراد المنشقين عن تنظيم الإخوان المسلمين، فما أكثر الحكايات الملفقة التي تصدر عن هذا التنظيم وعن خصومه أيضًا والذي يعنينا في هذا السياق هو كتابات “سيد قطب” في هذا الموضوع. تلك التي كانت موضع تساجل بين “محمود عبد الحليم” عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان، والشيخ “يوسف القرضاوي” عضو التنظيم حول علة انتقال كتابات “سيد قطب” عن الجنس والعري من الإباحية إلى التعصب والتزمت وغير ذلك من التعليقات التي جاء فيها أن “حسن البنا” قد التمس بعض العذر لما ورد في مقالات “سيد قطب” عن العري ودعوته للإباحية الجنسية وتشكيك شبيبة الإخوان في انتساب هذه المقالات إلى إمامهم وقدوتهم. الأمر الذي دفعنا للتثبت من الواقعات وتحليلها في ضوء دراستنا لفلسفة الجنس.

فقد بدأت كتابات “سيد قطب” في مقال له على صفحات جريدة الأهرام بعنوان “خواطر المصيف – الشواطئ الميتة” بتاريخ (10 يوليو 1938) ذلك الذي ذكر فيه أن شواطئ العراة أقل إثارة لمرتاديها من الصور العارية التي تنشر على أغلفة المجلات وأن ارتداء الفتيات للمايوهات والبرانس يثير شهوات الشباب أكثر من الأجساد العارية تماما  “… إن صورة واحدة عارية مما ينشر فى الصحف أفتن من شاطئ كامل يموج بالعاريات، لأن الصورة المصغرة تثير الخيال الذى يأخذ فى تكبيرها والتطلع إلى ما ورائها من حقيقة، وهذا هو الخطر، أما الجسم العاري فواضح مكشوف، وصعب على الكثيرين تصديق هذه الحقيقة، أما الذين ذهبوا إلى الشاطئ وهم مجردون من الرأي السابق فيها ومن التحفز لمرائيها، فيعلمون فى ذات أنفسهم صدق ما أقول “.

 “….أطلقوا الشواطئ عارية لاعبة أيها المصلحون الغيورون على الأخلاق فذلك خير ضامن لتهدئة الشهوات الجامحة وخير ضامن للأخلاق“.

ثم نجده يكتب على صفحات مجلة الفكر الجديد عدد (يناير 1948) مقالا بعنوان “أفخاذ ونهود” عن العري وأثره على شبيبة المسلمين مبينًا أن الإثارة الجنسية التي يقدمها الغرب على صفحات المجلات حيث صور الفتيات ذات الأفخاذ والنهود والأرداف لا تقل خطورة على أخلاقيات المجتمع الإسلامي عن المخدرات “… إنهم يعطونك في مجلاتهم صور أفخاذ ونهود، تلهو بها، وتحلم أحلاما شهوية خيالية، ليستمتعوا هم بالأفخاذ والنهود ذاتها لا بالصور الميتة على الورق!!” ثم يصف الجنس بأنه أحط الشهوات التي يسعد بها الكلاب والخنازير والحمير وفصل بين الحب والجنس باعتبار الأول قيمة روحية والثاني دنس وشهوة.

ولا ريب في أن موضوع الشهوة الجنسية كان من الموضوعات الرئيسة التي خصها “سيد قطب” بالكثير من مقالاته بعد عودته من أمريكا، ولاسيما عند تناوله أخلاقيات المجتمع الإسلامي فها هو على صفحات مجلة الرسالة العدد (959 سنة 1951) مقال بعنوان “أمريكا التي رأيت” يصف المجتمع الأمريكي بالبوهيمية والبدائية والانحلال، استنادًا على العلاقات الجنسية التي يمارسونها في الشوارع وعلى الشواطيء دون تحرج وكذا الإباحية في ممارسة الجنس تلك التي لا تخضع إلا للرغبة والقدرة والإعجاب المتبادل بين الذكر والأنثى  “… والأمريكي بدائي في حياته الجنسية، وفي علاقات الزواج والأسرة. ولقد مررت في أثناء دراساتي للكتاب المقدس بتلك الآية الواردة في «العهد القديم»، حكاية عن خلق االله للبشر أول مرة وهي تقول: (ذكراً وأنثى خلقهم) مررت بهذه الآية كثيراً، فلم يتمثل لي معناها عادياً واضحاً جاهراً، كما تمثل لي في أثناء حياتي بأمريكا.

إن كل ما تعبت الحياة البشرية الطويلة في خلقه وصيانته من آداب الجنس، وكل ما صاغته حول هذه العلاقات من عواطف ومشاعر، وكل ما جاهدت من غلاظة الحس، وجهامة الغريزة، لتطلقه إشعاعات مرفرفة، وهالات مجنحة، وأشواق طليقة. وكل الروابط الوثيقة حول تلك العلاقات في شعور الفرد، وفي حياة الأسرة وفي محيط الجماعة.. إن هذا كله قد تجردت منه الحياة في أمريكا مرة واحدة، وتجلت عارية عاطلة من كل تجمل (ذكرًا وأنثى) كما خلقهم أول مرة جسداً لجسد، وأنثى لذكر، على أساس مطالب الجسد ودوافعه، تقوم العلاقات وتتحدد الصلات، ومنها تستمد قواعد السلوك وآداب المجتمع، وروابط الأسرة والأفراد..”.

“…وتطلع عليك الفتاة كأنها الجنية المسحورة أو الحوراء الهاربة. ولكن ما إن تقرب إليك حتى تحس فيها الغريزة الصارخة وحدها مجردة من كل إشعاع، وحتى تشم رائحة الجسد المحترق لنكهة العطر الفواح. ثم تنتهي إلى لحم. مجرد لحم.لحم شهي حقاً، ولكنه لحم على كل حال..”.

” ….. وشاهدت الأمراض النفسية والعقد التي كان مفهوماً أنها لا تنشأ إلا من الحرمان، وإلا من التلهف على الجنس الآخر المحجوب. شاهدتها بوفرة، ومعها الشذوذ الجنسي بكل أنواعه.. ثمرة مباشرة للاختلاط الكامل الذي لا يقيده قيد، ولا يقف عند حد. وللصداقات بين الجنسين، تلك التي يباح معها كل شيء، وللأجسام العارية في الطريق، وللحركات المثيرة، والنظرات الجاهرة، واللفتات الموقظة…”.

        ويترائى لي أن ذلك البون الشاسع بين كتابات “سيد قطب” الإباحية عن العري وجماليات الجنس في أخريات الثلاثينات وحديثه عن الجنس في نهاية الأربعينيات باعتباره أصل كل الرذائل الأخلاقية، لا يحتاج إلى تعقيب فالاضطراب واضح بين الخطاب المسكوت عنه في سلوكيات تنظيم الإخوان والخطاب المباح الذي يرتدي عباءة التشدد والتعصب والتدين المصاحب للنظرة المتعالية (الشيڤونية) من قبل أفراد جماعة الإخوان، فالكبت الجنسي الذي يتسم به سلوك الإخوان في عيون الأغيار يخفي ذلك الشغف والشبق والمجون والشذوذ المتفشي بينهم.

فاللذة الجنسية التي يضعها “سيد قطب” ضمن الشهوات المرذولة نجده يسمو بها إلى درجة النعيم عند حديثه عن حور العين ذلك الحديث الذي جاء مقتضبًا إلى حد كبير واقتصر على أنها لون من ألوان السعادة الذي لا يظفر بها إلا من سار على نهج الأوائل في العبادة وطاعة الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووصف حور العين بأنهن العذارى اللواتي لم تمسهن يد ولم تخدشهن عين، وهن الحسان العفيفات واسعات العيون، واهتم في ذلك الوصف بالجانب الجمالي الحسي وليس الروحي وقد ورد ذلك في تفسيره لسورتي الواقعة والرحمن ثم استدرك ووصف الاستمتاع بحور العين على أنه أمتع ما يجول في خواطر البشر من متاع جميل.

        وإذا ما انتقلنا من النظرة الجزئية إلى القراءة الكلية لأدركنا أن الجنس عند الجماعات السرية بوجه عام، والراديكالية الدينية منها على وجه الخصوص، كان بمثابة نقطة الانطلاق لاجتذاب الأنصار من جهة، وآلية لإخضاع بعضهم لتحقيق أهداف التنظيم من جهة أخرى، فالزواج المبكر والمتعدد بين أعضاء تنظيم الإخوان ميسور ولا سيما في الطبقات الدنيا، أما في طبقة النخبة فكان أكثر بساطة فالمصاهرة بينهم واجبة ولا يحق لعضو التنظيم أن يتزوج من خارج الجماعة في أغلب الأحايين.

وقد اجتذبت هذه الظاهرة الكثيرين من الشباب في المجتمعات الفقيرة فما أصعب على شبيبة الطبقات الدنيا من الحصول على المسكن والزوجة الصالحة والعمل – الأمر الذي توفره الجماعة – وفوق ذلك كله الفوز بحور العين في جنة الخلد، ومقابل ذلك هو السمع والطاعة والولاء والانتماء.

وإذا ما انتقلنا إلى علة نظر الخطاب الإخواني إلى الشهوة الجنسية باعتبارها علة الفجور الأخلاقي، والعودة إلى الجاهلية البوهيمية، والباب الذي يدخل منه الشيطان لإفساد المجتمع الإسلامي فسوف ندرك مدى تأثر هذا الخطاب بكتابات “فرويد” عن الجنس باعتباره أحد المحركات الفعالة الموجهة لسلوك الإنسان من جهة، ومسايرتهم للثقافة السائدة في المجتمعات العربية والإسلامية التي تخاطب الغرائز أكثر من مخاطبتها للعقول من جهة أخرى، فجعلوا من الزواج المبكر الذي يقدمونه طوق النجاة للشباب المتلهف على الممارسة الجنسية في سياقٍ يعصمه من الزنا وارتكاب الفاحشة.

أما توظيف الجماعة للجنس في خطاباتهم السياسية ومعالجة مشكلات أسرهم الاجتماعية والنفسية (العنوسة – الأيامى – التسري- ملك اليمين – الشذوذ) فهو من الأمور التي تخضع إلى التطبيق وليس إلى التنظير، شأنه في ذلك شأن كل الجماعات السرية.

روز اليوسف

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.