الموجة اليوم تقوم على "الحرب ضد الفكر المتطرف"، المتمثّل تحديداً في داعش. جيد الأمر، حيث يجب محاربة الفكر المتطرف أيًّ كانت جذوره، فالتطرف خطر في كل الأحوال. لكن من أين يستمد تنظيم القاعدة، وتستمد داعش، وكل المجموعات السلفية تطرفها؟

بمعنى أنه بدل، أو بالتوازي مع، مواجهة الظاهرة التي تتسيّد الآن، يجب محاربة الجذور التي أنتجتها، وتمدها بالاستمرار والقوة. هل نستطيع أن نحدد هذه الجذور؟ البعض يسارع في رد انتقامي لاتهام الإسلام، هكذا بالعموم، لكني لا أريد التعميم، فهو يعمي، ويضلل، ولا يوصل إلى نتائج، حيث سنبقى ننتقد "مجردات". وأسهل النقد هو الذي يطال "المجردات". فإذا أخذنا خط المرجعية لكل التيارات السلفية، و"الجهادية" خصوصاً، نصل إلى الإمام الغزالي (وربما ابن حنبل)، ثم ابن تيمية وابن قيم الجوزية، وصولاً إلى محمد ابن عبد الوهاب. وإذا كان للسابقين موقع في النقد التاريخي، فإن الأساس الذي يجب أن يطاله النقد هو هذا الأخير، أي محمد بن عبد الوهاب. ليس لأنه الأجدر، فقد أتي لكي يطبّق ما قاله الأولون (أي ابن تيمية وابن قيم الجوزية)، بل لأن أفكاره باتت هي الأيديولوجية التي تحكم الدولة السعودية.

أي أن مجمل الأفكار التي طرحها الأولون باتت بفعل الوهابية هي أيديولوجية سلطوية تطبّق في مجتمع، هو مجتمع الجزيرة العربية (المسماة السعودية). حيث أنه خارج التحكّم بأموال النفط يجري الحكم وفق "المذهب الوهابي"، وعبر "المطاوعة" الذين يفرضون على الناس "التمسك بالدين"، والخاضعون لـ "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، التي تطبّق "الشريعة" وفق المنظور الحرفي، النصي شديد الضيق. وتفرضه على الشعب بالقوة. أليس هذا ما تمارسه "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" التي تقيمها داعش، وتقيمها جبهة النصرة، وكل التسميات الأخرى للظاهرة ذاتها؟ أليست مرجعيتهم المباشرة هي الوهابية بحذافيرها، وبما عززه محمد بن عبد الوهاب من فتاوى طشيخ الإسلام" ابن تيمية، وصنوه ابن القيم الجوزية؟

كل القيم التي تطبق من قبل هؤلاء "المتطرفين" مستمدة من الأيديولوجية الحاكمة في السعودية. ليس ذلك فقط، بل أن المملكة (جزاها الله خيراً!!) تقوم بجهد كبير من أجل تعميم الوهابية، وتمكينها في "العالم الإسلامي"، وخصوصاً في البلدان العربية. ففي ميزانيتها السنوية ما ينوف عن المليار دولار من أجل "نشر الدعوة"، عبر طباعة كتب ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب، وكل التابعين الذين يكررون أفكار هؤلاء، وفي كثير الأحيان بسذاجة مفرطة، وسطحية شديدة. وتنشط من أجل جذب رجال دين وجمعيات دينية وتجمعات إلى الوهابية. بالتالي فهي تقوم بالتمهيد الأيديولوجي لكل تلك المجموعات المتطرفة، دون أن ننسى أنها تدعمها كذلك.

فمنطق العربية السعودية هو أنه لاستمرار حكم العائلة المالكة، ولضمان تحكمها بمصادر النفط، يجب أن تُخضع المنطقة لأيديولوجية تمنعها من التفكير في التقدم، وتغرقها في متاهات صراعات دموية، وحوارات فكرية سطحية جداً، وهامشية جداً، كل ذلك باسم الدين. لقد لوّعها النهوض العربي في الخمسينات والستينات باسم القومية والاشتراكية، فباتت معنية بتدمير القومية والاشتراكية وكل تطلع نحو التحرر والحداثة باسم "الدين"، أي الوهابية. ولكي تفرض الوهابية أيديولوجية عربية عامة تحكم كل البلدان العربية، حيث حينها تصبح هي المركز المتحكم في مجتمعات تغرق في الجهل والتخلف والصراعات الدموية.

بالتالي فإن الحرب ضد التطرف يعني الحرب ضد الأيديولوجية الحاكمة في السعودية، وكشف التطابق بين داعش والنصرة والقاعدة وممارسات السلطة السعودية. حيث أن ما تطبقه هذه المجموعات هو تقليد للحكم السعودي بالضبط. فرائف بدوي يواجه ما يواجهه كثير من الشباب من قبل داعش والنصرة. و"هيئة الأمر بالمعروف" تمارس الدور ذاته. ووضع المرأة مطابق كذلك. والحسبة أيضاً. لهذا فإن الحرب ضد التطرف يعني دعم ثورة ديمقراطية في الجزيرة العربية، هكذا بالضبط. فالصراع يجب أن يتوجه نحو المركز لكي يضمن شمول الفروع، ولا فائدة من حرب ضد الفروع وحدها.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.