وقفت المرأة العربية امام تحديات عدة ؛ منها ما هو اجتماعي وتربوي تقليدي ؛ وآخر دار ولم يزل يدور في اطار سياسي تقليدي أيضا ينحصر في قوالب لا تخرج عن حقها في المطالبة باحتلال المناصب السياسية البارزة والمشاركة المظهرية في الحياة العامة في حين ؛ ان دور المرأة اوسع من هذا كله ؛ فأن استطاعت ان تحقق اهدافه ( التربوية والثقافية ؛ والاقتصادية ؛ والاجتماعية ... الخ )

فأنها تكون قد قطعت شوطا مهما في تثبيت قواعد حقوقها المشروعة على مختلف الاصعدة دونما اي اجهاد نفسي جديد لمعاودة المطالبة بما تنوي تحقيقه . ذلك ان تلك السلة من الحقوق المتبيقية ستأتيها طوعا ومباشرة بعد ان تكون قد احتلت مكانتها اللائقة بها في الصدارة .


لذا فان معركة المرأة العربية الاساسية هي مع الذات اولا ؛ هي معركة تحريرها من قمقم الدونية التي سجنت فيه من قرون وقرون من قبل طغاة الجنس الآخر والذين لعبوا دورا صارما في تثبيت قواعد الحط من امكانياتها في المساوة الكاملة؛ مستخدمين بذلك كل الادوات التي تساعد على ذلك ؛ كالشعوذة اللاأخلاقية ؛ و بعض التقاليد البالية ؛ والعادات المتدنية؛ وحكايات العهود المظلمة المثبطة للعزائم ..... الخ .


لقد كتبت مر’ من خلال مقالاتي المنشورة تحت عــــــــنوان تحليلا وتعليلا لهذا التشابك الذي يعتور وجود المرأة بيننا كأنسان يتساوى معنا في الحقوق والواجبات واقعا وفعلا ؛ لكي لاتتحول كينونته الى مجرد نصوص دستورية على الورق حسب . ومن ذلك تفاصيل كثيرة معززة بالامثال الواقعية تجتزأها الفقرة المقتبسة التالية ــــ


صحيح ان المرأة العربية خاضت تجارب نضالية مريرة لاثبات حقها والمطالبة بالمساواة وانها شاركت مشاركة فاعلة في مختلف الثورات من اجل الاستقلال والتحرر الوطني ؛ الا ان ثورة واحدة اساسية وجوهرية واستراتيجية
لم تستطع ان تضع لها خطة دائمية ؛ ولم تستمر في خوضها حتى النهاية ؛ الا هي الثورة على الذات .

ان الثورة على الذات تتطلب الرجوع الى جذور اسباب الخنوع ؛ والهوان والانصياع الى الارادة الذكورية المستحكمة ؛ والعمل الجدي الدؤوب بعدئذ على اقتلاعها شيئا فشيئا طبقا للاساليب التي قامت بها المرأة في العالم المتحضر عبر كفاح مستميت لاثبات كينونتها ووجودها الانساني كعنصر له كل الحقوق التي للرجل .

لقد بدأ هذا الكفاح بمنظومة مثقفة واعية أخذت على عاتقها التغلغل في المجتمع ؛ بدءا من الاسرة الصغيرة مرورا بالمحلة ؛ والمدرسة ؛والدائرة وانطلاقا الى الريف ؛ والمصنع ؛ والمزرعة ؛ والمستشفى .... الخ. وكان الهدف الاول من كل ذلك تثبيت حق المساواة ما بين الذكر والانثى مبكرا على الارض ؛ اي بالتطبيق القولي والفعلي عن طريق التمرين والتدريب اليومي على ذلك ؛ حتى تحول بعدئذ الى تقليد اجتماعي جذري تغلغل في صميم الحياة .


ان البرامج العلمية التي اعدت والتي شارك فيها علماء في التربية والصحة النفسية والبحوث الاجتماعية الى جانب مختلف شرائح المجتمع المدني ؛ كانت قد تعاضدت جميعا من اجل التخلص من كل العوامل والشوائب التي تعترض سبيل المساواة ؛ وعندما تهيأت الارضية اللازمة لكل ذلك ؛ كانت الحملة المستديمة والمنظمة قد اخذت طريقها العملي في التنفيذ حيث دخلت تعاليمها وارشاداتها في كيان كل اسرة من ذلك المجتمع الذي اخذ يغذ السير نحو التحضر جملة وتفصيلا . وما هي الا سنوات قليلة ....


 حتى كان المجتمع مستعدا تماما لقبول المساواة التدريجية لا على الصعيد السياسي وحسب ؛ بل على مختلف الاصعدة الاجتماعية والتربوية والاقتصادية ...الخ اذ لم نعد نسمع عن المطالبة بحقوق المرأة لغرض المساوة بالرجل ؛ ذلك ان المساوة ذاتها اصبحت واقعا فعليا على كل المستويات ؛ بدءا من المواقع السيادية حتى ادنى الوظائف والمهن دونما اي تمايز يذكر .

من هنا ؛ فعلى المرأة العربية ان تراجع مجهودها الفعلي بهذا الشان و ان تحاسب وتنقد ذاتها وتسأل نفسها عما اذا كانت قد فعلت الشيء المطلوب منها طيلة كل هذه السنوات من الثقافة والوعي الخاص والعام ؛ لانتزاع حقوقها بعيدا عن صراخ المطالبة بها من فوق المنابر ؟ ثم ما هي المواقف التي اتخذتها تربويا واجتماعيا لامتلاك تلك الحقوق بفعلها الجذري الواعي دون اللجوء الى اسلوب الاستعطاف والتوسل لنيلها. ؟

حينما نتحدث عن الامور الايجابية التي يتوجب على المرأة العربية خوض غمارها للحصول على حقوقها ؛ فهناك سلبيات ايضا يتوجب عليها كشف القناع عنها ومحاربتها بين صفوف النساء ايضا ؛ والمثال الاقرب الذي نلمسه اليوم ؛ هو الفساد المالي والاداري المستشري ما بينهن ؛ ليس على صعيد ما تحتله المرأة من مناصب حساسة في هذه الدولة او تلك ؛ بل وايضا على المستوى العائلي كذلك ؛ فكم من زوجة رئيس او ملك او شيخ او امير او وزير ؛ او نائب اصبحت من الملياديرات بين عشية وضحاها ؛ في حين لم نسمع من الاتحادات النسوية اوجمعيات المجتمع المدني الاخرى صوتا يشجب مثل هذا الفساد ويطالب بالمحاكمة العادلة كالذي نسمعه ضد الرجال المسؤليــــــــن المفسدين ............مثلا .؟


لعلي ازعم هنا بان المرأة العربية في الجيل السابق كانت اشجع وأجرأ من زميلتها اليوم ؛ فقد كانت معاركها ضد الحجاب في مجتمع خرج لتوه من عباءة الدولة الدينية العثمانية ؛ وكذلك في الاصرار على المشاركة في الحياة العامة ومن ضمنها الانخراط في الدراسات الجامعية جنبا الى جنب مع الرجل ؛ قد اعطى المجتمع السائر في طريق التمدن العصري يومذاك درسا شكل تحديا اساسيا بطوليا حقا في انتزاع الحقوق دونم توسل او رجاء ؛ مما دفع بالمجتمع لان ينصاع الى ارادة المرأة ويساير رغباتها وتطلعاتها ثم يرحب بذلك طواعية .


اذن على المرأة العربية ان تنظر الى المسيرة التي سلكتها المرأة عالميا في سبيل نيل حقوقها ؛ ثم تدرس بامعان
تلك الخطوات الاساسية التي استندت اليها وهي تحطم كل حواجز الخوف والتقاليد والعادات ومحاكم التفتيش واوامر الكهنوت المتزمتة ...وغيرها لكي تصل مؤخرا الى هذه الدرجة من المساواة مع الرجل في كل شيء .


يقول لنا تاريخ نضال المرأة عالميا ؛ ان عوائق كثيرة كانت تقف امامها هي الاخرى ؛ الا انها باصرارها وقوة عزيمتها وسحقها للتقاليد البالية التي لا قيمة لها و التي كانت تقف حائلا دون تقدمها ونيل حقوقها ؛ قد استطاعت ان تزيل كل تلك العوائق بكل حزم متواصل وبجهاد مرير وحرب لا هوادة فيها ضد التخلف والهمجية والاذلال والخنوع حيث حررت ذاتها ومن حولها اولا ثم أنطلقت نحومواصلة مسيرتها الصائبة في تحقيق هدفها الاستراتيجي المنشود ألا هو المساواة ؛ و التي أمنت لها بعدئذ ما سعت اليه دونما منة او احسان او استجداء من طرف آخر ؛

وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.