الدين هذه الكلمة التي تختصر أوسع علاقات وأقدمها وأمتنها وأصدقها بين السماء والأرض لكنها مع قدمها وتعمقها الوجودي في حياة الإنسان وتشعبها وتنوعها بقت مفردة شبه مفتقدة للمعنى الكلي الجوهري الذي لا يختلف عليه اثنان ,ليس لأنها تحتمل تعدد المفاهيم أو تعدد الأوجه التي يمكن بها أن نقرأ حقيقة الدين ولكن لما عانته من تأثيرات سيئة على الإنسان من جهة وتأثيرات غاية في السذاجة والتسليم من قبل آخرين ,هنا أصبح من غير المتيقن لدى الكل نتيجة التجربة أن هناك جامع للمعاني يحتوي هذه اللفظة وهذا المفهوم .
    
الدين بشكل عام ببساطة هو مجموعة القيم والأحكام والمرادات التي تفصح عن تصور الرب عن شكل الحياة ومنهجها المرسوم على قاعدة الأحسن والأكمل تطبيقا لمفهوم التعارف والأستعمار والخلافة البشرية في الأرض. أو بمفهوم أكثر بساطة هو كيف نستجيب للرب في تنفيذ أشاءته الخاصة لتحسين واقع الإنسان نحو الأفضلية ,طبعا هذا التعريف يمكن حصره في مفهوم الدين السماوي أما لو قرأنا الدين ككل وكمفهوم مجرد هو تصوير لواقع العلاقة بين الإنسان والقوة المتحكمة بغيابها بكافة حيثياتها وما تفرضه من نمط يجسد نيل رضاها .
   
 إذن نحن أمام صور مختلفة لتصورنا عن الدين لكن الجامع المشترك بينها يتعلق بالنقاط التالية :.
   
 • هناك طرفان في المعادلة أمر ومأمور سماء وأرض , مسطر ومستجيب .
 
  • هناك علاقة تفاعلية نتيجة للنقطة أعلاه يترجمها الإنسان بالتدين .
 
  • افتراض جاد أن هناك فعل ورد فعل من الطرفين طاعة مقابل فوز وعصيان مقابل خسارة .
 
  • الإنسان هو من يعطي حدود لفعل المسطر توسعا وتضيقا بناء على ما يتناسب مع ما يفهم من الدين .
    
هذه النقاط الأربعة هي التي ترسم ماهية الدين ومنها تتفرع كل العناوين والتفاصيل من علاقات تبادلية مع السماء أو مع الأرض مع الكل ومع الفرد وبالتالي إذا أردنا أن نفهم أي أصرة من أواصر العلاقات الدينية علينا أن نرجع فيها إلى النقاط أعلاه ومنها مثلا علاقة الدين بالدولة التي هي في الأول والأخر علاقة تنظيمية اجتماعية محكومة بالإلزام والالتزام المتبادل , طبعا نحن نتكلم عن الدولة الحديثة وليست الدولة القديمة التي كان فيها الحاكم على رأس الهرم مالك غير مسئول .
   
 حتى نفهم كيف يمكن للدين أن يكون عنصر فاعل في الحياة العامة ومنها إدارة الدولة والسياسة الإدارية لها لا بد أن نراجع ماهية الدين في كيفية فعل هذا ,الدين من خلال النقاط الأربع هو علاقة مباشرة متصلة من السماء إلى الأرض ولكن من خلال وسيط قابل بالقوة أن يفهم هذه الإرادة ويترجمها ,هذا الوسيط لا بد أن يكون على قدر من الوعي بمراد السماء ليس فقط واعيا وقادرا لا وممكن له أن يتطور مع الفهم , أي أن الوسيط وهنا العقل وحده من خلال مصادر التعقل عليه أن يترجم ما تلقى من السماء وما تعلم أن يحول الدين إلى مصفوفات من المفاهيم أو مصفوفة مفاهيم مقسمة ومتدرجة ومحددة لكل حالة على حده .
 
  العقل الوسيط مجال الدين ومرتعه ومحل الخطاب ومنه ينزل للواقع العملي والعلمي ولا يمكن أن نتصور أن الدين سواء أكان أرضيا أم سماويا قادرا على بسط إرادته مباشرة على الواقع ما لم يكن هناك ترجمة له ترجمة عقلية واعية والدليل ألدليل أن فاقد الوعي والشعور والتعقل لا يمكن أن يكون من له أهلية التعامل الديني إلا بمقدار ما يعني منه ,العقل وحده هو الذي يتعامل مع الدين كمصدر له في فهم كل ما يجري بين الإنسان والإنسان وبينه وبين المجموع من غير أن يعود إلى الرب في كل مرة لأن الدين كمجموع قد تكاملت خطوطه في الواقع .
   
 العلماني مثلا المتدين والملحد في كل الحالات يبقى ينظر للدين أولا كواقع حقيقي في المجتمع وأن هذا الواقع تأريخي تراكمي وأيضا له أمتدادات داخل الشخصية الإنسانية بعمقها الوجودي الذي لا يمكن القفز فوق حقائقه ومستحقاته وبالتالي مسألة التعامل مع الدين تبدو أكثرا حساسية من مجرد أن ننكره أو ننكر عليه تأثيره في الحياة دون أن نقنع العقل أن ينسلخ من جزءه الابتدائي الفكري المصنوع فطريا .
 
  لا المؤمن بإمكانه أن يبسط الدين في الواقع إلا من خلال العقل ونتاجه المنطقي المتناسب مع البيئة والظرف ,ولا الند المعاكس له يستطيع أن يمنع الدين أن يكون حاضرا في الحياة الإنسانية لمجرد أنه لا يوافق قرائه الخاصة , هذه النتيجة تقود حتما ولزاما إلى حقيقة أن الدين ركن من أركان الحياة ورافدا معرفيا أضافة لوظيفته السلوكية والأخلاقية ,وبالتالي أن التطرف في إشغاله وإنشغاله فيها مساويا تماما لمحاولة تجريد الحياة منه أو عزله في الزوايا الضيقة والمحدودة .
   
 يبقى السؤال الأهم الذي يتبع هذه الحقيقة أليس تنظيم وجود الدين كمقوم للحياة البشرية وضابط للإيقاع الدائم لها بحاجة لتقويم حتى نبعد التصادم بين بعض المخرجات الدينية والكثير من الممارسات البشرية التي قد تبدو نتيجة الفهم اللا متوازن لواقع الدين أو لواقع الحياة من أن هناك تصادم مانع من المواصلة .
 
   هنا علينا أن نرجع أيضا للمرتكزات الأربع التي أهم ما فيها أن نعود لأصل الدين للمربع الأول فيه وليس للنتائج من تجربة البشر مع الدين , صحيح أن التجربة تكشف لنا مصاديق الدين ولكن لأن التجارب متعددة وفق قراءات متعددة ولدت لنا مصاديق تقرب وتبتعد عن بعضها مما شكل نسيجا غير متوافق مع بعضه أطل بظلاله على الواقع الإنساني بنوع من عدم الإنسجام .

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.