جماعات "الإسلام السياسي"، ومهما ادَّعوا، لم يؤسِّسوا إلاَّ لفكرٍ سياسي دنيوي ألبسوه، فحسب، لبوساً دينياً؛ فَهُم لم يأتوا بإجابات دينية "نَصِّية"؛ لعدم وجود إجابات كهذه، عن "أسئلة سياسية يُثيرها واقع الحياة السياسية"؛ فاتَّخذوا من "الاجتهاد" طريقاً، فأتى "مُنْتَج" الاجتهاد متلفِّعاً بلغةٍ دينية؛ لكنَّ "محتواه الفكري ـ السياسي" كان دنيوياً خالصاً (ولا يمكنه أنْ يكون غير ذلك) لا يَخْدُم إلاَّ مصالح ومآرب فئوية ضيِّقة (سعوا في إظهارها على أنَّها الخَيْر، كل الخَيْر، للعامة من الناس).

وهذا "المُنْتَج" تَناقَضَت المواقف الإسلامية منه لتناقض مصالح أصحاب هذه المواقف؛ فقلَّما وصلوا من طريق "الاجتهاد" إلى رأيٍّ أو وجهة نظر أو موقف.. يتواضعون عليه جميعاً، أو في أكثريتهم؛ فكل "مُنْتَج" لم يأتِ إلاَّ من طريق صراعٍ يخوضونه ضدَّ بعضهم بعضاً، ولم يؤدِّ إلاَّ إلى إثارة مزيدٍ من النزاع بينهم؛ فهذا يُحلِّل (سياسياً ـ دينياً) ما حرَّمه ذاك؛ وذاك يُحرِّم ما حلَّله هذا؛ فالتبس الأمر، وأشْكَل، على العامَّة من المسلمين، فغدا "الانشقاق"، فكراً وموقفاً، سمة "الأسلمة" لحياتنا السياسية.

إنَّ استثمار "السياسة" في "الوجدان الدِّيني" للعامَّة من الناس هو الأسوأ على وجه الإطلاق؛ حتى تجويع إنسانٍ ما توصُّلاً إلى جعله يخضع ويستخذي لمشيئتك وإرادتكَ يَقِلُّ سوءاً عنه؛ فهل يبقى من أثرٍ للحرِّية السياسية إذا ما نَفَثْتَ في روع مواطِنٍ (أو ناخِب) أنَّ هذا الخيار السياسي "حرامٌ (يُغْضِب الله، أو لا يرضيه)"، وأنَّ ذاك هو "الحلال (الذي يرضي الله، فيُثِيبُكَ بأخذكَ به جنَّات تجري من تحتها الأنهار)"؟!

وكم رَأَيْنا "الخيار السياسي الحلال" يتمخَّض عمَّا يعود بالضرر على "المصالح الحقيقية الواقعية" للذين زُيِّنَ لهم الأخذ به، وبالنَّفْع على ذوي المصالح (الدنيوية) الفئوية الضَّيقة؛ وكم رَأَيْنا أولئك المتضررين (أيْ الشعب) يُعلِّلون أنفسهم بعزاء "حُسْن الثَّواب"!

إنَّنا في زمن يَجْعَل خداع أحدنا للآخر مهمَّة من دون نجاحها خرط القتاد؛ فالمشتغلون بسياسةٍ يتوفَّرون على تديينها (أو أسلمتها) إنَّما هُمْ (في حقيقتهم العارية) طُلاَّب حُكْمٍ وسُلْطةٍ بما يعنيه لهم دنيوياً الحُكْم والسلطة؛ وهُمْ، من ثمَّ، مكيافليون أكثر من مكيافلي نفسه، ومُتمثِّلون لمعاني "الأمير" أكثر من صاحبه؛ فـ "الوجدان الدِّيني" للعامَّة من الناس إنَّما هو وسيلتهم للتضخُّم، ولمزيدٍ من التضخُّم، "الشعبي ـ السياسي ـ الانتخابي" لحزبهم؛ ولو أمْعَنَّا النَّظر في جوهر صلتهم السياسية ـ الدِّينية بالمُسْتَخْذين لمشيئتهم من الناس لَوَجَدْنا أنْ لا فَرْق يُذْكَر بينهم وبين باعة "صكوك الغفران"، وأنَّهم يشبهون كثيراً المضاربين في سوق الأسهم؛ فَهُم، ولدى وجودهم في "المعارَضة"، يشترون الرَّخيص من الأسهم (وهي كناية عن منافِع ديمقراطية لهم) فإذا آل إليهم الحُكْم والسلطة باعوا الأسهم نفسها بأغلى الأسعار (أيْ قَتَّروا ديمقراطياً على معارضيهم).

في مجتمعنا العربي (الإسلامي) يمكن أنْ تُمكِّن الغالبية الشعبية الانتخابية (الحُرَّة تماماً في إرادتها، وفي تصويتها) حزباً دينياً إسلامياً من الوصول إلى السلطة، ومن إحكام قبضته على الدولة وسلطاتها ومؤسساتها، ومن "أسْلَمة" كل مناحي وأوجه حياة المجتمع؛ وهل من "ديمقراطي واقعي" يستطيع إنكار أنَّ غالبية الناس عندنا تُؤْمِن إيماناً لا يتزعزع بأنَّ "الإسلام هو الحل (لكل مشكلاتنا)"؟!

حتى الفشل (والفشل الذريع) الذي مُنِيَت به تجارب إسلامية عدة في الحكم، يُفْهَم "شعبياً" على أنَّه دليل (أو دليل سلبي) على أنَّ "الإسلام هو الحل"؛ فالذي فَشِل، على ما تعتقد العامَّة من المسلمين، إنَّما هو "صاحب التجربة"؛ ولقد فشل؛ لكونه أساء فَهْم الأمور، وإدارة الشؤون، بما يوافق "الإسلام الحقيقي"، الذي يشبه "جوهر" الشيء عند كانط؛ و"جوهر" الشيء، عند هذا الفيلسوف، هو أمْرٌ يستحيل على البشر إدراكه!

هذا "التناقض (أو هذا الإشكال)" لا يُحَل بعبارات من قبيل "الشعب جاهل"، أو "لا يعي مصالحه الحقيقية"، أو "مُسَيَّر من الداخل بوعيٍ لا يسمح له بوعي حقوقه ومصالحه"، أو "يتوهَّم أنَّه حُرٌّ في إرادته واختياره"، أو "يستخذي لقوى فكرية يكفي أنْ يستخذي لها حتى يتصرف بما يجعله عدواً لدوداً لنفسه".

وإنَّ أوَّل ما ينبغي لنا حَسْم أمره، في أذهاننا السياسية؛ لأنَّه محسوم في العالم الواقعي للسياسة، هو أنْ لا وجود الآن، أيْ في زماننا، لـ "حُكْمٍ إسلاميٍّ"، يقوم على "مبادئ سياسية إسلامية خالصة"، وإنْ وُجِدَ (أو ظلَّ ممكناً الوجود) حُكْمٌ (أو نظام حُكْم، أو نظام سياسي) يَنْسِبَهُ أصحابه إلى "الإسلام"، ويُلْبِسونه (من طريق الاجتهاد والتأويل) لبوس "الإسلام"؛ فَلْنُمَيِّز "الحُكْم الإسلامي (الخالص، والذي أصبح أثراً بعد عين)" من "حُكْم الإسلاميين"؛ فالأوَّل ما عاد ممكناً الوجود؛ أمَّا الثاني، فيُوْجَد الآن؛ وقد يُوْجَد مستقبلاً.

الأمر يلتبس علينا، ويختلط؛ لأنَّ طُلاَّب الحُكْم (أو السُّلْطَة) في عالمنا العربي والإسلامي يجتهدون دائماً في انتزاع مبادئ وطرائق ومفاهيم للحُكْم من أمكنة وأزمنة مختلفة؛ لكنَّها تَصْلُح، على وجه العموم، ولأسباب واقعية، لابتناء نظامٍ سياسيٍّ (عندنا) منها، فيتوفَّرون، من ثمَّ، وبمعونة "مُفَكِّرين إسلاميين"، على كَسْو هذه "العِظام" الأجنبية، أو العالمية، "لَحْماً (أو شيئاً من اللَّحْم)"، هو كناية عن "مفردات" و"عبارات" و"تسميات".. إسلامية، وإنْ تَسَبَّب عملهم هذا بكثير من التنافُر بين "محتوى (جُلُّه له مثيل عند غيرنا)" وبين "تشكيلهم له تشكيلاً إسلامياً"، أيْ وَضْعِهم له في شكلٍ، أو قالَبٍ، إسلامي؛ وليس أدل على ذلك من تصالحهم الفكري (عن اضطِّرار) مع نَزْرٍ من "الطريقة الديمقراطية في الحُكْم"؛ فَهُم، وبشيء من "التأويل"، الذي يجيدون لعبته، جعلوا الفَرْق بين "الشورى" و"الديمقراطية" من الضآلة بما كاد أنْ يجعلهما شيئاً واحداً؛ وإنْ اعتبر بعضهم "الشورى" أوسع وأشمل وأعمَّ من "الديمقراطية".

هُمْ، وعن اضطِّرار، وفي رُبْع السَّاعة الأخير من القرن العشرين، اكتشفوا "الشَّعْب (أو الأمَّة)"، بمفهومه المتواضَع عليه عالمياً؛ واكتشفوا أنَّ هذا "الشعب" يَصْلُح لاتِّخاذه (بإرادته) مَصْدَراً (مع مصادِر أُخرى) للسُّلطة، ولـ "الشرعية السياسية في الحُكْم"؛ واكتشفوا أنَّ "اتِّخاذ صندوق الاقتراع طريقاً إلى الحُكْم" ليس من الكفر في شيء؛ لكنَّهم لم يكتشفوا بَعْد أنَّ كل هذا الذي اكتشفوه ليس بذي أهميةٍ ديمقراطية جوهرية إذا لم يكتشفوا أهمية وضرورة القِيَم والمبادئ الديمقراطية كافَّة، بصفة كونها "الجوهر" من "الديمقراطية".

وشتَّان الآن ما بين "أَسْلَمة" نظام سياسي (أو اقتصادي، أو اجتماعي) ما، و"نظام سياسي (أو اقتصادي، أو اجتماعي) إسلامي خالص"؛ فـ "الأَسْلَمَة" ممكنة، وواقعية؛ وليس بالأمر المستعصي على المرء أنْ يَجِدَ، إذا ما فَكَّر أو اجتهد قليلاً، في "النَّص"، أو "الظاهرة"، مدار اهتمامه، ما يرغب في وجوده.

إنَّ "الأَسْلَمَة" ليس إلاَّ، هي "حقيقة" جماعات وأحزاب "الإسلام هو الحل"؛ وكأنَّ التعبير عن "المشكلات نفسها"، و"الحلول نفسها"، بـ "لغة إسلامية" يكفي للقول بشعار "الإسلام هو الحل"؛ فأين هي الآن "المشكلة الكبرى" التي أَعْجَزت غيرنا عن حلها، ولَمْ تُحلَّ إلاَّ على أيدي أصحاب هذا الشعار، والقائلين به؟!

وفي "العولمة"، وبها، تتَّسِع، في استمرار، دائرة المشكلات المتشابهة المتماثلة بين الدول والشعوب كافَّة، وتتَّسِع معها دائرة الحلول المتشابهة المتماثلة؛ والدِّين، أيُّ دِين، ليس في وسعه إلاَّ أنْ يقف على الحياد من هذه المشكلات وحلولها، لأنَّها تَقَع في الخارج من نصوصه، ومن معانيها الحقيقية؛ فإنَّ لكلِّ عصرٍ ما يُميِّزه من "المشكلات"؛ أمَّا "الحلول" فهي "بَنَات" المشكلات نفسها.

لقد اتَّسَع مصطلح "الإسلام السياسي" انتشاراً؛ وهذا المصطلح يَدُلُّ على معانٍ عدَّة، أهمها أنَّ الإسلام (دِينَاً) ينطوي ويشتمل على جُمْلَة من "المبادئ (والمفاهيم والأحكام) السياسية"، التي بعضها على هيئة "النَّص"، وبعضها يأتي به "فقهاء"، أو يتأتَّى من طريق "التأويل"، أيْ من طريق البحث عن "المعاني الخفية" وراء "المعاني الظاهرة" في الكلام الدِّيني، أو النُّصوص الدِّينية؛ ولا بدَّ للمشتغلين بتسييس الدِّين من أنْ يتوفَّروا على إقامة الدليل للعامَّة من المسلمين على أنَّ القضايا والأمور والشؤون السياسية جميعاً لا تُسْتَثْنى من الدِّين، أو من "حُكْم الشَّرع"، أو ما يشبهه، منزلةً، وينبغي لهم (أيْ للعامَّة من المسلمين) أنْ يعتادوا فَهْمَها وتفسيرها دينياً، وأنْ يَقِفوا من كل أمْرٍ سياسي يعنيهم موقفاً دينياً، وكأنَّ ميزان "الحلال والحرام" الدِّيني (الإسلامي) يَصْلُح، أيضاً، لوَزْن "الموقف السياسي"، للفرد، أو الجماعة، به.

وثمَّة مِنْ معارضي وخصوم "الحُكْم الإسلامي" مَنْ يَفْهَم "الإسلام السياسي" على أنَّه "الجماعات والمنظمات والأحزاب التي تتلفَّع بـ "الإسلام" خِدْمَةً لمآربها السياسية، ومِنْ أجل الوصول إلى السلطة".

"الإسلام السياسي"، ولجهة معناه (ومحتواه، وخواصِّه) الواقعي الملموس، ليس بمدار اتِّفاق حتى بين جماعاته ومنظَّماته الكثيرة المتكاثرة؛ فالمُنْتَمون إليه لا يتَّفِقون حتى على ماهيته، ومبادئه، وأُسسه؛ وأحسبُ أنَّ اختلافهم فيه لا يَقِل عن اختلاف الإسلاميين (على وجه العموم) في "الإسلام نفسه"؛ وليس في هذا، وذاك، ما يثير الدهشة والاستغراب؛ فاختلاف الأمكنة والأزمنة، وظروف عيش الناس، ومصالحهم وحاجاتهم الواقعية، لا بدَّ له من أنْ يُتَرْجَم باختلاف في فَهْم الفكر نفسه، أيْ في فَهْم مبادئه عند كَسْوِها بالتفاصيل من حياتهم الواقعية.

وإنَّ من الأهمية بمكان أنْ نقول، في هذا الصدد، إنَّ تاريخ العقائد يُثْبِت ويؤكِّد أنَّ الفكر، أيُّ فكر، يَكْمُن في حاجات ومصالح الناس الواقعية قبل ظهوره، فإذا تَوافَق معها، وخدمها، انتشر وساد وازدهر، وإذا دَخَل في نزاعٍ معها، واحتدم هذا النزاع، فلا بدَّ له من أنْ يتضاءل وزناً وتأثيراً، ويَفْقِد جاذبيته، أو كثيراً منها؛ كما يُثْبِت ويؤكِّد أنَّ البشر يمكن أنْ يناصبوا بديهية هندسية العداء إنْ وَجَدوا أنَّها تتعارَض، أو أصبحت تتعارض، مع مصالحهم (الواقعية).

إنَّ الناس في مجتمعاتنا الإسلامية متديِّنون، على وجه العموم، ولديهم من "الإيمان الدِّيني (وقوَّته)" ما يَحْمِلهم، في استمرار، على أنْ يسألوا عن "الحلال" و"الحرام" في كل أوجه وتفاصيل حياتهم الواقعية (واليومية).

ومن هذا المَدْخَل، مَدْخَل "الحلال والحرام"، تَدْخُل جماعات "الإسلام السياسي"، أيضاً، إلى عقول ومشاعر العامَّة من الناس، فتغدو "السياسة"، مع كل ما يمت إليها بصلة، شيئاً يمكن ويجب قياسه بميزان "الحلال والحرام"؛ وفي هذا على وجه الخصوص يَكْمُن خطر "الإسلام السياسي"؛ فـ "الإيمان الديني"، والذي هو أمْرٌ يَخُصُّ صاحبه فحسب، يتفرَّع ويتشعَّب لِيَشْمَل "التديين" للسياسة، وسائر أوجه حياة الناس الواقعية (أو الدنيوية).

وهذا ما نراه جليَّاً واضحاً في دعوة العامَّة من المسلمين إلى أنْ يَنْتَخِبوا مَنْ (وما) يُمثِّل "الحلال"، ويِكْفوا أنفسهم شرَّ انتخاب مَنْ (وما) يُمثِّل "الحرام"؛ وإلى أنْ يتوفَّروا على تمييز "الحلال" من "الحرام" في مفاهيم ومبادئ وآراء ووجهات نظر ومواقف تنتمي إلى "السياسة"، وإلى "عالمها الواقعي".

بعض الناس العاديين يمكن أنْ يَفْهَم، أو قد يَسْهُل إفهامه، أنَّ "التهجُّم" على ما يسمَّى "الإسلام السياسي"، هو تَهَجُّمٌ على "الإسلام" نفسه؛ وهذا إنْ دلَّ على شيء فإنَّما يدلُّ على أهمية وضرورة تقويض هذه الصلة المصطنعة الزائفة بين "الدِّين" نفسه وبين المتَّخِذين أحزابهم "لساناً سياسياً" للدين؛ ولقد أقامت تجارب المزاوجة بين "الدين" و"السياسة" الدليل على أنَّ هذه المزاوجة لا تفيد إلاَّ في شيء واحد، هو تشويه طرفيها معاً؛ فالدين لا يبقى ديناً، والسياسة لا تبقى سياسةً.

وهذا إنَّما يعني أنَّ الخيار السياسي الأسهل لدى كثير من الناس في مجتمعنا هو موالاة أحزاب "الإسلام السياسي"، والتصويت، في الانتخابات، لمصلحة مرشَّحيها؛ ولطالما سمعنا كثيراً من الناخبين يقولون، بعد إدلائهم بأصواتهم، وهٌمْ "مرتاحو الضمير (الديني)"، "يكفي أنَّ هذا المرشَّح إسلامي"؛ وكفى الله المؤمنين شرور التفكير والتمحيص والتدقيق.. وكل جهد يمكنهم وينبغي لهم بذله توصُّلاً إلى تمييز "الغثِّ" من "السمين"، و"النقد المزوَّر" من "النقد الحقيقي"!

وهذا الالتباس والاختلاط لدى كثير من الناس هو ما غذَّى ظاهرة "الانتهازية السياسية" لدى أحزاب "الإسلام السياسي"، فالأمر (والذي هو اكتساب النفوذ السياسي، ومزيد منه) لا يحتاج إلى حزب يجتهد في كسب مؤيِّدين له كَسْباً سياسياً صرفاً؛ ويكفي أنْ يكون شعاره إسلامياً حتى "يَسْمَن" سياسياً وشعبياً وبرلمانياً، ويزداد "سمنة"!

لكنَّ كل ما تبذله جماعات "الإسلام السياسي" من جهد (فكري) في "تديين"، أو "أسْلَمَة"، السياسة، لا يتمخَّض، في آخر المطاف، إلاَّ عمَّا يقيم الدليل على أنْ لا وجود لشيء يُدْعى "النِّظام السياسي الإسلامي"؛ فهذه "الجماعات"، مع مفكِّريها، إنَّما تُوفَّق في شيء واحد فحسب هو إلباس نُظِمٍ سياسية (عالمية) لا جذور لها، ولا أصول، في الفكر الإسلامي، لبوساً إسلامياً؛ وهذا اللبوس نراه على وجه العموم كالشَّكل الذي في نزاعٍ مع محتواه.

حتى المحتوى نفسه يُفْسَد ويُشوَّه ويُمْسَخ بـ "الانتقائية" و"الاجتزاء" و"الإضافة (التي هي إضافة عناصر لشيء ليست من جنسه)".

وهذا الذي قلناه إنَّما يؤكِّد أهمية وضرورة أنْ نعي ونُدْرِك الفَرْق بين "نظام سياسي إسلامي (لا وجود له واقعياً وتاريخياً)" حتى نخشاه، ونتطيَّر منه، وبين "أسْلَمة" نُظَم سياسية عالمية؛ وهذه "الأسْلَمة السياسية" هي امتداد لـ "الأسْلَمَة الاقتصادية"، والتي فيها، وبها، نرى النظام الاقتصادي الرأسمالي، مثلاً، وهو يرتدي رداءً إسلامياً (كرداء "المرابحة" الذي ترتديه "الفائدة" البنكية الربوية).

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.