مجموعة من البحارة العرب، ترسو سفينتهم بجزيرة بعد صراع مع أمواج البحر، بالجزيرة يلتقون بغوريلا ضخمة يصعب تمييز أعضائها، هذه الأخيرة تتحدث. بفزعهم من المشهد يهرعون نحو دير موجود بتلك الجزيرة، داخل هذا الدير يجدون رجلا مكبلا، بادر الرجل المكبل بسؤال البحارة أسئلة غريبة نوعا ما ـ بالنسبة إلى حالته كسجين مهجورـ : سألهم عن نخل بيسان (مدينة فلسطينية قديمة)، وبحيرة طبرية (بالحدود الإسرائيلية السورية)، وعين زغر (قرية أردنية)، مؤكدا قرب تعرض هذه المناطق للجفاف: كعلامة على بدء مهمته..


المسيح الدجال يعرّف بالتراث الإسلامي على أنه أكبر فتنة أو أسوؤها، نظرا إلى ارتباطه بنهاية العالم ـ من منظور إسخاتولوجيا الإسلام (سيناريو النهاية). المسيح الدجال كما جاء في ذكره المتضارب، ذو نسب يهودي ـ كإسقاط أيديولوجي على العدو ـ يقوم بالتلاعب بالناس لاستعمالاتهم حسب أجندته ـ وهي التضليل الديني ـ بذلك سيتبعه العديد من اليهود ـ دائما بظل الإسقاط وما يوفره من تفريغ وجداني. الأمر نفسه ينطبق على البغدادي الذي ذهبت بعض الإشارات في نسبه للأجندة الصهيونية، شخصية كما هو ظاهر تعاني من عقدة المسيح (مهمة تخليص العالم من الشرور بأي وجه كان، وذلك قبل نهاية العالم !)، له قدرة على تضليل الأتباع ـ مثلما المسيح الدجال قادر على تضليل الأتباع كممثل للدين الحق ـ هنا يرى المسلمون أو ينعتون البغدادي بالجانب الدجلي (من الدجل) للإسلام، مثلما تم نعت المسيح الدجال (في المتخيل الدين- شعبي). المسيح الدجال تكمن قوته في قدرته على الإغراء، كذلك البغدادي الذي يصل مدخول تنظيمه لـثلاثة مليون دولار في اليوم ـ نتيجة فتح سوق سوداء لبيع النفط ومصادر إجرامية أخرى. نشاط البغدادي/الدجال يتمحور بين سوريا والعراق: وهناك رعب أو بالأحرى عجز عن الاقتراب

من السعودية (مكة المحروسة من الدجال)، وبيت المقدس ـ المناطق الفلسطينية والإسرائيلية. الأهم في ذلك: هو أن كل ذلك إسقاط وهمي لحرب نهائية بين الشر والخير، على غرار نمط حرب النجوم التلفزيونية ـ دون اعتبار لحركة الكون، الذي يمتثل ـ بكامل هيبته ودوران نجومه وضخامته ـ لسلوكات الدجال الشاذة في صراعه مع ممثلي الحق (المهدي والمسيح المخلص الذي يعود لإتمام السيناريو).


إن الأمر لا يتعلق بأكثر من إيطيقا إسلامية جانبية، يتم السعي لفرضها على الرغم من عدم استيعاب ضيق مفاهيمها لشساعة المتغير الواقعي الاقتصادي، بظل أنظمة تكافح لتحقيق أرضية (سياسية) واقعية: فالديمقراطية لدينا ليست نظاما سياسيا ـ كما يحسب الجميع ـ إنما نظام إلكتروني افتراضي. كيف؟ الديمقراطية كحكم للشعب وتأثير للرأي العام لا تحدث من خلال النشاط السياسي للأفراد، إنما من خلال النشاط الالكتروني: وكمثال للتوضيح ـ يتضمن الفكرة التي حاولت بناء الموضوع عليها ـ فحينما يتعرض فرد / مواطن للظلم، فإن المؤسسات الحكومية بعجزها عن إنصافه أو رد حقه ـ نتيجة الالتباس الإداري والتمييز الطبقي الاجتماعي ـ يكفي أن يضع شريطا مصورا بحسابه الاجتماعي الالكتروني، حتى يهتز الرأي العالمي لوضع حل واحد لمسألته. الديمقراطية تنبع من الأنترنيت وليس من الأنظمة: صارت الآلة أكثر أخلاقية وقيمية من الإنسان وأيديولوجياته. الأنترنيت والمواقع الاجتماعية تضمن للإنسان نسبيا، ما تعجز الأنظمة والأحزاب الثرثارة عن تقديمه.


انفضاح العديد من الممارسات، وانكشاف العجز السياسي والديني، بظل الأنترنيت وعلى شاشاتها: وما تولده من ردود فعل جمهورية مؤثرة. لم يعد ـ إثر ذلك ـ للفرد/المواطن ثقة بالأخلاقيات السياسية والدينية، بقدر ثقته بما تفصحه شاشة هاتفه أو حاسوبه. فهل تكون نهاية الدجل الديني والسياسي ـ كنهاية للعالم من زاوية الإسخاتولوجيا الضيقة ـ على يد الأنترنيت كمهدي منتَظر لم يعد منتَظرا وإنما ناشطا، فاضحا، مؤثرا، ديمقراطيا، مفصحا؟ هل هي نهاية بوادر السياسة الميتافيزيقية (بمستبديها السياسيين والدينيين والمثقفين والموظفين على حد سواء) مقابل أخلاقيات الآلة الأكثر صدقا من الإنسان؟ نظرا إلى أنها لا تفعل أكثر من فضح تناقض الإنسان وانقسامه مع الآخر وذاته بنفس الوقت؟ حيث يتراجع مفزوعا من وجهه المعيب أمام مرآة الآلة، بعض استيقاظه من وهم الجمال والدلال والعناية السماوية العادلة رغم كل الشرور والظلم الممارس على ذاته ـ انطلاقا من ذاته ؟

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.