في ندوة مغلقة في بيروت افتُتح لقاءٌ حول الدين والسياسة وما العلاقة المحتملة بينهما في ظل التغيرات المتلاحقة في عدد من بلدان العالم العربي، خصوصاً بالعلاقة مع «الربيع العربي»، أي مع ما اصطُلح عليه تعبيراً عن الرأي بأن حالة جديدة من التحولات الإيجابية أخذت تنبئ عن ظهورها أو عن احتمال ظهورها في بلد عربي أو آخر، مثل تونس وسوريا. وقد لوحظ أن الأمر راح يعلن عن نفسه بطريقة دراماتيكية ملفتة. وقد اتخذت النظم العربية المعنية موقفاً حاداً، حيث أعلنت عن أن اضطرابات راحت تُحدث أسئلة يمكن أن تأتي الأجوبة عنها قاسية ومُفعمة بالإدانة والشك بمصداقية ما راح يظهر تحت راية «الربيع» المذكور.


وإذ كان الأمر كذلك، فقد أخذت تتالى الإدانات لذلك، وظهرت منها مثلاً التالية: ما راح يحدث إن هو إلا حركات دينية، إسلامية سلفية خصوصاً، أو أن الأمر أكثر من ذلك، لأنه يرتبط بـ«مؤامرة كونية» يقودها هذا البلد الأجنبي أو ذاك. أما التهمة الثالثة وُجّهت للأحداث الجديدة الصاعدة فقد اكتسبت طابع الاتهام لهذه الأخيرة فقد أعلن أنها مضادة للنظم العربية، لأنها تسلك مسلك الاستئثار بالسلطة والثروة وغيرها، كما تمارس دوراً قامعاً للمنتفضين المخربين. وقد بدأ السادات بتلفيق هذه التهمة لمن يخرج إلى الشارع مطالباً بحقوقه، حين اتهم الهبَّة الشعبية في حينه بكونها «انتفاضة حرامية». ولعلنا نتبين الآن ذرائع أخرى لإدانة أحداث جديدة قد تظهر. والآن، نتناول الإدانة الأولى القائلة بكون الأحداث «الربيعية» المعنية لا تتعدى كونها موقفاً ينظر إلى الإسلام منذ البدء بوصفه إيديولوجية سلفية وحركة سلفية، يسعى أصحابها إلى تعميمها بإطلاق في سائر الحقول المجتمعية، بحيث يتأسس مجتمع عربي سلفي ظلامي يقمع التنوير والعقلانية. لم يضع الكثير من الباحثين في هذا الحقل أيديهم على «النص المغيّب أو المضمر» في ذلك. والواقع، في أقل تقدير، إن ذلك النص المغيّب المضمر إن

ما هو قائم على غايات ومقاصد قد لا تغيب عن عين الباحث المدقق بمساعدة عنصر التفكيك البنيوي الجدلي. فهذا الأخير ودرئاً لما قد ترفضه فئات إسلامية، مثلاً، للتحدث عن التحديث والمعاصرة والتنمية على صعيد الإسلام، فإن الأمر – هو عصري تطويري جريء – قد يصبح قابلاً للطرح والتسويغ بذرائع منهجية معاصرة تمارس الرؤية السياسية دور القاع الخبيئ. ومن المحتمل جداً أن تُلحق تلك الرؤية الذريعية لمقاصد أو ضرورات سياسية في الحقل الإسلامي، بمنظومة «القراءات المتعددة» لنص أو آخر. وهذا يجعلنا نقف أمامه، متخذين الحذر من الخلط بين المعرفي والمصلحي.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.