تواصل الصحافة الخليجية هجومها على المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر، منذ لقائه بالرئيس عبد ربه منصور هادي في مدينة عدن، نهاية الشهر الماضي.

و تتهم الصحافة الخليجية، و بعضها مقربة من مصادر القرار في السعودية و الامارات، تتهم بنعمر بلعب دور غامض في اليمن.

غير أن تهم صريحة وجهت لـ"بنعمر" من قبل أطراف خليجية، بسعيه لتداري فشله في الملف اليمني، باتجاه طرح خيار دولتين، كحل للأزمة اليمنية.

الخليجيون يرفضون خيار الانفصال في اليمن، و يصطفون بقوة مع خيار الاقلمة، ادراكا منهم أن انفصال اليمن إلى دولتين، سيبعد عنهم هيمنتهم على القرار السياسي في اليمن.

النظرة الخليجية

الخليجيون يرون أنه في حال انفصل جنوب اليمن عن شماله، ستفتح دولة الشمال علاقات واسعة مع خصومهم الايرانيين، فيما سيكون التواجد الامريكي، و ربما الروسي قويا في جنوب و شرق البلاد.

الهجوم على بنعمر من قبل الصحافة الخليجية، هو في الأساس مؤشر على خلاف امريكي – خليجي، وبالذات بين أمريكا و السعودية و الامارات، حيث يرى الخليجيون أن الامريكان يدفعون باتجاه انفصال الجنوب عن الشمال، في اطار تفاهمات اقليمية تضمن تواجد امريكي في السواحل الجنوبية و الشرقية لليمن.

هجوم على بنعمر

يبدو ذلك واضحا من خلال البوستر الذي نشرته صحيفة "البيان" الاماراتية، و سردت فيه جزء من السيرة الذاتية للمبعوث الأممي جمال بنعمر، حيث ركزت فيه أن الرئيس الأمريكي السابق كارتر هو من جاء بـ"بنعمر" إلى الأروقة الدولية. و هي رسالة ضمنية أن بنعمر يمثل السياسة الامريكية في اليمن.

و من خلال بوستر "البيان" تم التركيز على مشاركات بنعمر السابقة في المشاكل التي شهدت منطقة الشرق الأوسط في افغانستان و العراق، و هما المنطقتان اللتان لا تزالان مضطربتان.

كما ركزت "البيان" الاماراتية على تصريحات لـ"بنعمر" في الشأن اليمني، أرادت من خلال القول أنه يسعى لتعويم الحل في اليمن للدفع بالأوضاع إلى مآلات ربما تخدم طرف معين، أو السير باتجاه معين.

هجوم صحيفة "البيان" على بنعمر، جاءت بعد أقل من "24" ساعة من عودة "بنعمر" إلى صنعاء، بعد زيارة إلى الرياض و الدوحة، خلال الأيام الماضية.

جاءت زيارة بنعمر إلى الدوحة، بعد أيام من وصف قطر لـ"بنعمر" بأنه كارثة على اليمن، و ربما هدف بنعمر من زيارة إلى الدوحة لتخفيف حدة غضب الدوحة منه، و السعي لإيجاد تفاهمات معها.

حوار الرياض

أما زيارة بنعمر إلى الرياض، تأتي في ظل خلاف واضح بين المسار الحواري الذي يشرف عليه بنعمر و المسار الحواري السعودي الذي يريدونه في اليمن.

الأمم المتحدة كلفت بنعمر بإعلان بتحديد مكان حوار القوى السياسية اليمنية، و السعودية اعلنت موافقتها على استضافة الحوار اليمني.

و في الحالتين، يتضح وجود خلاف سعودي – امريكي، حول المرحلة القادمة في اليمن، حيث تقول التسريبات التي نشرتها وسائل اعلام، إن بنعمر قال إن الأمم المتحدة هي المعنية بتحديد مكان الحوار، على اعتبار أن البلاد تحت الوصاية الدولية، و أن حوار الرياض شأن أخر.

بنعمر و قبل سفره إلى الرياض، واصل الاشراف على جلسات حوار القوى السياسية، التي تم فيها مناقشة وضع الحكومة و مؤسسة الرئاسة، و الأخيرة يرى الخليجيون أنها الشرعية الوحيدة المتبقية في اليمن، و التي يراهنون على بقائها لاستمرار العملية السياسية.

يبدو من ذلك أن الخليجيين يدفعون باتجاه رفض تشكيل المجلس الرئاسي، الذي يراه الحوثيون هو الحل للخروج من الأزمة، و هو ما يتماهى معه بنعمر.

هادي في الحضن السعودي

يبدو جليا أن هادي ارتمى في الحضن الخليجي – السعودي، و تشهد علاقته حالة جفاء مع الامريكان، الذي يشعر أنهم خذلوه خلال الفترة الماضية، التي كان يحرص خلالها أن تكون خطوطه مع الأمريكان مفتوحة أكثر من انفتاحها على المحيط الاقليمي.

ربما هناك اطماع سعودية في اقليم حضرموت، غير أن تخوفات سعودية، تبدو ماثلة للعيان من التقارب الأمريكي – الايراني، حيث صارت ايران تمثل كابوسا مزعجا للسياسة السعودية في جنوب الجزيرة العربية، و بات السعوديين لا ينظرون إلى اليمن، إلا باعتبارها حاملة طائرة ايرانية رابضة عند حدودهم الجنوبية.

السياسة السعودية في اليمن

و على هذا الأساس يبني السعوديين سياستهم مع اليمن، حيث يرون في الوضع الحالي، وسيلة مثلى للتحكم باليمن، و ارغام القوى الفاعلة على الساحة اليمنية على السير حسب ما يريدون وفق الضغوطات التي يمارسونها.

السياسة السعودية تجاه اليمن تبدو متخبطة و غير واضحة، دافعها الأول ابقاء اليمن حديقة خلفية لعقد قادتها الذين يصرون على رميها في اليمن، في حين تستند السياسة الأمريكية على مصالحها في المنطقة بشكل عام، و التي تتغير بموجبها السياسة الامريكية.

السعوديون و منذ أكثر من ثلاثة عقود، يمارسون سياسات خاطئة في اليمن، أضرت بالشعب اليمني، و دفعت بالأوضاع إلى ما وصلت إليه اليوم، و الأدهى من ذلك أن غالبية اليمنيين باتوا يرون في السعودية عدوهم الأول.

السعودية احبطت ثورة 2011 بمبادرتها التي اعادت النظام القديم إلى السلطة، و بعد 3 أعوام بات صالح الذي تناصبه السعودية العداء اليوم، كما يظهر اعلاميا، هو المتحكم بتسيير دفة الأمور في العاصمة، ضدا على الشعب الذي ثار عليه قبل 3 أعوام.

و تسعى السعودية اليوم للحفاظ على الرئيس هادي و دعم شرعيته، للحفاظ على تواجدها و هيمنتها على القرار السياسي في اليمن و تقسيمه إلى ستة أقاليم تضمن سيطرتها على أغنى هذه الأقاليم و أكثرها أهمية.

الدور الروسي

و فيما يزداد الصراع بين هادي المتحصن في الجنوب و الحوثيون الممسكين بالحكم في العاصمة، يزداد الخلاف الامريكي – السعودي، على حل الأزمة الراهنة في البلاد.

و بين المتصارعين المحليين و الدوليين، يظهر الدور الروسي، الذي يبدو أنه لا يزال توفيقيا بين المتصارعين، كون الروس يرون في الوقت الحالي اهمية بالغة لتواجدهم في اليمن.

و في حال استمر الخلاف السعودي – الامريكي في اليمن، سيزداد اشتعال صراع هادي و الحوثيين، و هو ما قد يدفع بالأمور باتجاه الانفجار.

واقع جديد على الأرض

الحوثيون يرفضون التوجه إلى الرياض، و يشعرون أنهم سيبقون الوحيدين المعارضين لمؤتمر الرياض، ما قد يدفعهم باتجاه افشال هذا المؤتمر بفرض واقع جديد على الأرض.

الواقع الجديد الذي يسعى الحوثيون باتجاهه، يتمثل في اقتحام عدن، و هو ما يتوافق مع ارادة الرئيس السابق "صالح" الذي يملك تأثيرا على كثير من الوحدات العسكرية في محيط عدن الممتد من لحج إلى الضالع إلى تعز.

في حال أصر الحوثيون على رفض مؤتمر الرياض، لن يعارضوا و يظلوا وحيدين في صنعاء، بالتأكيد سيسعون إلى افشاله عبر فرض واقع جديد على الأرض، و هو ما قد يتوافق مع ما يذهب إليه الامريكان، الذين يرون في التعامل مع الطرف الأقوى، هو ما يحقق مصالحهم في المنطقة.

انذار امريكي

السفير الأمريكي زار هادي قبل أيام إلى عدن، مرتين، و تقول معلومات أنه كشف له عن مخطط لـ"صالح" و "الحوثي" باقتحام عدن و قصف القصر الرئاسي في المعاشق، ما يعني انذار امريكي بأن الحوثيين قادمون و أن افشال هذا المخطط، يعني الابتعاد عن الحضن السعودي.

و منذ زيارة السفير الأمريكي الأخيرة حاول هادي تكثيف لقاءاته مع أبناء القبائل في الجنوب و الشرق و الوسط و اعلن عن عملية تجنيد واسعة و اعادة المسرحين من أعمالهم، و هي خطوات تعرف بالتعبئة الحربية، و يستشف منها أن "هادي" يتجهز للمواجهة.

اختفاء هادي

اختفاء هادي عن المشهد العام منذ أمس الجمعة، بعد تسريب خبر زيارته للسعودية و من ثم نفيها، يشير إلى أن هناك ما يمكن أن يحدث خلال الأيام القادمة إن لم يكن الساعات القادمة.

انفراج الوضع في عدن بين الأمن الخاص و اللجان الشعبية، يعني انفجار الوضع بين الحوثيين و هادي، و بالتالي قد تشمل المعركة الاقليم المماس لعدن، الممتد حتى الضالع و أجزاء من تعز و أبين، حيث تتواجد الوحدات العسكرية الموالية للحوثيين و صالح، ما يعني تكرار ما حصل في صيف العام 1994.

اختفاء هادي و عدم ظهوره أمس، على الرغم من اعتياد الناس على تغطية أدائه لصلاة الجمعة منذ وصوله عدن، يشير إلى أن مخاوف أمنية باتت محيطة به.

كل ما يمكن أن يحصل في اليمن خلال الأيام القادمة، سواء بالانفجار أو الاتفاق أو تأجيل الصراع و الانفجار، مرده للخلاف الأمريكي – السعودي أو الخليجي بشكل عام حول الملف اليمني و الصراع الاقليمي الذي بات المتصارعين الكبار يصفونه في اليمن، التي تشرف على أهم طريق لمرور النفط العربي، فضلا عن الصلف السعودي في ابقاء اليمن امارة غير معلنة في كنف حكامها الذي لا يصدرون لليمن و لشعبها غير الحروب و الجوع و الجهل.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.